حملت طائرة روسية إلى إيران في شهر آب الماضي 140 مليون يورو نقداً وغنيمة من الأسلحة الغربية التي استولى عليها الجيش الروسي في أوكرانيا، مقابل الحصول على طائرات مسيّرة إيرانية. وقد اعتُبر ذلك أوّل مساهمة معروفة لإيران في الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا.
لم يكن مفاجأةً للمحلّلين هذا التعاون الروسي ـ الإيراني في سياق تطوّرات الحرب في أوكرانيا. فالطرفان، على الرغم من اختلافهما أيديولوجيّاً وأهدافاً وأنماط حكم، وجدا أرضيّة مشتركة لتوطيد هذا التعاون الذي بدأ في الواقع قبل 7 سنوات.
لم يكن هذا التعاون، سوى مرحلة جديدة في علاقة بين حليفين غير متوقّعين توثّقت في منطقة أخرى مزّقتها الحرب، هي الشرق الأوسط.
في الأسبوع الماضي، ساعدت طائرة مسيّرة في توجيه صواريخ سورية تحتوي على قنابل عنقودية إلى معسكر للنازحين السوريين في شمال غرب البلاد، فأسفر القصف عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 75 آخرين
البداية كانت في سوريا
يروي مارتن شولوف، مراسل منطقة الشرق الأوسط لصحيفة “الغارديان”، أنّه منذ عام 2015 بدأت العلاقة بين روسيا وإيران تتوطّد أكثر فأكثر، وذلك في ذروة مساعي الرئيس السوري بشار الأسد لإنقاذ سوريا من القوات التي سحقت جيشه إلى حدّ الهزيمة. حينذاك سافر الجنرال الإيراني قاسم سليماني إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين. وهناك عرض الخرائط أمام الزعيم الروسي وشرح بالتفصيل الصعوبات التي يواجهها الأسد. مهّدت هذه الزيارة الأرضيّة لتدخّل روسيا في عام 2015، وأثمرت اتفاقاً بين بلدين لا يوجد بينهما سوى القليل من القواسم المشتركة باستثناء الرغبة المشتركة في منع تمزيق النظام القائم وتقويض سلطة الغرب.
أضاف شولوف: “كانت سوريا هي الساحة لبدء مثل هذا التعاون، وسرعان ما أصبحت أوكرانيا ساحة المعركة لتوطيده. فقد وجد أرضيةً مشتركةً كلّ من التشدّد الديني لقادة إيران وقومية بوتين العلمانية القائمة على الدم ومبدأ روسيا الوطن، على الرغم من اختلاف أنماط الحكم والأهداف إلى حدّ كبير. إذ إنّ رغباتهما المشتركة جعلتهما شريكين طبيعيين”.
من جهته، قال تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، إنّ “هذه الشراكة تبلورت بدايةً في سوريا، وها هي تتطوّر قدماً في أوكرانيا، لكن فيما خاضت إيران في سوريا المعركة الطويلة لدعم الأسد قبل أن يتمّ إنقاذه من خلال التدخّل الروسي، حدث العكس في أوكرانيا، حيث دخلت إيران أخيراً في الصراع من خلال نقل الأسلحة الاستراتيجية لمساعدة روسيا في حملتها المتعثّرة”.
نقلت عن مصادرها شبكة “سكاي نيوز”، التي نشرت الخبر عن تسليم روسيا شحنة من الأموال والأسلحة الغربية إلى إيران هذا الأسبوع، احتمال تسليم المزيد من الطائرات الإيرانية بدون طيّار، وهو ما يعمّق التعاون بين الدولتين ويعرض أهدافاً مدنية لمزيد من الدمار قبل الشتاء. فالطائرات المسيّرة التي تمّ تسليمها استُخدمت بالفعل لتدمير المدن الأوكرانية، وتمّ إرسال العديد منها في تفجيرات انتحارية بما يشبه “الكاميكاز” اليابانية، بينما تمّ تجهيز طائرات أخرى بمنصّات صواريخ أصابت المستشفيات ومحطّات الطاقة.
حملت طائرة روسية إلى إيران في شهر آب الماضي وهي تحمل 140 مليون يورو نقداً وغنيمة من الأسلحة الغربية التي استولى عليها الجيش الروسي في أوكرانيا، مقابل الحصول على طائرات مسيّرة إيرانية
استهداف المدنيّين أسلوب روسيّ ـ إيرانيّ
على مدار السنوات السبع الماضية من الحرب السورية، كانت الهجمات الواسعة النطاق على أهداف مدنية سمةً من سمات الهجمات الروسية على شرق سوريا، حيث تمّ استهداف المستشفيات والمدارس والمخابز وطوابير الطعام بانتظام وقتل ما لا يقلّ عن عدّة آلاف من المدنيين.
في الأسبوع الماضي، ساعدت طائرة مسيّرة في توجيه صواريخ سورية تحتوي على قنابل عنقودية إلى معسكر للنازحين السوريين في شمال غرب البلاد، فأسفر القصف عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 75 آخرين، بحسب منظمة الخوذ البيضاء، التي تضمّ مجموعة من عمّال الإغاثة وتعمل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، حيث أصبح “الشاغل الأكبر للشعب السوري هو وضع حدّ للهجمات الإرهابية التي تستمرّ في قتل أطفالهم وملاحقة النازحين في جميع أنحاء البلاد. غير أنّ من الصعب التفاوض مع آلة عسكرية لا تعرف شيئاً سوى القتل. ومن الصعب أيضاً طلب المساعدة من مجتمع دولي تحكمه توازنات سياسية ومصالح إقليمية بعيداً عن مسارات حقوق الإنسان”.
وإذا كانت الحملة العسكرية الروسية قد ركّزت هجماتها على شمال سوريا، فإنّ إيران ركّزت من جهتها على إقامة مناطق نفوذ في جميع أنحاء البلاد، بالتعاون مع الجيش السوري وأجهزته الاستخبارية. وقد يكون لدى البلدين وجهات نظر مختلفة إلى حدّ كبيرحول نوع البلد الذي يتوقّعان أن يخرج من أنقاض سوريا، لكنّهما في الوقت الحالي يضعان رؤى نهاية اللعبة جانباً.
إقرأ أيضاً: أولى نتائج الترسيم: الغجر منطقة سياحية
ذكر ليستر أنّ “الجنرالين ألكسندر دفورنيكوف واليوم سيرغي سوروفيكين، وهما من قدامى المحاربين في سوريا، يديران حرب روسيا في أوكرانيا. وكلاهما استثمر بعمق في تأسيس وتوسيع شراكة استراتيجية مع فيلق القدس الإيراني. يساعد الحلفاء بعضهم بعضاً في السرّاء والضرّاء، وحرب أوكرانيا تُظهر مدى تقدير إيران لعلاقتها مع بوتين. وبينما كانت الصين ذكيّة بما يكفي للحفاظ على مسافة من هذه الحرب، فليس من المستغرب بشكل خاص رؤية دول أمثال إيران وكوريا الشمالية، وهي طرف آخر في التحالف مع سوريا، تفعل كلّ ما في وسعها لتعزيز العدوان الروسي.”