لا يحقّ لوزير في حكومة مستقيلة أن يوقّع المرسوم 6433 الذي أقرّه مجلس الوزراء مجتمعاً في العام 2011. فتعديل مرسوم صادر عن مجلس الوزراء يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء. هذا ما خلصت إليه “هيئة التّشريع والقضايا” في وزارة العدل، ضمن جوابها على استشارة وزير الخارجيّة شربل وهبة بتاريخ 17 شباط 2021.
هكذا حصل وزير الخارجية على جواب “الهيئة”، الذي فصّل أنّ المرسوم 6433 / 2011، صدر “بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء ووزير الأشغال والنّقل وبعد موافقة مجلس الوزراء بتاريخ 19 أيلول 2011. وبناءً على مبنى موازاة الصّيغ، الذي يعرفه جميع من تعاطى ويتعاطى الشّأن العام، لا يُعدّل المرسوم بشكلٍ موافقٍ للدستور والقانون والأعراف إلّا من خلال مجلس الوزراء، وبناءً على اقتراح رئيس الحكومة ووزير الأشغال”. (حصل “أساس” على نسخة من المراسلات مرفقة أدناه)
[PHOTO]
وبالتالي فإنّ توقيع وزير الأشغال عليه أمس يعتبر باطلاً، في القانون وفي السياسة، إلا إذا أقرّه مجلس الوزراء مجتمعاً. وهذا ما يعتبر مستحيلاً، لأنّ الحكومة مستقيلة، ولا يدخل مرسوم كهذا ضمن منطق تصريف الأعمال، وخصوصاً أنّ رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب يرفض، حتّى الساعة على الأقلّ، “تعويم” الحكومة بعقد جلسات عادية لمجلس الوزراء.
في الأساس، على مجلس الوزراء أن يجتمع في هيئة تصريف الأعمال، وفقاً للمادّة 64 من الدّستور، ليُقرّر أوّلاً توافر أو عدم توافر “الضّرورة” في مسألة تعديل المرسوم. وإذا وجدت الحكومة “ضرورةً” في تعديل المرسوم، يُصدر مجلس الوزراء قراراً بتعديل المرسوم، بناءً على اقتراح رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزيريْ النّقل والدّفاع.
بكلامٍ آخر، لا يُعتدّ قانوناً ولا دستوراً بتعديلٍ للمرسوم 6433/2011، عبر اجتماعٍ وزاريّ مُصغّر، لمخالفته أصول “مبدأ توازي الصّيغ” والأصول والصّلاحية.
الخبير الدّستوري الوزير السّابق بطرس حرب أكّد لـ”أساس” أنّ “تعديل المرسوم، بالشّكل الذي أُقرّ به، هو غير دستوريّ ولا يتطابق مع مبدأ التوازي بالصّيغ والأصول”. واستغرب انعقاد اجتماع وزاري لهذا الشأن لإقرار ما هو من صلاحيّات مجلس الوزراء مجتمعاً، قائلاً: “نحن لسنا في إسرائيل ليكون لدينا مجلس وزراء مُصغّر، فإمّا تجتمع الحكومة في جلسة طبيعيّة وإمّا لا تجتمع”.
بكلامٍ آخر، لا يُعتدّ قانوناً ولا دستوراً بتعديلٍ للمرسوم 6433/2011، عبر اجتماعٍ وزاريّ مُصغّر، لمخالفته أصول “مبدأ توازي الصّيغ” والأصول والصّلاحية
توقيع وزير الأشغال أمس كانت استبقته حملة عونية شديدة اللهجة، اتهمت الرئيس نبيه برّي بـ”موافقة سرّية على الطلب الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي”، وذلك عبر مقالة وزّعت على واتساب بكثافة، وفيها اتهام بـ”الخيانة”: “لقد ظهر جلياً حجم التواطؤ اللبناني إلى درجة قد تصل حدّ الخيانة”.
استدعَت “حفلة التخوين” ردّاً شديد اللّهجة من جانب الرئيس برّي، على لسان “كُتلة التّنمية والتّحرير”، على “المزاعم التي تحاول جهة سياسية يعرفها اللبنانيّون، ويعرفون “لونها” واحترافها في تضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، ويعرفون أيضاً جهلها وتجاهلها لقراءة اللغة العربية وفهمها، أو بالأحرى احترافها فنّ التفريط بالثوابت الوطنية”.
حرب: مناورات حكومية
وأعرب حرب عن تخوّفه من أن تدخل خطوات كهذه في إطار المناورات للضغط باتجاه تشكيل حكومة، أو أن تكون مُقدّمة لتعويم الحكومة المُستقيلة. وأكّد أنّ حكومة تصريف الأعمال يجب أن تنعقد لتُحدّد ضرورة تعديل المرسوم أو عدمها قبل اتّخاذ أيّ خطوة.
وأشار في حديثه لـ”أساس” إلى إمكانية “الطعن بهذه الخطوة غير الدّستوريّة أمام مجلس شورى الدّولة”، واصفاً ما حصل بأنّه “غير ذي قيمة دستوريّة، لأنّ عقليّة مُتخلّفة كهذه لا يُمكن أن تُدير شؤون الدّولة”.
الأكيد أنّ السّعي وراء تحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة للبنان، عبر تعديل المرسوم 6433، يضرب ركيزة اتفاق الإطار الذي أبرمه الرّئيس نبيه برّي في تشرين الأوّل 2020. إذ إنّ الاتفاق لم يلحظ تحديد المنطقة المُتنازع عليها، بل تحصيل حقوق لبنان “بالقانون الدّولي”، وليس “بالعنتريّات التي لا طائل منها سوى تأخير استخراج النّفط والغاز في البلوكات الجنوبيّة وإبعاد الشّركات المُنقّبة عن الشّواطئ اللبنانيّة”، لمنع تحقيق حلم لبنان بدخول نادي الدّول النّفطيّة فعليّاً بعد عام 2035.
ومع انتظار وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت، الّذي سيكون ملف الترسيم على جدول أعماله إلى جانب ملفيّ تشكيل الحكومة ومساعدة لبنان، ربما هذا هو سبب مسارعة وزير الأشغال إلى توقيع المرسوم، استباقاً لما قد يُعتبر “ضغوطاً أميركية”.
أعرب حرب عن تخوّفه من أن تدخل خطوات كهذه في إطار المناورات للضغط باتجاه تشكيل حكومة، أو أن تكون مُقدّمة لتعويم الحكومة المُستقيلة. وأكّد أنّ حكومة تصريف الأعمال يجب أن تنعقد لتُحدّد ضرورة تعديل المرسوم أو عدمها قبل اتّخاذ أيّ خطوة
لكنّ التوقيع لن يجنّب لبنان تداعيات هذه الضغوط، وليس آخرها أنّ إسرائيل هدّدت بنسف المفاوضات مع لبنان والبدء في التنقيب ضمن حقل “كاريش”، الذي سيجعله تعديل المرسوم 6433 مُتنازعاً عليه مع لبنان.
وقد ترك وزير الأشغال “لُغماً” بعدما وقّع، وهو ما يُبيّنه المرسوم (المُرفقة نسخة منه أدناه)، إذ إنّه تضمّن عبارة: “بناءً على إقتراح رئيس مجلس الوزراء ووزير الأشغال العامة والنقل وموافقة مجلس الوزراء في / / 2021”. وتركَ وزير الأشغال تاريخ قرار مجلس الوزراء شاغراً بإشارة واضحة إلى أنّه لا يُمكن اعتباره نافذاً إلّا بعد قرار من الحكومة مجتمعة، وهذا ما لن يحصُل أقلّه في المستقبل القريب.
إقرأ أيضاً: بحثاً عن “فدائي” يوقّع مرسوم “شبعا البحرية”
وهذا يؤكّد كلام الوزير حرب وجواب هيئة الاستشارات عن أنّ المرسوم لا قيمة قانونيّة له دون قرار مجلس الوزراء مُجتمعاً. وبالتّالي فإنّ هذا التعديل بات واحداً من الألغام العديدة التي وُضِعَت أمام تشكيل الحكومة، وبانتظارها.