تشهد الهند تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي Narendra Modi (يحكم البلاد منذ عام 2014)، مستويات خطيرة من الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام أو التخويف منه).
فقد تصاعدت شعبية الجناح اليميني للقومية الهندوسية، مع دعوة الحزب الذي ينتمي إليه مودي، بهاراتيا جاناتا (BJP)، والزعماء الدينيين الهندوس، صراحةً، إلى أن تكون الهند أمّة هندوسية فقط. فيما يقطن ملايين الأفراد من الأقلّيات الدينية الهند، مع أقلّية إسلامية كبيرة تتجاوز 14% من مجمل السكان، من المتوقّع أن يصل عددها إلى 311 مليون مسلم في عام 2050 (11% من إجمالي عدد المسلمين في العالم)، وهو ما يجعلها الدولة التي تضمّ أكبر عدد من المسلمين في العالم، بدلاً من إندونيسيا حالياً.
المسلمون هم عمليّاً خارج بناء الدولة، وأصبحوا الهدف الأساسي للتحريض الديني. فمنذ العقد الماضي، شهدت الهند استقطاباً طائفياً متزايداً. وثمّة تقارير يومية تقريباً عن مضايقات وممارسات عنفية ضدّ المسلمين، وحتى انتشار موجات واسعة النطاق من الاضطهاد. كلّ هذا يحدث في بيئة معادية للمسلمين، بحيث تصدر مواقف عن الزعماء الدينيين الهندوس، ووسائل الإعلام اليمينية، والسياسيين من حزب بهاراتيا جاناتا، الذين يستعملون منصّاتهم للدعوة إلى إقصاء المسلمين، وطردهم، واغتصاب نسائهم، وحتى القضاء عليهم. وتسرّبت كراهية المسلمين في جميع شرائح المجتمع، مع مقتل مئات المسلمين بسبب معتقداتهم الدينية.
تشهد الهند تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي Narendra Modi (يحكم البلاد منذ عام 2014)، مستويات خطيرة من الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام أو التخويف منه)
اقتراب “الإبادة الجماعية”
في كانون الثاني 2022، حذّر غريغوري ستانتون Gregory Stanton من أنّ الهند قد تكون مُتّجهة نحو الإبادة الجماعية للمسلمين فيها. ستانتون، وهو مؤسّس منظّمة مراقبة الإباداتGenocide Watch ، قارن بين الوضع الحالي في الهند وبين الحقبة الزمنية التي سبقت مباشرة العنف الجماعي الذي انتشر في رواندا في عام 1994، فأودى بأكثر من نصف مليون قتيل من التوتسي، أو ما يعادل 70% من السكان التوتسي في ذلك البلد، فرأى أنّ مصير المسلمين في الهند يقترب من مصير التوتسي في رواندا، وذلك وفق نموذج المراحل المتتابعة أو المتزامنة الذي حدّده ستانتون عام 1987 بعدما درس عدداً من أعمال الإبادة التي وقعت في التاريخ الحديث، فقارن بينها، واستخلص في البدء ثماني مراحل مرّت بها كلّ الإبادات. لكنّه زاد مرحلتين عام 2012. وهي كما يلي:
1- التصنيف classification، أي تحديد من هو معي ومن هو ضدّي.
2- الترميز symbolization، عندما تُمنح التصنيفات السابقة رموزاً، مثل إطلاق ألقاب الطوائف على الهنود، مسلمين وهندوساً ونصارى.
3- التمييز discrimination، وهو عندما تحرم القوانين والأعراف بعض المواطنين من حقوقهم.
4- نزع الصفة البشرية عن الضحايا dehumanization، فيطلقون عليهم ألقاباً غير آدمية، فهم حشرات أو حيوانات، أو فيروسات.
5- التنظيم organization، إذ لا بدّ من تنظيم معيّن يرتكب أعمال القتل، كالمجموعات، والميليشيات المسلّحة، والجيوش النظامية.
6- الاستقطاب polarization، وهو ما يؤدّي إلى تهميش المعتدلين فلا يستطيعون مواجهة المتطرّفين.
7- الاستعداد preparation، فالقادة يضعون خطط القتل والتهجير، ويُدرّب الفاعلون المفترضون ويُسلّحون.
8- الاضطهاد persecution، حين يُحدّد الضحايا، ويُعتقلون، ويُرحّلون، ويوضعون في معسكرات أو سجون، ويتعرّضون للتعذيب والقتل.
9- القتل الجماعي extermination، وفي هذه المرحلة المتقدّمة، تتحقّق الإبادة، من خلال القضاء على شعب كامل، أو على قسم منه، على أسس عرقية أو دينية.
10- الإنكار denial، وهو عندما يُنكر القاتل جريمته، والإنكار امتداد لفعل الإبادة المادّية، وهو محاولة القضاء على الضحايا سيكولوجياً وثقافياً.
أمّا في حالة الهند، فقد شخّصت الباحثة مباشرا تازامالMobashra Tazamal ، عوارض القمع الممنهج لمسلمي الهند، في تقرير صادر عن The Bridge Initiative، في تشرين الأول من العام الماضي، تحت عنوان: هل يتّجه مسلمو الهند نحو الإبادة Is a Genocide of Muslims Underway in India؟
فرأت فأجابت أنّ الهند وصلت إلى المرحلة الثامنة، وهي ملاحقة الضحايا، وهم المسلمون. وهناك مؤشّرات إلى ابتداء المرحلة التاسعة، وهي أعمال القتل التي باتت مرئية أكثر فأكثر.
المسلمون هم عمليّاً خارج بناء الدولة، وأصبحوا الهدف الأساسي للتحريض الديني
المراحل العشر في مسار المسلمين الهنود
تطبيقاً لنموذج ستانتون بشأن مراحل الإبادة على مسلمي الهند، رأت الباحثة تازامال أنّ الهند وصلت إلى مرحلة متقدّمة قبيل الإبادة، وفق ما يلي:
مرحلة التصنيف: ظهرت بوضوح في عهد مودي، إذ مرّرت الحكومة الهندية السجلّ القومي للمواطنين(NRC) ، وقانون تعديل المواطنة (CAA)، ويعمل الاثنان بحقّ كسياسات تصنيف. كان السجلّ القومي للمواطنين قد أُسّس في عام 1951 “لتحديد من وُلد في ولاية آسام ومن ثَمّ فهو هندي”. وحُدّث السجلّ أوّل مرّة بوساطة حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية آسام في عام 2019. ويتناسب السجلّ القومي مع الرسالة الإقصائية للحزب، وكان الهدف منه التعرّف على المهاجرين غير الشرعيين وطردهم. ونتيجة لذلك، استُبعد 1.9 مليون فرد (معظمهم من المسلمين) في عام 2019، وقد صُنّفوا على أنّهم بلا جنسية، على الرغم من أنّهم عاشوا في البلاد لأجيال. وفي المقابل، يُمنح المهاجرون غير الشرعيين الجنسية الهندية، وهم القادمون من الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة: أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، والذين وصلوا إلى الهند قبل 31 كانون الأول 2014. وحتى اللغة جرى تسييسها وتصنيفها ضمن ثنائية “نحن” مقابل “هم”. وعليه، تمّ تأطير الأُرديّة على أنّها لغة إسلامية أجنبية مستوردة، وهي مرتبطة بالدولة المنافسة للهند، باكستان المجاورة ذات الأغلبية المسلمة. وذهب بعض السياسيين من حزب بهاراتيا جاناتا إلى مستوى الوعد بحظر اللغة الأرديّة في البلاد.
مرحلة الترميز: بدأت بحملة على كلّ ما يرمز للإسلام، لا سيّما الحملة على حجاب المرأة المسلمة، بوصفها علامة على الهويّة. ففي عام 2022، نظّمت المنظمات الهندوسية في ولاية كارناتاكا حملة على الحجاب. وانطلقت من معهد بالولاية، وتحوّلت إلى حملة قومية في أنحاء الهند. فأصبحت المسلمات، طالبات ومعلّمات، محرومات من دخول المجال العامّ من مدارس ومعاهد مع ارتدائهنّ الحجاب. وانتقلت الحملة إلى مطاردة كلّ مظهر يدلّ على الإسلام، فوجد المسلمون أنفسهم في بعض الأماكن في وضع يفرض عليهم تبديل أسمائهم الإسلامية، أو الامتناع عن أكل لحم البقر حتى لا يتعرّضوا للاضطهاد.
مرحلة التمييز: منذ انتخاب مودي عام 2014، ثمّ إعادة انتخابه عام 2019، وضعت الحكومة موضع التنفيذ عدداً من القوانين والسياسات التي حرمت المسلمين من الحصول على كامل حقوقهم الدستورية، وهو ما جعلهم فعليّاً مواطنين من درجة ثانية. على سبيل المثال، إصدار السجلّ القومي للمواطنين (NRC)، وقانون تعديل المواطنة (CAA). وكانت دوافع خطاب حزب بهاراتيا جاناتا، إعادة تعريف المفاهيم، وتقييد الهويّة والمواطنة بالهندوس فقط، ووصف المسلمين مراراً وتكراراً بأنّهم “أجانب”، و”غزاة”، و”باكستانيون”.
مرحلة نزع الصفة البشريّة: يستعمل سياسيّو بهاراتيا جاناتا ومجموعات الجناح اليميني الهندوسي مصطلحات غير بشرية حين يتحدّثون عن المسلمين الهنود. وفي عام 2019، وصفهم الرئيس السابق للحزب الحاكم أميت شاه Amit Shah (بين عامَي 2014 و2020) بأنّهم “النمل الأبيض”، داعياً إلى رمي المهاجرين غير الشرعيين في خليج البنغال. أمّا رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، وهي الأكثر اكتظاظاً بالسكان، يوغي أديتنياه Yogi Aditniyath، فقد وصف حزب الرابطة الإسلامية بـ”الفيروس”… و”كلّ من يُصاب بالفيروس لا ينجو”.
الهند ليست في مرحلة الإبادة، ولكن ما يجري يضع الأساس لهذه المرحلة. وفي غياب أيّ إجراء معاكس، يبدو أنّ الهند تتّجه نحو حلقات القتل الجماعي
مرحلة التنظيم: إلى جانب الأحداث العنيفة التي تورّطت فيها حشود هندوسية، فاستهدفت المسلمين، وأحياءهم، وأماكن عملهم ومساجدهم، هناك أيضاً عنصر منظّم في حملات الاضطهاد، هي مجموعة المتطوّعين شبه العسكرية اليمينية: راشتريا سوايامسيفاك سانغ(RSS) Rashtriya Swayamsevak Sangh . أُسّست المنظمة في عام 1925، على يد أفراد استلهموا فاشية موسوليني وهتلر. مهمّتها خدمة فكرة الدولة الهندوسية، ولديها ما لا يقلّ عن 4 ملايين متطوّع يؤدّون قسم الولاء، ويشاركون في التدريبات شبه العسكرية. ولديها أكثر من 57 ألف فرع يغطّي مختلف مجالات الحياة. والمجموعات التي تقع تحت هذه المظلّة تشمل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. وعدد من كبار وزراء حزب بهاراتيا جاناتا هم أعضاء في المنظّمة. ومجمل الحركات الهندوسية شبه العسكرية تخدم فكرة أساسية، هي اعتبار الهنود غير الهندوس، من مسلمين وغيرهم، مرتدّين يجب إعادتهم إلى دينهم الحقيقي.
الاتهام بـ”الاتنماء لباكستان”
مرحلة الاستقطاب: التصنيف والتمييز والتجريد من الإنسانية موجودة بقوّة في الهند اليوم. أمّا السردية التي أنشأتها القوى الحاكمة، فهي أنّ الهند موطن للهندوس، وأنّ المسلمين فيها ليسوا منها، فهم من أحفاد الذين غزوا الهند أو تركوا دين أسلافهم. لذا يجب على المسلمين العودة إلى الدين “الأصلي”. وبالنسبة للقوميين الهندوس، يشكّل المسلمون الهنود تهديداً لأغلبية المجتمع الهندوسي، ويوصمون غالباً بأنّهم ينتمون إلى باكستان. هذه الحجّة التي استُخدمت بشكل متكرّر من القوى الهندوسية اليمينية، نتج عنها الاستقطاب المتزايد في المجتمع.
مرحلة الاستعداد: إنّ الأحداث والسياسات وحالات الخطاب التحريضي يمكن تصنيفها تحت عنوان الاستعداد. وربّما كان أوضح مثال على خطاب التحريض والكراهية، ما جرى في المؤتمر الديني الذي انعقد بالهند في كانون الأول 2021، حين وُصف المسلمون بأنّهم تهديد للغالبية الهندوسية، مع دعوات للعنف الجماعي بدعوى الدفاع عن النفس. في الأيام الثلاثة التي استغرقها الحدث، الذي حضره سياسيون من حزب بهاراتيا جاناتا وزعماء دينيون من الهندوس متحالفون مع الحزب، دعا المتحدّثون إلى “القتل الجماعي للمسلمين”.
مرحلة الاضطهاد: الوضع في الهند حاليّاً يتأرجح في مرحلة الاضطهاد مع زيادة الهاجس من ارتفاع نسبة مواليد المسلمين والاختلال الديمغرافي. وشهدت الهند في السنوات القليلة الماضية تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا، مستويات مرتفعة من العنف، مع هجمات الغوغاء المميتة التي أصبحت القاعدة السائدة. وهناك أيضاً الأحداث التي شارك فيها رجال إنفاذ القانون ضدّ المسلمين بأنفسهم.
مرحلة القتل الجماعيّ: الهند ليست في مرحلة الإبادة، ولكن كما أوضح التقرير حتى الآن، فإنّ ما يجري يضع الأساس لهذه المرحلة. وفي غياب أيّ إجراء معاكس، يبدو أنّ الهند تتّجه نحو حلقات القتل الجماعي. فمن بين الأفراد الذين لديهم منصّات إعلامية كبيرة الزعيم الديني الهندوسي ياتي نارسينغاناند ساراسواتي Saraswati Yati Narsinghanand، ذو الصلات المباشرة بحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، الذي دعا علانية إلى إبادة المسلمين. وثمّة دعوة للفتيان الهندوس لتزوّج المسلمات بالإكراه، أو اغتصابهنّ، كي يحملن من أجل “تصحيح” التركيبة السكانية المختلّة في الهند. مثل هذه الدعوات لاستخدام الاغتصاب لتغيير التركيبة السكانية، ونشر الخوف في المجتمع الإسلامي، يخدم بشكل واضح كتمهيد لمرحلة الإبادة.
إقرأ أيضاً: الهند: ما مصير المسلمين في مواجهة العنصرية الهندوسية؟
مرحلة الإنكار: حتى الآن، لا يوجد دليل على وجود أيّ عنصر من عناصر المرحلة النهائية في الهند. لكنّ تتابع المراحل يثير المخاوف الجدّية من تكرار مأساة رواندا في ثاني أكبر دولة في العالم ديمغرافياً بعد الصين.