بعد 4 أشهر من الانقطاع تخلّلتها “فكرة تعديل المرسوم 6433” من الجانب اللبناني، وفي مقابلها “الخطّ الأحمر” أو “الخطّ 310” من قبل الإسرائيليّين، تستعدّ النّاقورة لاستئناف جلسات المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين اللبنانيّ والإسرائيليّ حول ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة يوم غدٍ الاثنين.
ما بين الخطّين اللبنانيّ والإسرائيليّ، كان وكيل الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السّياسيّة ديفيد هايل قد حطّ رحاله في لبنان بزيارة سريعة كان عنوانها العريض “ملف ترسيم الحدود”. الأيّام الـ3 التي قضاها هايل في بيروت كانت كفيلةً لأن “يرمي” رئيس الجمهوريّة ميشال عون تعديل المرسوم خلف ظهره، كما أخبر مستشاره سليم جريصاتي الضّيف الأميركي. لكن ما الذي تغيّر منذ آخر جلسة نهاية العام الماضي حتّى اليوم؟
إنّ الإصرار، الذي أبداه ديفيد هايل أمام الرّئيس عون أو فريقه الثّلاثيّ (آلان عون – سليم جريصاتي – إلياس بو صعب)، الذي التقاه عشيّة زيارته لقصر بعبدا، على أنّ بلاده لن تتساهل إذا أصرّ لبنان على تعديل المرسوم 6433، كان له التأثير الأكبر في دفع المفاوضات نحو سكّتها السّابقة، وتراجع التّيّار الوطنيّ الحرّ عن المعركة التي فتحها بلا سابق إنذار.
ما بين الخطّين اللبنانيّ والإسرائيليّ، كان وكيل الخارجيّة الأميركيّة للشؤون السّياسيّة ديفيد هايل قد حطّ رحاله في لبنان بزيارة سريعة كان عنوانها العريض “ملف ترسيم الحدود”
مصدر ديبلوماسيّ أميركيّ كشف لـ”أساس” أنّ “بلاده تعلَم جيّداً أنّ النّائب جبران باسيل لعبَ دوراً أساسيّاً في قضيّة المرسوم 6433، ولهذا السّبب كان الإصرار الأميركي على رفض تعديل المرسوم بشكلٍ قاطع لا رجعة عنه، إذ إنّ الولايات المُتّحدة لن تُقدّم لباسيل ما لم يحصل عليه بأوقات الرّخاء كي يستعمل أسلوب الابتزاز مع واشنطن، أكان لرفع العقوبات عنه أم لغايات أخرى. ولا حتّى طريقة الإغراء بعرض مُقدّمات للتطبيع مثل اقتراح توسعة الوفد المفاوض ليضمّ شخصيّات سياسيّة أو الشّراكة غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الحقول المتنازع عليها”.
رمى هايل، الخبير بالسّياسة اللبنانيّة وبشخصيّة الرّئيس عون، خلال زيارته لقصر بعبدا، “طوق نجاةٍ” يحفظ ماء الوجه أثناء الانسحاب من المعركة الخاسرة، يتمثّل باقتراح “استقدام خبراء دوليّين للمساعدة في تقريب وجهات النّظر بين بيروت وتل أبيب”، وهذا ما اعتبره عون “مكسباً مهمّاً” للبنان.
ما يُطمئن الأميركيّين أكثر أنّ “رمي تعديل المرسوم خلف ظهر عون” يعني أنّ الوفد اللبناني سيكون مُجرّداً من الصدقيّة في غرفة التفاوض، إذ لو كان تعديله يُثبّت حقّ لبنان لَما رُمِيَ خلف ظهر أحد
الأميركيّون رسموا خطّ سير الجلسة المُنتظرة، التي لن تكون على أساس تعديل المرسوم 6433 بشكلٍ رسميّ، مقابل ألّا يطرح الإسرائيليّون “الخط الأحمر”، الذي يمتدّ إلى الشمال، بشكل أكبر من موقفهم التفاوضيّ الحالي. ولكنّ الإسرائيليّين أبلغوا الوسيط الأميركيّ أنّهم سيبقون خطّهم الجديد في جعبتهم للمطالبة به من أجل رفع سقفهم التفاوضيّ إذا عاد الجانب اللبناني إلى رفع سقف مطالبه.
إقرأ أيضاً: عون يطلق “شبعا البحرية”: توقيع وزير الأشغال باطل
يُشير الأميركيّون إلى أنّ نجاحهم بثني عون عن تعديل المرسوم 6433 وإرساله إلى الأمم المتّحدة، يعني أنّ لبنان وإنْ تمسّك في المفاوضات بالخطّ 29، الذي يُعطي لبنان 1430 كلم مربعاً ويشطر حقل كاريش الحدوديّ إلى شطرين، فإنّه لن يكون قادراً على إيقاف أعمال التنقيب الإسرائيليّة ولا مسار الإنتاج فيه، الذي من المتوقّع أن يبدأ في القسم الشّماليّ منه (البئر KN01) المتاخم للحدود مع لبنان مع نهاية سنة 2022.
وما يُطمئن الأميركيّين أكثر أنّ “رمي تعديل المرسوم خلف ظهر عون” يعني أنّ الوفد اللبناني سيكون مُجرّداً من الصدقيّة في غرفة التفاوض، إذ لو كان تعديله يُثبّت حقّ لبنان لَما رُمِيَ خلف ظهر أحد. وبالتّالي يدخل لبنان جلسة المفاوضات غير المباشرة مجدّداً من دون أيّ نقاط قوّة جديدة، وقد يزيد الجانب الإسرائيلي “نشوةً” بكلام باسيل عن استثمارات مُشتركة في الحقول قد تدفع تل أبيب إلى طرحها على لبنان من “كيسه”.
في الخلاصة، قد تتوجّه تل أبيب بالشّكر إلى باسيل لمعركته، التي خاضها وجعلت لبنان في موقع الشريك وجدّد لهم المطلب السّابق، الذي رفضه لبنان طوال 10 سنوات قبل “اتّفاق الإطار”، والمتعلّق بالحساب المُشترَك، والذي لا شكّ أنّه الخطوة الكبرى نحو التّطبيع…