خَرَقَ بيان “قمّة جدّة للأمن والتنمية” في شقّه اللبناني “صمت القبور” على الساحة اللبنانية على مستوى الأزمتين الحكومية والرئاسية والعقم السياسي الفاضح العاجز عن الحدّ من تدحرج كرة نار الانهيار المالي والاقتصادي.
تجاهَلَ البيان بشكل تامّ ذكر الجهود الحالية القائمة في لبنان لتأليف حكومة يُتوقّع أن تستكمل مسار “الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي”، التي ذكر البيان دعمه لها. في المقابل تطرّق البيان حرفيّاً إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة من خلال “دعوة جميع الأطراف اللبنانية إلى احترام الدستور والمواعيد الدستورية”.
انحصر التنويه المتعلّق بلبنان، في بيان قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق والولايات المتحدة الأميركية، بالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من بوّابة الثناء على إتمام الانتخابات النيابية وحفظ الأمن، مع التذكير “بمبادرات الكويت الرامية إلى بناء العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبإعلان قطر الأخير عن دعمها المباشر لمرتّبات الجيش اللبناني”، ومع تأكيد عزم الولايات المتحدة “على تطوير برنامج مماثل لدعم الجيش وقوى الأمن”.
يأتي الإعلان الخليجي-العربي-الأميركي من جدّة، الداعم للقوى المسلّحة اللبنانية، في ظلّ إدارة ظهر سياسية سعودية مستمرّة للبنان، وعدم رصد الملفّ اللبناني على خارطة زيارة بايدن للمنطقة
رحّب أيضاً المشاركون في القمّة بـ”الدعم الذي قدّمه العراق للشعب اللبناني والحكومة في مجالات الطاقة والإغاثة الإنسانية”، ودعوا “جميع أصدقاء لبنان إلى الانضمام للجهود الرامية لضمان أمن لبنان واستقراره”.
يأتي هذا الإعلان الخليجي-العربي-الأميركي من جدّة، الداعم للقوى المسلّحة اللبنانية، في ظلّ إدارة ظهر سياسية سعودية مستمرّة للبنان، وعدم رصد الملفّ اللبناني على خارطة زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، وفي لحظة “اختناق” لبنانية ناتجة عن اشتداد حدّة الأزمة المالية وتعثّر التأليف الحكومي وتزايد الحديث عن فراغ رئاسي محتمل.
بدا لافتاً عدم تطرُّق البيان إلى ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وعدم إتيانه على ذكر حزب الله بالاسم. إذ تمّت الإشارة فقط إلى “أهميّة بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة، فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها”.
من أضاف فقرة “الجيش”؟
تضاربت المعلومات في شأن البند الـ14 “اللبناني” في البيان الختامي لقمّة جدّة بين معطيات تحدّثت عن قرار خليجي-أميركي مشترك ومتّفق عليه مسبقاً بالإعلان عن استمرار دعم الجيش وقوى الأمن وبين معطيات أخرى أشارت إلى أنّ مسوّدة البيان، حتّى قبل ساعات من انعقاد القمّة، كانت تشير فقط إلى عنوان عمومي يتحدّث عن دعم الاستقرار وضرورة الالتزام بالإصلاحات لتأمين التعافي الاقتصادي، لكنّ أحد القادة المشاركين اقترح إضافة فقرة تتّصل بدعم الجيش، فرحّب المشاركون، وأُضيفت النقاط الأخرى إلى البيان.
في كلّ الأحوال، أتت صيغة البيان النهائية معبّرة لناحيتين:
– الأولى: الثناء على دور الجيش يأتي ضمن مرحلتين مفصليّتين هي الانتخابات النيابية التي تمّت “من دون ضربة كفّ” والاستحقاق الرئاسي المقبل، في وقت تبدو قيادة الجيش معنية بشكل مباشر بهذا الاستحقاق ربطاً باعتبار قائد الجيش العماد جوزف عون أحد المرشّحين المحتملين للرئاسة الخارجين من عباءة الاصطفافات السياسية.
– الثانية: ذكر قوى الأمن الداخلي للمرّة الأولى بعكس بيانات دولية وعربية سابقة كانت تكتفي بذكر الجيش فقط أو القوى المسلّحة. وهنا يقول مطّلعون إنّ السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا دخلت على خط إبراز الحاجة إلى دعم مؤسّسة قوى الأمن الداخلي إلى جانب الجيش.
بدا لافتاً عدم تطرُّق البيان إلى ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وعدم إتيانه على ذكر حزب الله بالاسم. إذ تمّت الإشارة فقط إلى “أهميّة بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية
على الرغم من ذكر المساعدة القطرية في البيان، فإنّ المعلومات تفيد بأنّ هبة الـ 60 مليون دولار من قطر لدعم الجيش التي أعلن العماد عون أنّها ستخصّص لدعم رواتب العسكر لم تصل بعد، مع العلم أنّ الدوحة تدعم الجيش بـ 70 طنّاً من الموادّ الغذائية شهرياً.
عنصر يعرض “بيع كليته”
سلّط البيان الضوء بشكل غير مباشر على مصير صندوق الدعم الدولي الذي أُقرّ في مؤتمر دعم الجيش بباريس في حزيران 2021 من أجل أن تُجمَع فيه تبرّعات بـ”الفريش” من الدول الغربية والعربية والخليجية لدعم كلّ الأجهزة الأمنية اللبنانية. إذ رأى مصدر مطّلع أنّ إشارة البيان إلى “عزم الولايات المتحدة على تطوير برنامج مماثل (للدعم القطري) لدعم الجيش وقوى الأمن” يعني تجديد الالتزام بتفعيل آليّة صندوق الدعم الدولي الذي من شأنه رفد القوى العسكرية بما تحتاج إليه من إمدادات لوجستية وعسكرية وتموينية، إضافة إلى دفعات ماليّة بالدولار “الفريش”.
في المقلب اللبناني ليس هناك تصوّر واضح لـ”تقريش” الإعلان الخليجي-الأميركي، ولا علم بوجود توجُّه لإقرار هبة أميركية أو خليجية نقدية بالدولار قبل تفعيل صندوق الأمم المتحدة لدعم الجيش، مع العلم أنّ المساعدات الأميركية الاعتيادية للجيش بقيت على وتيرتها.
إقرأ أيضاً: لماذا تكلّم محمّد بن زايد؟
واقع الحال أنّ الأمور تزداد سوءاً على الرغم من كلّ الإجراءات الطارئة التي يتّخذها قادة الأجهزة الأمنيّة، ووصل الأمر بالعديد من الضبّاط إلى بيع “بونات” البنزين المخصّصة لهم لأنّ سعرها يساوي أضعاف أضعاف رواتبهم. وسُجّلت حالات إنسانية غير مسبوقة تُرجمت إحداها من خلال إعلان عنصر في قوى الأمن الداخلي على صفحته على فايسبوك عن بيع كليته من أجل تأمين العلاج والدواء لوالدته المريضة!