انتخابات لبنان بين التفاؤل والتشاؤم

بلال صعب – MEI

منحت الانتخابات اللبنانية سبباً كافياً لكلٍّ من المتفائلين والمتشائمين كي تترسّخ اقتناعاتهم. سوف يشير المتفائلون إلى الانتصارات غير المسبوقة للوجوه الجديدة، وكثير منهم من أفراد المجتمع المدني، الذي يتوق للتغيير المنهجي في البلاد. وسيشيرون في الوقت نفسه إلى هزيمة السياسيين التقليديين والزعماء الطائفيين الذين يدعمون الوضع السياسي الفاسد القائم والمتحالفين مع حزب الله، والموالين للنظام السوري.

على الرغم من الوباء العالمي، والظروف الاقتصادية المروّعة، والترهيب، والتزوير المحتمل في بعض الدوائر، وكذلك القانون الانتخابي الذي يخدم إلى حدّ كبير الحرس القديم، كانت هناك اختراقات انتخابية كبيرة. وفي بلد ممتلئ بالسلاح، الخفيف والثقيل، لم يُقتل شخص واحد في هذا الحدث الوطني الضخم. هذا جدير بالملاحظة. التحية للجيش اللبناني لتوفيره الأمن.

التحدّي الآن بالنسبة للأصوات الصادقة التي فازت، هو أن تكون منظّمة بشكل كافٍ داخل البرلمان المقبل لتنفيذ ما كانوا يدعون إليه

سيقول المتشائمون: لأنّ هذه الانتخابات كانت تجري على وجه الدقّة، في ظلّ ظروف اقتصادية سيّئة تاريخياً، وانهيار سياسي، واكتئاب مجتمعي هائل، كان ينبغي على الناس أن يصوّتوا للتغيير (حتى إنّ معظم المجتمع السنّيّ قاطع!). كان ينبغي على المجتمع المدني أن يجد وسيلة للتوحّد، وكان يجب أن يفوز عدد أكبر بكثير من مرشّحي الإصلاح.

يمكنك اختيار أيّ من السرديّتين، ولن تكون مخطئاً تماماً. منذ أكثر من عامين، كتبتُ أنّ الحصول حتى على عدد صغير من مرشّحي التغيير في البرلمان، سيشكّل بداية جيدة لرحلة طويلة وشاقّة لإعادة التأهيل السياسي. لقد تحقّق هذا الهدف بلا شكّ، وهو أمر كبير. هذه الفئة موجودة حالياً، مهما كانت صغيرة وهشّة.

التحدّي الآن بالنسبة للأصوات الصادقة التي فازت، هو أن تكون منظّمة بشكل كافٍ داخل البرلمان المقبل لتنفيذ ما كانوا يدعون إليه. من الواضح أنّ هذا سيكون صعباً جدّاً نظراً لما يتمتّع به حزب الله وحلفاؤه من قوّة كبيرة، وسيُظهر السباق الرئاسي المقبل في تشرين الأول التأثير الفوري لهذه الانتخابات البرلمانية.

إقرأ أيضاً: انتخابات لبنان تجلب التغيير

لم يفُت الأوان بعد لتوحيد المرشّحين للتغيير من أجل تضخيم أعدادهم وتأثيرهم داخل البرلمان المقبل، لكنّ ذلك لن يكون سهلاً نظراً للاختلافات الكبيرة لديهم بشأن الأولويات وتسلسل الإصلاحات. القوات اللبنانية، التي انتصرت بشكل كبير وستشكّل الكتلة المسيحية الكبرى، ليس لديها فرصة فحسب، بل عليها مسؤولية أيضاً للمضيّ قدماً: رفض أيّ مساومة مع سلطات الأمر الواقع، وهو ما لم يفعلوه عندما وقّعوا على تفاهم يقضي بإيصال ميشال عون إلى الرئاسة، وكانت رئاسة رهيبة، وتشكيل جبهة مع أكبر عدد ممكن من المستقلّين والإصلاحيين لإدخال بعض التغيير الذي تمسّ الحاجة إليه في النظام.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

“ملكة الجليد” تواجه ترامب… بابتسامة

الأسلوب الهادئ نفسه الذي اتّسمت به رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم خلال حملتها الانتخابية، واعتُبر حينها ضعفاً سياسيّاً، وجعل خصمها يطلق عليها لقب “ملكة الجليد”، هو…

فريدمان: ماسك يلعب دور المالكي.. وترامب دور بوش

استراتيجية “الصدمة والترويع” لفريق دونالد ترامب، من خلال الاستيلاء السريع الهائل على الحكومة الأميركية عبر جبهات متعدّدة للحدّ من البيروقراطية وقلب الأولويّات السياسية الداخلية والخارجية…

فريدمان: ترامب عرّاب المافيا؟

هل يقود أميركا شخص خدعه فلاديمير بوتين، شخص مستعدّ لابتلاع وجهة نظر الرئيس الروسي المشوّهة عمّن بدأ الحرب في أوكرانيا وكيف يجب أن تنتهي؟ أم…

عرّاب نهاية التّاريخ: أميركا تنحرف نحو الاستبداد

“لم تعد الولايات المتحدة تدعو إلى الانعزالية فحسب، بل باتت تدعم الأنظمة الاستبدادية أيضاً”. هذا ما قاله أخيراً فرانسيس فوكوياما، الذي كان يعدّ من أهمّ…