ماذا تفعل القوّات الأميركيّة في سوريا؟

مدة القراءة 8 د

بعد قصف الجيش الأميركي مقاتلي الميليشيات الموالية لإيران في سوريا ردّاً على هجوم بطائرة مسيّرة على القاعدة الأميركية في التنف وهجوم صاروخي على قواعد في دير الزور في آب، أثارت الحرب الأميركية “المنسيّة” إلى حدّ كبير في سوريا تساؤلات محلّلي السياسة العالمية والخبراء الإعلاميين في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها عن الغرض من الإبقاء على القوات الأميركية في ذاك البلد.

إلى جانب تشكُّكهم أساساً في التبرير القانوني للوجود الأميركي في سوريا منذ البداية، يرى محلّلون أنّ قرار واشنطن البقاء في سوريا محدّد بأسباب جيوستراتيجيّة بحتة.

يعتقد بعضهم أنّ أحد الأسباب يعود إلى أنّ إسرائيل تريد ذلك لأنّه “يضمن سيطرة ومراقبة القيادة المركزية الأميركية لـ 21 دولة في الشرق الأوسط ووسط وجنوب شرق آسيا، بما فيها الطرق البرّيّة الاستراتيجية والممرّات المائية”.

يرى آخرون أنّه استمرار لخطّة “حملة الضغط الأقصى” ضدّ إيران ولمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.

لكنّ الجميع متّفق على أنّ إطالة أمد هذا البقاء محفوف جدّاً بالمخاطر.

ينقل عن مراقبين، منهم كارين لوكفيلد، مراسلة الشرق الأوسط لوسائل إعلام ألمانية بارزة، أنّ أحد أسباب بقاء القوات الأميركية في سوريا يعود إلى أنّ إسرائيل تريد ذلك

جمعت مجلّة “تقرير واشنطن”* (Washington Report)، التي تصدر عن مؤسّسةAmerican Educational Trust (AET)  من واشنطن العاصمة، آراء بعض كبار الخبراء والإعلاميين المتابعين لشؤون الشرق الأوسط في سبب بقاء القوات الأميركية في سوريا.

 كتب كبير محرّريها ستاسا سالاكانين: في البداية، عندما تمّ إرسال القوات الأميركية إلى سوريا في عام 2015، كان ذلك جزءاً من القتال ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا (داعش)، غير أنّ هزيمة داعش جعلت ما تبقّى من هذا الوجود موضع جدل كبير ومتنازعاً عليه قانونيّاً داخل البلاد وخارجها. ومع ذلك أعرب العديد من المسؤولين والخبراء الإعلاميين عن قلقهم من أن يشوّه التخلّي عن الأكراد صورة الحليف الجدير بالثقة للولايات المتحدة، ويترك الأرضية الاستراتيجية للنظام السوري وروسيا وإيران.

اليوم، لا يزال حوالي 900 جندي أميركي يتمركزون في المنطقة المعروفة باسم “المنطقة الأمنيّة في شرق سوريا”.

 

الديمقراطيون: غير قادر وغير راغب

أضاف سالاكانين أنّه بعد هزيمة داعش وسّعت واشنطن عملياتها لتشمل أهدافاً أخرى، منها الميليشيات الموالية لإيران مثل كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء، وقوات الحكومة السورية والمرتزقة الروس، من دون مبرّر قانوني أو موافقة الكونغرس. في الواقع، وجدت الولايات المتحدة نفسها في حلقة مفرغة من الضربات المتبادلة، من دون أيّ هدف عسكري أو سياسي ملموس.

على الرغم من أنّ الإدارة راجعت سياستها بشأن سوريا العام الماضي، وحدّدت أربعة أهداف رئيسية، منها مواصلة الضغط على داعش من خلال الوجود العسكري المستمرّ في شرق سوريا، ودعم وقف إطلاق النار المحلّي، ودعم المساعدات الإنسانية وتعزيز حقوق الإنسان، مع الضغط من أجل المساءلة واحترام القانون الدولي (الذي تنتهكه واشنطن بسبب وجودها المتنازَع عليه)، ودعم حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، يتشكّك العديد من المحلّلين في هذه الأهداف ويعتقدون أنّ السياسة الأميركية في سوريا لا تزال ضبابيّة.

برّرت إدارة بايدن حتى الآن الإجراءات الأميركية بأنّها للدفاع عن النفس في مواجهة داعش، ووسّعتها على نطاق واسع لتشمل مجموعات أخرى تزعم واشنطن أنّها تمثّل تهديداً مباشراً لعمليّاتها ضدّ داعش. تمّ الجمع بين هذا الادّعاء المتذبذب بالفعل وحجّة أخرى مثيرة للجدل أُطلق عليها اسم نظريّة “غير قادر وغير راغب”، التي بدأت في ظلّ إدارة باراك أوباما واتّبعتها إدارة بايدن.

وفقاً لهذه النظرية، بحسب تيس بريدجمان وبريانا روزين، في مقال لهما بعنوان “لا تزال في حالة حرب – الولايات المتحدة في سوريا”، نشره منتدى “Just Security”، يُنظر إلى سوريا أنّها “غير قادرة وغير راغبة” في مواجهة التهديد الذي يشكّله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، و”يمكن للدولة الضحيّة (الولايات المتحدة بالنيابة عن نفسها وعن العراق) استخدام القوّة للدفاع عن النفس ضدّ جهات فاعلة من دول أخرى موجودة في دولة مختلفة (سوريا) من دون موافقة تلك الدولة”.

 لم يتردّد دونالد ترامب في استخدام القوّة ضمن “حملة الضغط الأقصى” على إيران ولمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، ووصف حملته بأنّها إجراء لمواجهة التهديدات المباشرة للولايات المتحدة.

في استراتيجيّته، حدّ بايدن من استخدام مصطلح “التهديد المباشر” واستبدل به “التخطيط المستمرّ” لهجمات مستقبلية، الأمر الذي يجعل العمليات الأميركية الحالية أكثر إشكالية.

لكنّ بنجامين إتش فريدمان، مدير السياسات في أولويّات الدفاع وكبير المحاضرين في كلّيّة إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، أكّد لصحيفة “واشنطن ريبورت” أنّه “لا يوجد أيّ أساس قانوني صالح لوجود قوات (أميركية) في سوريا. حتى لو استدعى السيّد بايدن سلطته المتأصّلة الرئاسية لتبرير وجود القوات الأميركية واستخدام الضربات الجوّية ضدّ الأطراف التي تهاجم هذه القوات، إلا أنّ ذلك لا يمكن أن يبرّر احتلالاً طويل الأمد. نحن نخاطر بالتصعيد من أجل لا شيء”.

هناك قلق من أن يتحالف بعض حلفاء واشنطن الحاليين في المنطقة وداخل سوريا مع روسيا إثر مغادرة الأميركيين من أجل ضمان مستقبلهم

الدوافع الجيوستراتيجيّة للبقاء

يعتقد سالاكانين أنّ قرار واشنطن البقاء في البلاد محدّد بأسباب جيوستراتيجية بحتة. وينقل عن مراقبين، منهم كارين لوكفيلد، مراسلة الشرق الأوسط لوسائل إعلام ألمانية بارزة، أنّ أحد أسباب بقاء القوات الأميركية في سوريا يعود إلى أنّ إسرائيل تريد ذلك، ولأنّ الوجود المادّي “يضمن سيطرة ومراقبة القيادة المركزية الأميركية لـ 21 دولة في الشرق الأوسط ووسط وجنوب شرق آسيا، بما فيها الطرق البريّة الاستراتيجية والممرّات المائية.”

في هذا السياق، أشار سالاكانين في تقريره إلى اعتبار العديد من المحلّلين أنّ الجولة الأخيرة من الهجمات على أهداف أميركية كانت نتيجةً للضربات الجوّية الإسرائيلية على أجزاء أخرى من سوريا أو ردّاً انتقاميّاً عليها.

أورد مثالاً على ذلك تقريراً لصحيفة “وول ستريت جورنال” في 16 حزيران 2022 ادّعى أنّ الحكومتين الإسرائيلية والأميركية تعاونتا بشكل وثيق ونسّقتا الضربات الإسرائيلية على أهداف في سوريا.

مع ذلك، نشأت مخاوف وظهرت انتقادات متزايدة لتعريض القوات الأميركية لمخاطر غير ضرورية من أجل مصالح دول ثالثة، وهو ما اعتبره العديد من المحلّلين نهجاً غير مسؤول، محذّرين واشنطن من المخاطرة بنهاية ناجحة للمفاوضات النووية مع إيران، على الرغم من معارضة حلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، للاتفاق الذي “بغضّ النظر عن مدى النقص الذي قد يكون عليه، يشكّل في رأيهم” الخطوة الأولى نحو تهدئة التوتّرات في المنطقة.

مع ذلك يعتقد فريدمان أنّه نظراً إلى أنّ الأهداف الأميركية كانت قوات مدعومة من إيران وليست قوات إيرانية، فـ”إنّ إحياء الصفقة لا يعتمد على ما يحدث في سوريا أو العراق. لكن إذا تصاعد الصراع بطريقة ما، فقد يعرّض الصفقة للخطر بالتأكيد”.

إلى جانب مواجهة إيران وحزب الله في سوريا، تعتقد كارين لوكفيلد أنّ الوجود الأميركي مرتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بردع روسيا وجيشها، الذي ساعد بشّار الأسد على استعادة السلطة والفوز عمليّاً في الحرب الأهليّة.

هناك قلق من أن يتحالف بعض حلفاء واشنطن الحاليين في المنطقة وداخل سوريا مع روسيا إثر مغادرة الأميركيين من أجل ضمان مستقبلهم. من وجهة نظر لوكفيلد، الولايات المتحدة موجودة في سوريا لمنع دمشق من استعادة “سوريا المفيدة”، أو بشكل أكثر دقّة الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، حيث توجد موارد مهمّة مثل النفط والغاز والقمح والقطن والمياه.

 

الانسحاب وشيك

مع ذلك، يعتقد جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في قسم الدراسات الدولية ودراسات المنطقة في جامعة أوكلاهوما، أنّ الولايات المتحدة ستضطرّ في النهاية إلى سحب قواتها من سوريا. وقال لـ”تقرير واشنطن” إنّ “الدول المجاورة تعارض احتلال الولايات المتحدة للأراضي السورية، بينما يصرّ المجتمع الدولي على دولة سورية ذات سيادة متكاملة”. وأكّد أنّ “من المستحيل على الولايات المتحدة إنشاء دولة مستقلّة يقودها الأكراد في شمال سوريا لأنّ الأكراد، الذين يبلغ عددهم حوالي 2 مليون نسمة، قليلون من حيث العدد وأضعف من أن يدافعوا عن دولة في شمال سوريا”.

استبعد أيضاً أن تتمكّن الولايات المتحدة من استخدام المنطقة للضغط في سبيل استبدال قيادة الأسد في دمشق، كما كان يُعتقد في الأصل. وحذّر من أنّ “الولايات المتحدة ستُلحق الضرر بعملائها، وحدات حماية الشعب (المكوّنة في الغالب من الأكراد)، وقوات سوريا الديمقراطية (تحالف يتكوّن أساساً من مقاتلين أكراد وعرب وآشوريين)، إذا لم تقُم بإعدادهم لاتّخاذ الترتيبات مع دمشق في اليوم الذي تنسحب فيه القوات الأميركية من سوريا، حتى لو كان ذلك بعد 5 أو 10 سنوات في المستقبل”.

إقرأ أيضاً: بوتين وخامنئي شريكان طبيعيان في سوريا وأوكرانيا؟

“على الولايات المتحدة ألّا تكرّر تجربة أفغانستان في سوريا بأن تنسحب من دون توفير الأمان لأولئك الذين عملوا لديها والذين سيتمّ سجنهم أو إعدامهم بتهمة الخيانة عندما تنسحب الولايات المتحدة”. لكنّ إطالة أمد المشاركة الأميركية، من وجهة نظر فريدمان، قد تكون “خطأً فادحاً ليس مكلفاً بشكل خاص لكنّه خطر جدّاً”.

إنّها مسألة وقت وحسب قبل أن تؤدّي إحدى هذه الحوادث والهجمات المتكرّرة إلى وقوع إصابات في صفوف القوات والأفراد والمدنيين الأميركيين من دون سبب وجيه.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…