ساعات جنرالات إسرائيل على توقيت واشنطن

مدة القراءة 4 د

أميركا لم تبادر إلى الحرب على غزة، غير أنّ أقمارها الصناعية التي ترصد كلّ سكنة وحركة على سطح الكرة الأرضيّة لا بدّ أن تكون عرفت بما حدث حتى قبل الضبّاط الإسرائيليين الذين كانوا يغطّون في نوم عميق بعد “سكرة كيبور”.

الحسابات الأميركية، التي تتمّ بمقاييسها الخاصة، تفهّمت العصبيّة الإسرائيلية التي ميّزت ردّ الفعل على ما حدث، والتي تجاوزت حدود العملية العسكرية الواسعة إلى حرب اتّخذت سمة التدمير الشامل والإبادة المنهجية.

 

تعرف أميركا قدرات إسرائيل أكثر ممّا يعرفها سياسيّوها، ولذلك حشدت أساطيلها في المتوسّط وفتحت مخازن ذخائرها التقليدية والذكية على مصراعيها، وأرسلت خبراءها وسياسيّيها ومعلوماتها على عجل، إذ من غير المسموح أن تهزم “فلوريدا الشرق الأوسط” وأن لا تنتصر ولو نسبياً في حرب يحتمل أن تشمل عدّة جبهات في وقت واحد، وهذا ما لا تريده أميركا.

بدت إسرائيل في ردّ فعلها متهوّرة أكثر ممّا يمكن أن تهضم أميركا أو أن تدافع عنها، فالتزمت الدولة العظمى بمعادلة ظلّت تعمل من اليوم الأوّل للحرب وستظلّ إلى اليوم الأخير.

تقول المعادلة: نحن مع إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومع أهداف حربها، إلا أنّنا لدينا اعتراضات فنّية على وسائلها.

منطق لا يمكن تجاهله

قَبِل العالم، وإن على مضض، المنطق الأميركي ليس اقتناعاً بصدقيّته أو عدالته، بل تمشّياً مع المقولة الدارجة منذ زمن بأن لا أحد في الكون يمتلك قدرة على الضغط على إسرائيل سواها، ووفق هذا الاعتبار قبِل العالم فكرة أن تكون أميركا طرفاً مباشراً ومقاتلاً ووسيطاً في الوقت ذاته، وقَبِل كذلك فكرة أنّ خلافاً فنّياً نشأ بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية مع تفهّم لحقيقة أنّ تكاليف الحرب بجملتها وتفصيلها مدفوعة من الجيب الأميركي دون قيد أو شرط.

السيّد الأميركي صاحب الأمر والنهي على الجنرالات، وخصوصاً في زمن الحرب

صنّاع القرار الحربي في إسرائيل، وكلّهم تحت القيادة الرسمية لبنيامين نتنياهو، كانت عيونهم وستظلّ مثبتة على الموقف الأميركي، فالمعلّم الاستراتيجي هو الجالس في البيت الأبيض والبنتاغون، وهذا من ينبغي أن يلعب الجنرالات معه.

بتوقيت سياسي يعلن وزير الحرب بين وقت وآخر موقفاً يخالف رئيسه الحزبي والحكومي. وبتوقيت سياسي يستقيل الجنرالات استباقاً للتحقيق معهم بتهمة التقصير. وبتوقيت سياسي يغادر غانتس وآيزنكوت الحكومة، ساحبين معهما الغطاء الداخلي الثمين الذي تدثّر به نتنياهو طوال شهور الحرب… وفي إسرائيل يعني مصطلح التوقيت السياسي ضبط الساعة على عقارب واشنطن.

أميركا لم تفاجأ..

ربّما لم تفاجأ أميركا بما حدث في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لو نظر صنّاع القرار فيها إلى صور الأقمار الصناعية المنتشرة على سطح الكرة الأرضية، أو على الأقلّ شاهدوا ما حدث بعد دقائق من حدوثه، أو على أقلّ الأقلّ قبل أن يعرف جنرالات إسرائيل الذين كانوا يغطّون في نوم عميق بعد “سكرة كيبور” وقبل أن يستفيق عدد منهم فإذا بهم في قبضة حماس ليمضوا شهوراً طويلة في نفق “خمس نجوم” وفي ضيافة يحيى السنوار، حين ظنّوا أنّهم خدّروه ببعض التسهيلات التي منحوها لأهل القطاع ليس رأفة به وبأهله وإنّما كي يحتفلوا براحة واطمئنان بيوم كيبور.

إسرائيل

يدرك جنرالات إسرائيل أكثر من سياسيّيها الرسميين ماذا تعني أميركا بالنسبة لهم ولعملهم، ويدركون أنّهم من دون أميركا لا فرص لهم في قيادة معارك رابحة من تلك التي يفرضها عليهم السياسيون وأجنداتهم.

صنّاع القرار الحربي في إسرائيل، وكلّهم تحت القيادة الرسمية لبنيامين نتنياهو، كانت عيونهم وستظلّ مثبتة على الموقف الأميركي

إذا ما راجع الجنرالات الإسرائيليون معاركهم بين “الأكتوبرين” الرهيبين المصري والحمساوي فليس لهم في هذه الحروب سوى لحمهم الحيّ وباقي ما بقي كلّه أميركي.

إقرأ أيضاً: المنطقة بين أكتوبر الأوّل وأكتوبر الأخير

السيّد الأميركي صاحب الأمر والنهي على الجنرالات، وخصوصاً في زمن الحرب، لا يؤذيه كثيراً أو قليلاً أن يرخي الحبل للسياسيين كي يمارسوا لعبة المناكفة مع الإدارات ووزارات الخارجية وحتى البيت الأبيض، إلا أنّ ما لا يُمزح فيه أن تفقد السيطرة على العسكريين الذين هم الاستثمار الأميركي الأهمّ في المسألة الإسرائيلية كلّها، ولهذا لا غرابة في أن يضبط الجنرالات الإسرائيليون ساعاتهم على عقارب الساعة الأميركية لكن بأغلفة تراعي المعادلات والمكانات.

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…