لن يقود التأزيم الحكومي وتدحرج كرة ثلج الكارثة المالية والاقتصادية إلّا إلى توسيع بيكار المخاوف الأمنية. وفي غياب الحكومة تعكس اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع تنامي المؤشّرات المقلقة إلى الفلتان الأمني والتجاوزات “على عينك يا أمن”.
مروحة احتمالات الفوضى الأمنية واسعة، وتبدأ من عمليات اغتيال قد تطول شخصيات مهمّة، مؤثّرةً في مسار اللعبة السياسية، وفق تأكيدات بعض رؤساء الأجهزة الأمنية، فيما تعكس الإجراءات الأمنية الاستثنائية، التي تتّخذها مرجعيات سياسية، حجم القلق والمخاوف من احتمال حصول هذا النوع من الاغتيالات في توقيت سياسي بالغ الخطورة.
وتمتدّ المخاوف إلى الحديث عن تنامي مخاطر الخلايا الإرهابية وعدم القدرة على فكّ ألغاز أكثر من جريمة هزّت الرأي العام، وصولاً إلى اهتزاز الأمن المجتمعيّ، من دون إغفال احتمال خروج الشارع في أيّ وقت عن السيطرة. وتعطي أحداث الشمال في شباط الفائت نموذجاً عمّا يمكن أن تشهده بعض المناطق.
مروحة احتمالات الفوضى الأمنية واسعة، وتبدأ من عمليات اغتيال قد تطول شخصيات مهمّة، مؤثّرةً في مسار اللعبة السياسية، وفق تأكيدات بعض رؤساء الأجهزة الأمنية
تعكس بعض “الظواهر” أخيراً خطورة ما آلت إليه أوضاع اللبنانيين. فقد سرقت مجموعات غير منظّمة، هي وليدة الاستثمار السهل في الفوضى وتخاذل الدولة عن حماية أحيائها وأمواتها، سرقت الأسلاك الكهربائية في الأيام الماضية في بلدات عكارية مختلفة، فتسبّبت انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق كبيرة. وسرقت مجموعات أخرى “الريغارات” الحديد في أكثر من منطقة، خصوصاً على الأوتوسترادات، معرّضةً سائقي السيارات لخطر كبير. وفي البقاع بلغ الفلتان الأمني والمجتمعي والأخلاقي حدّه الأقصى بسرقة الأبواب الحديد لمدافن.
وقد تمكّنت “شعبة المعلومات” من كشف هوية المتورّطين في سرقة الأسلاك الكهربائية من الشبكة العامة في عكار، وضبط 200 كلغ من الأسلاك الكهربائية، إضافة إلى قنبلتين مع أحد السارقين، وتواصل عملها في ملاحقة المتورّطين في سرقة “الحديد” على امتداد المناطق اللبنانية.
باتت الأجهزة الأمنية مستنزفةً طاقاتها الموزّعة على أكثر من جبهة، بدءاً من الإرهاب إلى الجرائم الجنائية وتلك “الغامضة”، وصولاً إلى رصد نبض الشارع الذي يغلي على وقع التخاذل المريع لـ”أمراء” الأمر الواقع في حلّ الأزمة السياسية والمالية الآخذة في التفاقم.
يؤكد وزير الداخلية محمد فهمي لـ”أساس” أنّ “الأزمة السياسية القائمة أدّت بالطبع إلى خلل أمني يكشف بدوره مكامن الضعف الأمني. وستحاول الخلايا الإرهابية النائمة استثمار هذا الواقع لتنشيط تحرّكاتها ضمن رمال متحرّكة قد تقود إلى كثير من السيناريوهات السوداوية إذا استمرّت الأزمة السياسية والمالية وتفاقمت نحو الأسوأ”.
وفيما يتحفّظ وزير الداخلية عن ذكر ما لديه من معطيات في شأن أعمال إرهابية محتملة، وتحديداً في الشمال، يؤكّد مطّلعون أنّ “الأجهزة الأمنية وضعت تحت الرصد منذ فترة عناصر يُشتبه في احتمال انخراطها ضمن تحرّكات مشبوهة لها امتداداتهاالإرهابية، بالتنسيق مع مشغّلين لها خارج لبنان، والعمل لا يزال جارياً لتوقيف أفرادها”.
ويذكّر فهمي بـ”العملية النوعية التي نفّذتها “شعبة المعلومات” في نهاية أيلول الفائت من ضمن عملية الاستقصاء عن جريمة كفتون، وتمكّنت من تحديد مكان أعضاء مجموعة إرهابية في منطقة وادي خالد والقضاء على جميع أفرادها الذين كانوا موجودين في منزل منعزل على أطراف البلدة. وهذا ما يؤكد أنّ الخطر الإرهابي لا يزال حاضراً، وقد ينشط أكثر في حال فقدان عامل الاستقرار السياسي”.
يؤكد وزير الداخلية محمد فهمي لـ”أساس” أنّ “الأزمة السياسية القائمة أدّت بالطبع إلى خلل أمني يكشف بدوره مكامن الضعف الأمني. وستحاول الخلايا الإرهابية النائمة استثمار هذا الواقع لتنشيط تحرّكاتها”
ويجزم فهمي أنّ “منطقة الشمال ليست البؤرة الوحيدة المحتملة لأعمال إرهابية أو لفلتان أمني شبيه بالأحداث التي شهدتها المدينة أخيراً. فهذا الخطر قائم من الشمال إلى الجنوب، ومن الساحل إلى الشرق. لكنّ الوضع في منطقة الشمال مأساوي، وهي تختزن كلّ مقوّمات الانفجار الاجتماعي بسبب ارتفاع نسب البطالة والجوع والافتقار إلى أدنى مقوّمات العيش”.
ويشير فهمي إلى “تركيز الأجهزة الأمنية على الأمن الاستباقي لسدّ نقاط الضعف الناتجة عن الخلل الفادح على المستوى السياسي وتفاقم الأزمة المالية التي لها انعكاساتها المباشرة على الأمن”، مؤكّداً أنّ “اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع تسهم في تفعيل التنسيق بين الوزارات ودعم الأجهزة الأمنية”.
وفي الآونة الأخيرة، فإنّ المواقف عالية السقف لقائد الجيش العماد جوزيف عون وتحذيراته من خطورة تأثيرات مسار الأزمة على عناصر الجيش وأدائه، عكست ما يدور في كواليس باقي الأجهزة من مخاوف مماثلة سيكون لها ترجماتها المباشرة على أداء هذه الأجهزة ومعنويات عناصرها.
إقرأ أيضاً: وزير الداخلية لـ”أساس”: لا حلّ بالسياسة… إذاً لا أمن
ومع تفاقم حالات تفلّت الأمن المجتمعي وارتفاع معدّلات جرائم السرقة والقتل، يرى فهمي أنّ “مكافحة الجريمة المتأتّية من انهيار الوضع الاجتماعي وغياب هيبة الدولة، هي أكثر صعوبة من الحرب العسكرية والأعمال الإرهابية، إذ يصعب ضبط الجرائم الجنائية والاعتداءات على أمن المواطن في حالات الفوضى. وهذا ما قصدته سابقاً بالقول إنّ الأمن تلاشى وأصبحت الأعمال المخلّة بالأمن فجائيةً وتستنزف الأجهزة الأمنية”.
ويحذّر فهمي من أنّه “إذا طالت الأزمة الحكومية والسياسية فسنذهب إلى مكان أخطر بكثير، وهو واقع تحذّر منه مرجعيات سياسية، في وقت تتحمّل الأجهزة الأمنية وطأة الأزمة وتبعاتها، تماماً كما باقي المواطنين”.