يمكن القول إنّ الجهود الدبلوماسية الدولية على خط الأزمة الأميركية الإيرانية قد دخلت في حالة من التعليق، فقد أقفل الإيرانيون هواتفهم ودخلوا في سبات ربيعي قد يستمر لأكثر من أسبوع بمناسبة “السنة الفارسية الجديدة 1400” التي تحمل رمزية دخولهم في قرن جديد، وما يحمله هذا التاريخ من انتظارهم للانتقال إلى قرن من متغيرات يتوقعون أن تكون لصالحهم ولصالح مشروعهم وحلفائهم في المنطقة.
فبعد نحو ستين يوماً على دخول الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إلى البيت الابيض (20 كانون ثاني)، وقبل أكثر من ستين يوماً من الانتخابات الرئاسية الإيرانية (18 حزيران)، يمكن القول إنّ الجدل ما يزال مستمراً بين الطرفين حول طبيعة الخطوة الأولى التي يتوجب على كل واحد منهما اتخاذها لإعادة إحياء الاتفاق النووي وحلّ أزمة العقوبات، بحيث وصلت الأمور إلى ما يشبه إشكالية “البيضة والدجاجة”، وهي أحجية لم تعد مقنعة أو قادرة على تأمين الغطاء المطلوب لتسويغ استمرار الطرفين في التسويف والتراشق بالمواقف التي لا ينتج عنها سوى تأخير الوصول إلى حلول جدية. ما يدفع إلى ضرورة التفتيش عن أسباب اخرى لفهم المشهد الحالي.
لا شك أنّ الرئيس بايدن والفريق الذي اختاره لوزارة الخارجية والأمن القومي ومبعوثيه لأزمات غرب آسيا والشرق الاوسط، قد واكبوا وشاركوا في المسار التفاوضي الطويل الذي قاده الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران حول البرنامج النووي وانتهى بعد أكثر من خمس سنوات من التفاوض السري والعلني إلى التوقيع على الاتفاق المعلق حاليا في 15 تموز 2015. اتفاق كان يفترض أن يؤسس لمسار من الحوار الثنائي بين واشنطن وطهران يمهد الطريق أمام تطبيع العلاقات وعودتها دبلوماسياً واقتصادياَ وسياسياَ. وقد عبر عن ذلك الرئيس السابق دونالد ترمب عند كشفه عن استراتيجيته مع إيران في نيسان 2018 وإشارته إلى أنّ هذا الاتفاق كان يفترض أن يأتي بالاستثمارات وفرص العمل للقطاع الاقتصادي الأميركي، إلا إنّ دولا أخرى هي التي استفادت ولم يفتح الاتفاق والإيرانيون أي نافذة أمام الجانب الأميركي.
لا شك أنّ الرئيس بايدن والفريق الذي اختاره لوزارة الخارجية والأمن القومي ومبعوثيه لأزمات غرب آسيا والشرق الاوسط، قد واكبوا وشاركوا في المسار التفاوضي الطويل الذي قاده الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران حول البرنامج النووي وانتهى بعد أكثر من خمس سنوات
ويدرك الطرفان – الأميركي والإيراني – أنّ انهيار الاتفاق النووي يعني صعوبة أو استحالة التوصل إلى اتفاق جديد يسمح بوضع قيود على الطموحات النووية الإيرانية، فضلا عن أنه سيفتح شهية النظام الإيراني على تطوير هذا البرنامج والوصول به إلى مستويات قد تفرض معادلات جديدة وتشكل تهديداً للتوازنات الإقليمية والدولية إذا ما انتقل إلى البعد العسكري. أي إنّ الطرفين بحاجة إلى هذا الاتفاق، إلا أنّ تمسك الادارة الأميركيةبالنتائج التي انتهت إليها عقوبات وسياسات الرئيس السابق ترمب تجاه إيران، يكشف إنّ هذه الادارة الجديدة تسعى لفرض سلة تفاوض شاملة مع النظام الإيراني تؤسس لانتقال جدي وحقيقي إلى مرحلة جديدة في التعامل مع قضايا الشرق الاوسط خاصة ومنطقة غرب آسيا عامة.
أمام هذا الموقف الأميركي، يبدي النظام الإيراني تمسّكاً حدّ التعنت بسياسة “فصل المسارات” في أي تفاوض مع واشنطن، من هنا يأتي إصراره على “ترتيب” خطوات العودة إلى التفاوض، ويطالب واشنطن برفع جميع العقوبات أوّلاً قبل خطوة العودة إلى “عائلة السداسية الدولية الراعية للاتفاق”، التي تؤسس لمسار حواري وتفاوضي يسمح بفتح ملفي البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي.
يدرك الطرفان – الأميركي والإيراني – أنّ انهيار الاتفاق النووي يعني صعوبة أو استحالة التوصل إلى اتفاق جديد يسمح بوضع قيود على الطموحات النووية الإيرانية
ما لم يقله الطرفان، خصوصاً الإدارة الأميركية، أنّه لم يعد مقبولاً السكوت عن تنفيذ أو الانتقال إلى تطبيق التفاهمات غير المعلنة التي جاءت على هامش اتفاق 2015 النووي، ولعل أبرزها أو في صدر أولوياتها قضيتان هما: تطبيع العلاقات وعودة التبادل الدبلوماسي، ومن ثم فتح باب الاستثمارات الأميركية المباشرة في السوق الإيراني المتعطش والفرص الكبيرة الواعدة التي تساعد نسبياً في إعادة تحريك عجلة اقتصادات الدول الغربية المتحفزة للدخول إلى هذا السوق، خصوصاً الشركات الأميركية.
إقرأ أيضاً: مسؤول أميركيّ بارز: ليحكمْ الحزب لبنان ويتحمّلْ مسؤولية انهياره..
وفي وقت بدت إدارة بايدن مندفعة لإعادة تفعيل الحوار مع طهران في إطار الرؤية أو الاستراتيجية التي وضعتها والأهداف التي تسعى وراءها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإقليمياً، شكّلت الرسالة التي وجّهها المرشد الأعلى للنظام آية الله السيد علي خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما كشف الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف عن قرب الانتهاء من اللمسات الأخيرة لاتفاق استراتيجي اقتصادي بين إيران والصين، شكّلا عامل كبح للاندفاعة الأميركية وفرضا عليها إعادة ترتيب للاولوياتها في التعامل مع الأزمة الإيرانية. خصوصا أنّ التوجه الإيراني “نحو الشرق” يشكل تحدياً حقيقياً للاستراتيجيات الأميركية في التعامل مع المستجدات الدولية وفي معركتها الأساسية التي تهدف لمحاصرة الصعود السياسي لموسكو على الساحة الدولية، والتحدي الاقتصادي الذي بدأت تشكّله بكين للمنظومة الاقتصادية الأميركية على مستوى العالم. فضلا عن أنّه يؤسّس لتكريس دور روسي تشاركي لا يمكن تجاوزه في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في الملفات الأكثر حساسية على الساحتين السورية واللبنانية، بالإضافة إلى ما يتعلق بالملف الإسرائيلي والضمانات الأمنية التي تريدها تل أبيب على طول الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا، والتي شكلت المحور الأساس في النقاشات التي شهدتها موسكو مؤخراً في زيارة وفد حزب الله والاجتماعات التي عقدها مع الإدارة الدبلوماسية واللجان البرلمانية الروسية.