مفاجآت غيّرت المسارات والمعادلات

مدة القراءة 4 د

ما لم تتوقّعه إسرائيل وما لم تحسب حسابه هي المفاجآت التي أنتجتها حربها الانتقامية على غزة، والتي أفرزت حروباً محدودة في أكثر من مكان. هذا دون استثناء الضفة المشتعلة.

 

 

 

أولى المفاجآت طول أمد الحرب، التي لا تتوقّف عند حدّ زمني ولو تقريبيّاً، فهي مفتوحة على الزمن، وإن توقّف القتال بفعل اتفاقات وهدن، فإنّ الحرب لن تتوقّف ما دام الفلسطينيون مستنفرين لقضيّتهم ومستعدّين لتقديم أغلى التضحيات لبلوغ حقوقهم، وهذا لا يدلّ عليه فقط ما يحدث في غزة بل وفي الضفة أيضاً.

ثانية المفاجآت غزارة الخسائر البشرية والاقتصادية والنفسية، ذلك أنّ إسرائيل التي تعوّدت شنّ حروب تحتفل بعد أيام معدودات بحسمها، وقعت من خلال الحرب الراهنة في حفرة عميقة لا مخرج منها. فالجنازات تتوالى يومياً والنزف المالي يتدفّق بغزارة لم تحدث من قبل، وعجلة الإنتاج تتعطّل بلا آفاق عملية لإعادة تنشيطها، والقلق على الحاضر والمستقبل يتفاقم ويتّسع، والصراع الداخلي حول الاتّجاهات والخيارات تجاوز المألوف المسيطَر عليه. فهو صراع من القاعدة إلى القمّة، وإن جرى التعايش معه بتأثير الحرب فإنّ تفاعلاته المستقبلية ستكون كارثية والمقدّمات بدأت.

ما لم تتوقّعه إسرائيل وما لم تحسب حسابه هي المفاجآت التي أنتجتها حربها الانتقامية على غزة، والتي أفرزت حروباً محدودة في أكثر من مكان. هذا دون استثناء الضفة المشتعلة

المفاجأة الثالثة انقلاب الوضع الدولي، الذي كان فيما مضى يوظَّف في مصلحة إسرائيل بما يعمل ولا يعمل، إذ تحوّل في هذه الحرب إلى ما لم تعرفه إسرائيل من قبل… دول تتمرّد على الحظر الصارم في أمر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومحكمة العدل الدولية تدين وتأمر وتواصل وضع الدولة العبرية في قفص الاتّهام، وكذلك محكمة الجنايات. أمّا مفاجأة المفاجآت في هذا الشأن فهي عجز الإدارة الأميركية عن توفير شبكة أمان دولية تستند إليها إسرائيل في حروبها، لتبقى الدولة العبرية معلّقة على الفيتو، الذي صار يضرّ أكثر ممّا ينفع.

الدولة القويّة… تخسر

هذه المفاجآت وأكثر منها ممّا لا يتّسع المجال لتعداده جعلت الدولة التي كانت تتحكّم بالمسارات وحتى المصائر في المنطقة، باعتمادها على قوّتها العسكرية والاقتصادية والتحالفية، تدخل وتتوغّل في دوّامة قاتلة، تنطوي على مفارقة لم يتوقّعها صنّاع القرار فيها، تتمثّل في أنّها وهي تحارب الأشباح في غزة تخسر على الأرض ولا تكسب في السياسة. ذلك يبدو جليّاً في وقائع الحرب، فما إن تعلن انتهاءها من جبهة في منطقة ما داخل غزة، وتذهب إلى جبهة أخرى معلنة أنّها ستكون الأخيرة حتى تجد نفسها في وضع تبدو فيه وكأنّها تبدأ الحرب من جديد، وهذا ما جعل من شعار النصر المطلق أمراً يثير السخرية.

على صعيد السياسة، فكلّما سجّل عدّاد الحرب يوماً جديداً يسجّل عدّاد السياسة خسارات فادحة

أمّا على صعيد السياسة، فكلّما سجّل عدّاد الحرب يوماً جديداً يسجّل عدّاد السياسة خسارات فادحة. فحتى أقرب حلفائها وداعميها ليسوا معها في أجنداتها المستحيلة بشأن غزة والضفة والقضية الفلسطينية والمنطقة. فمثلاً لا أحد معها في البقاء العسكري على أرض غزة، ولا أحد معها في حلمها الدائم بتهجير أهلها إلى سيناء، ولا أحد معها في مخطّطاتها الخيالية، التي تطرحها لتكرّس تحكّمها في غزة، بحيث تريد وتعلن أنّ العالم كلّه ينبغي أن يعمل موظّفاً عندها لتوفير راحتها وديمومة تحكّمها بحياة الناس ومصيرهم.

لا أحد معها حين تعتبر دمار غزة واستيطان الضفة الفصل الأخير في حرب إبادة القضية الفلسطينية وإلغاء حقوق شعبها.

لا أحد معها في كلّ ما تقدّم، غير أنّنا بالمقابل ندرك كم دفعنا كفلسطينيين ولبنانيين من خسائر مؤلمة، لكن على الرغم من ذلك لن تكون النتائج النهائية حتماً في مصلحة إسرائيل، ودعونا نستحضر ما قاله أوستن في اليوم الأول للحرب على غزة، وهو أدقّ وأبلغ ما قيل وما يمكن أن يقال: “قد تكسب إسرائيل تكتيكياً إلا أنّها ستخسر استراتيجياً”.

إقرأ أيضاً: مسؤولة أميركيّة تحذّر: لا تجعلوا غزّة “مقديشو المتوسّط”

لم يقُل هذا الكلام فلسطيني متحمّس أو معهد دراسات وأبحاث، بل قاله وزير دفاع الدولة التي هي وليّة نعمة إسرائيل في حروبها ومصيرها ومزوّدتها الوحيدة بسلاحها وذخائرها والمسدّدة لفواتيرها التي لا سقف لملياراتها.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…