لماذا استقالت “مفوّضة” باسيل في مصرف لبنان؟

مدة القراءة 5 د

منذ نحو شهر تقدّمت مفوّضة الحكومة لدى مصرف لبنان كريستال واكيم باستقالتها إلى وزير المال يوسف خليل. أبقى الأخير طلب الاستقالة على طاولته إلى حين قبولها، ثمّ أصدر قراراً يوم الأربعاء الماضي “من أجل حسن سير العمل وتأميناً للمصلحة العامة”، بتكليف موني الخوري، مديرة الخزينة في مديرية المالية، بمهام مفوّض الحكومة و”بالأعمال التي يتمّ تكليفها بها”، وفق نصّ القرار.

طرحت استقالة واكيم في هذا الظرف علامات استفهام كبيرة، خصوصاً أنّها حصلت في “عزّ” معركة العونيين لـ”قبع” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من موقعه والضغط لتعيين بديل عنه وفي لحظة بدء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

موني الخوري التي عُيّنت بالتكليف مكان واكيم هي أيضاً من الطائفة الأرثوذكسية وعُيّنت في المالية منذ عقود من ضمن حصّة النائب السابق الراحل ميشال المرّ

تحدّثت المعطيات من جانب واكيم عن أنّ “الاستقالة أتت على خلفيّة قرارها بالمغادرة للعمل في فرنسا. وتقاطعت هذه الرغبة مع واقع صعب واجهته واكيم في عملها من خلال القرار بمحاصرتها من قبل الشبكة التي منعت جميع مفوّضي الحكومة السابقين من القيام بمهامّهم.عملياً، باتت واكيم تتحمّل مسؤولية ما لا ناقة لها فيه ولا جمل. ولم تتمكّن من إيقاف قرار واحد للحاكم أو للمجلس المركزي أو إيقاف معاملة واحدة، وهو ما يدخل ضمن صلاحيّاتها”.

يُرجّح أن تكون أخذت الضوء الأخضر بالاستقالة من جانب النائب جبران باسيل الذي دَعَمها كي تقف بوجه آلية العمل والقرار التي لطالما تحكّمت بنمط عمل الحاكمية، لكنّها لم تتمكّن من النجاح في مهمّتها.

وتُطرح تساؤلاتٌ عديدة حول السبب الذي حال دون خوض باسيل معركته الفعلية ضدّ “الحاكم” من خلال مفوّض الحكومة التي تملك صلاحيات هائلة تمكّنها من الاعتراض على أيّ قرار يصدره، وصولاً إلى منع تنفيذه. مع العلم أنّ الغموض لا يزال يكتنف الأسباب الحقيقية لاستقالتها.

ضعف واكيم؟ أو تواطئها؟

غالباً ما كانت تحضر واكيم اجتماعات رئيس الجمهورية مع وفد شركة التدقيق المالي “ألفاريز أند مارسال”. ومَن اعترض من أوساط التيار الوطني الحرّ على تعيينها في هذا الموقع وجد نفسه اليوم رابحاً لرهانه. إذ واجهت واكيم اعتراضات من أهل البيت على أدائها الضعيف وشخصيّتها الخجولة وقلّة خبرتها في موقع يتطلّب شخصية استثنائية تواجه حاكم مصرف لبنان وتكشف آلية العمل داخل المصرف المركزي التي عرّضت الحاكم لملاحقات داخل وخارج لبنان.

كان آخر الانتقادات التي تعرّضت لها واكيم عدم اعتراضها على ما وُصِف بـ”الرشوة” من حاكم مصرف لبنان للقضاة عبر صرف رواتبهم على سعر دولار بـ8 آلاف ليرة، وهو إجراء يتمتّع به القضاة وحدهم من بين موظّفي القطاع العام.

حتى إنّ واكيم لم تسلَم من ضغوط و”تمريك” خصوم التيار، إذ جاهر وزير المال الأسبق علي حسن خليل قائلاً: “لماذا لا تبادر مفوّضة الحكومة لدى “المركزي” التي قتل حاله باسيل وتياره لتعيينها إلى إيقاف أيّ قرار لحاكم المصرف؟!”. ربّما يكون هذا الواقع هو الذي دفع واكيم إلى تقديم استقالتها لعجزها عن المواجهة وليس لعدم رغبتها بذلك.

شكّلت واكيم جزءاً من سلّة التعيينات المالية التي أُقرّت في 10 حزيران 2020 ضمن حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب باسيل، وهي معروفة بقربها من الوزير العوني السابق نقولا صحناوي. وحلّت واكيم آنذاك محل جورج المعراوي الذي كان يشغل هذا الموقع بالتكليف وجرى تعيينه مديراً عاماً لوزارة المال بالوكالة في تموز الفائت بعد تقديم آلان بيفاني استقالته.

تحدّثت المعطيات من جانب واكيم عن أنّ “الاستقالة أتت على خلفيّة قرارها بالمغادرة للعمل في فرنسا. وتقاطعت هذه الرغبة مع واقع صعب واجهته واكيم في عملها من خلال القرار بتهميشها ومحاصرتها

ما هي صلاحيات واكيم؟

صُنِّفت واكيم أصغر مفوّض حكومة في تاريخ الحاكمية، إذ بلغ عمرها عند تعيينها 30 عاماً. وفق المعايير المصرفية العالمية ليست واكيم صاحبة خبرة كافية لتولّي هذا الموقع البالغ الحساسية، خصوصاً أنّ الصلاحيات الممنوحة له واسعة جداً بالقانون… وليس بالممارسة.

وفق المرسوم 15400 الصادر عام 1964: “يتولّى المفوّض السهر على تطبيق القانون والتأكّد من قانونية اجتماعات المصرف المركزي”.

يجوز للمفوّض “أن يطلب تعليق أيّ قرار يراه مخالفاً للقانون والأنظمة، وأن يتثبّت من أنّ المصرف يحتفظ في موجوداته بكمية من الذهب والعملات الأجنبية لا تقلّ نسبتها عن النسبة التي تفرضها المادة 69 من القانون، وعليه التدقيق في قيود الإصدار وحساباته مرّة في الشهر على الأقلّ”.

يضع المفوّض “برنامجاً سنوياً للمراقبة التي يخوّله القانون إجراءها على محاسبة المصرف، ويتثبّت بواسطة هذه المراقبة من أنّ المصرف يتقيّد في أعماله بأحكام القانون، وعليه فور اكتشافه أيّ مخالفة أن يلفت نظر الحاكم إليها”.

للمفوّض ولمساعده، وفق المادة 44 من قانون النقد والتسليف، “الاطّلاع على جميع سجلّات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية باستثناء حسابات وملفّات الغير الذين تحميهم سرّيّة المصارف. وهما يدقّقان في صناديق المصرف المركزي وموجوداته”.

إقرأ أيضاً: هل “تقتحم” غادة عون الكلّيّة الحربيّة؟

كما لا يخضع مفوّض الحكومة قانوناً لحاكم مصرف لبنان. هو بمنزلة مدير عام وصلاحياته واسعة جداً. في المقابل يجزم مطّلعون أنّ “أغلب من تعاقبوا على هذا الموقع تصرّفوا مع الحاكم بعقلية الموظف على الرغم من أنّ مفوّض الحكومة هو في منزلة المُدقّق والمُراقِب والمُخبِر للحكومة داخل مصرف لبنان، وله أيضاً صلاحية إيقاف أيّ قرار صادر عن المجلس المركزي وتبليغ وزارة المال”.

موني الخوري التي عُيّنت بالتكليف مكان واكيم هي أيضاً من الطائفة الأرثوذكسية وعُيّنت في المالية منذ عقود من ضمن حصّة النائب السابق الراحل ميشال المرّ.

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…