أثارت “دراما ترامب – بوتين – زيلينسكي – أوروبا” التي استضافها البيت الأبيض غضب الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان الذي سخر من أسلوب الرئيس الأميركي “الشخصيّ للغاية، والارتجاليّ العشوائيّ، والهزليّ في كثير من الأحيان، في إدارة الأمور”، وسخر أيضاً من “الطاقة التي يبذلها كلّ من له علاقة بالأمر لإرضاء غروره وتجنّب غضبه، حتّى قبل أن يصل إلى التنازلات الجحيميّة اللازمة لتحقيق السلام”.
فريدمان الذي غطّى العديد من المفاوضات الدبلوماسية منذ أن أصبح صحافيّاً عام 1978، لم يرَ أبداً، كما كتب في مقاله في صحيفة “نيويورك تايمز”، مفاوضات يشعر فيها أحد القادة، وفي هذه الحالة رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، بالحاجة إلى شكر الرئيس الأميركي حوالي 15 مرّة خلال الدقائق الأربع والنصف التي خاطبه فيها أمام الصحافة، علاوة على المديح الذي شعر الحلفاء الأوروبيون الآخرون بضرورة إغداقه عليه أيضاً.
لا يعرف حقيقة الحرب
فريدمان على قناعة تامّة بأنّ “ترامب لا يفهم حقّاً ما تدور حوله حرب أوكرانيا هذه. ولا يشعر بأيّ تضامن حقيقي مع التحالف عبر الأطلسي ولا يبالي بالتزامه المشترك بالديمقراطية والأسواق الحرّة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، بل ينظر إلى حلف الناتو كما لو كان مركز تسوّق مملوكاً للولايات المتّحدة، لا يدفع مستأجروه ما يكفي من الإيجار. وينظر إلى الاتّحاد الأوروبي كمركز تجاريّ ينافس الولايات المتّحدة، ويريد إغلاقه بفرض رسوم جمركية عليه. لا يشعر ترامب بأيّ رغبة في ضمّ أوكرانيا إلى الغرب، أو يفهم أنّ غزو بوتين لم يكن سوى آخر محاولاته لتفكيك الغرب انتقاماً لتفكيكه الاتّحاد السوفيتيّ”.
يعتقد فريدمان أنّ “فكرة أنّ حلف الناتو هو الرمح الذي يحمي القيم الغربية، وأنّ الاتّحاد الأوروبي ربّما يكون أفضل إبداع سياسيّ غربيّ حديث لأنّه مركز واسع للشعوب الحرّة والأسواق الحرّة يُرسي الاستقرار في قارّة اشتهرت بالحروب القبليّة والدينية لآلاف السنين، هي فكرة غريبة على ترامب”.
ترامب وويتكوف ليسا مخطئين في رغبتهما في وقف الحرب وكلّ أعمال القتل
لوحة لترامب بريشة رسام روسي..
ينشر دليلاً على عدم اكتراث ترامب لكلّ هذا مقتطفاً من مقابلة أُجريت مع مبعوثه الخاصّ إلى بوتين، ستيف ويتكوف، بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي في الكرملين في آذار الماضي، قال فيها ويتكوف ردّاً على سؤال عن رأيه في بوتين: “كيف لنا أن نحلّ نزاعاً مع رئيس قوّة نووية عظمى ما لم نبنِ الثقة والمشاعر الطيّبة بيننا؟ طلب الرئيس بوتين من أحد الفنّانين الروس البارزين رسم لوحة جميلة للرئيس ترامب، وأعطاني إيّاها وطلب منّي أن آخذها إلى الرئيس ترامب. وحكى لي كيف أنّه عندما تعرّض الرئيس لإطلاق النار ذهب إلى كنيسته المحلّية وصلّى من أجله، ليس لأنّه رئيس الولايات المتّحدة أو بإمكانه أن يصبح رئيساً لها، بل لأنّه كان صديقاً له وكان يصلّي من أجله. أعني هل يمكنك أن تتخيّل الجلوس هناك والاستماع إلى مثل هذه المحادثات؟ وعندما عدتُ إلى الوطن وسلّمتُ تلك الرسالة إلى رئيسنا وسلّمتُ اللوحة، كان من الواضح أنّه تأثّر بها. هذا هو نوع التواصل الذي استطعنا إعادة إقامته من خلال كلمة بسيطة تُسمّى التواصل، الذي قد يقول الكثيرون ما كان ينبغي أن أحظى به لأنّ بوتين شخص سيّئ. أنا لا أعتبر بوتين شخصاً سيّئاً. الوضع معقّد، تلك الحرب وجميع العوامل التي أدّت إليها. كما تعلمون، الأمر لا يقتصر على شخص واحد”.
مُضلَّل بطبيعة بوتين
بالنسبة لفريدمان “يزداد الأمر سوءاً. فترامب مُضلَّلٌ جدّاً بشأن طبيعة بوتين لدرجة أنّه خلال قمّته مع القادة الأوروبيّين سُمع عبر ميكروفون مفتوح وهو يُخبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن بوتين: “أعتقد أنّه يريد عقد صفقة من أجلي. هل تفهمون ذلك؟ يبدو الأمر جنونيّاً.”
لا يشعر ترامب بأيّ رغبة في ضمّ أوكرانيا إلى الغرب، أو يفهم أنّ غزو بوتين لم يكن سوى آخر محاولاته لتفكيك الغرب انتقاماً لتفكيكه الاتّحاد السوفيتيّ
في رأي فريدمان أنّ “بوتين إذا كان قد صلّى حقّاً من أجل حياة ترامب، فذلك لأنّه يعلم أنّه لا يمكن التلاعب بسهولة بأيّ رئيس أميركي آخر غير ترامب. فبوتين لم يكن يوماً يبحث عن “سلام” مع أوكرانيا أو عن قطعة منها. إنّه يريد الحصول على القطعة كاملةً. هذا هو “السبب الجذري” للحرب في أوكرانيا، وهو نفسه “السبب الجذري” لجهود ترامب المتعثّرة لتحقيق السلام في أوكرانيا: عجزه عن فهم أنّ بوتين لا يريد السلام بل النصر”.
يعتبر أنّ “ترامب وويتكوف ليسا مخطئين في رغبتهما في وقف الحرب وكلّ أعمال القتل. وليس من الخطأ أيضاً التواصل المنتظم مع بوتين لتحقيق ذلك. ولكن لوقف هذه الحرب بشكل مستدام، يجب أن نفهم من هو بوتين وما يخطّط له. بوتين رجل شرّير، قاتل بدم بارد. إنّه ليس صديقاً للرئيس. هذا وهمٌ يُصرّ ترامب على تصديقه”.

يؤكّد فريدمان أنّ “السبيل الوحيد المستدام لوقف هذه الحرب ومنع عودتها هو التزام غربي شامل ومستمرّ بتزويد أوكرانيا بالموارد العسكرية التي ستقنع بوتين بأنّ جيشه سيُسحق. ويجب على الولايات المتّحدة تقديم الضمانات الأمنيّة التي من شأنها ردع روسيا عن محاولة تكرار هذا الأمر، وتشجيع حلفائنا الأوروبيّين على الوعد بأنّ أوكرانيا ستكون يوماً ما في الاتّحاد الأوروبي مرساة دائمة في الغرب. ويجب أن يكون عقاب بوتين على هذه الحرب هو أن يضطرّ هو وشعبه إلى النظر إلى الغرب إلى الأبد، ورؤية أوكرانيا ديمقراطية مزدهرة ذات سوق حرّة، مقارنةً بنظام بوتين المتدهور”.
فريدمان على قناعة تامّة بأنّ “ترامب لا يفهم حقّاً ما تدور حوله حرب أوكرانيا هذه
لا أحد سيخبره
يسأل: “لكن كيف سيكتشف ترامب هذه الحقيقة بعدما هجّر موظّفي مجلس الأمن القومي، وقلّص وزارة الخارجية، وأقال رئيس وكالة الأمن القومي ونائبه؟ من سيُخبره بالحقيقة؟”.
“لا أحد”، يختم فريدمان بالقول، “لا أحد سوى أرض أوكرانيا القاحلة. فالحقيقة هي في خنادق دونباس، في العشرين ألف طفل أوكراني الذين تدّعي كييف أنّ بوتين اختطفهم، في حوالي 1.4 مليون جندي روسيّ وأوكراني قُتلوا وجُرحوا نتيجة أوهام بوتين باستعادة أوكرانيا إلى روسيا الأمّ، في المدنيّين الأوكرانيّين الذين قُتلوا بطائرات روسيّة مُسيّرة في الوقت الذي كان ترامب يُمهّد فيه الطريق لبوتين في ألاسكا. وكلّما تجاهل ترامب هذه الحقائق، ولم يبنِ استراتيجيته للسلام على خبرته، بل على غروره المفرط ومعاداته للغرب، وهو ما لا يتوافق مع القيم الأميركية، أصبحت هذه الحرب حربه. وإذا فاز بوتين بها وخسرتها أوكرانيا، فسيتعرّض ترامب وسمعته لضرر لا يمكن إصلاحه الآن وإلى الأبد”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا
