الكويت: قوانين “طالبانية”… تُحاصر النساء والكُتُب

2023-08-01

الكويت: قوانين “طالبانية”… تُحاصر النساء والكُتُب


من “تجريم الوشوم والسحر” مروراً بـ”افتتاح معاهد دينية لتدريس الطلاب بعد الظهر” و”تنظيم إجراء الجراحات التجميلية” وصولاً إلى “التزام المرأة بالضوابط الشرعية” للترشّح للانتخابات، غصّت أروقة البرلمان الكويتي بعشرات مشاريع القوانين الغريبة والمتشدّدة، التي وصفها البعض بـ”الطالبانية” والهادفة إلى “أفغنة” الكويت.

مع تزاحم الأسئلة عن الأسباب والخلفيّات والمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه المشاريع وإمكان أن تتحوّل إلى قوانين نافذة، أطلق نحو 250 من الشخصيات المجتمعية نداء إلى أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية لإنصاف المرأة، التي ورد في مشروع قانون خاصّ بالانتخابات ضرورة التزامها بـ”الضوابط الشرعية” شرطاً للترشّح، قبل أن يذهب أحد النواب أكثر من ذلك باقتراحه “ضرورة أن تكون مُحجّبة”.

أمام الصرخة المجتمعية، اضطرّت الحكومة ومجلس الأمّة إلى التراجع خطوة في الظاهر، من خلال مساواة الرجل والمرأة لناحية الالتزام بـ”الضوابط الشرعية”، وهو ما عدّه كثيرون “التفافاً ماكراً” لأنّه عملياً لم يُلغِ النصّ السابق الذي يفرض قيوداً على حرّية المرأة وحقّها في ممارسة حقوقها السياسية من دون قيد أو شرط، و”يُشكّك بفطرتها وأخلاقها وتربيتها”، على حدّ وصف النائبة جنان بوشهري التي تولّت في الآونة الأخيرة رفع الصوت عالياً، نيابة عن النساء، باعتبارها المرأة الوحيدة في البرلمان من أصل 50 نائباً.

حذّر رئيس المنتدى الخليجي لمؤسّسات المجتمع المدني أنور الرشيد من تحويل الكويت إلى “قندهارستان”، فيما اعتبرت المحامية أريج حمادة أنّ هناك “توجّهاً للسيطرة على مفاصل الدولة باسم الإسلام”

عقارب الساعة إلى الوراء

جاء هذا القانون ليزيد الطين بلّة، إذ سبقه اقتراح قانون آخر ينصّ على حصر تولّي مناصب القضاء بالرجال، على اعتبار أنّه “لا يجوز شرعاً تولّي المرأة القضاء، لأنّ القضاء ولاية عامّة لا يتقلّدها إلا الرجال، فهو لا يتناسب مع طبيعة المرأة ولا يتوافق مع الشرع الحنيف الذي أكّده جمهور الفقهاء، ولذلك اشترطت المادّة الأولى أن يكون القاضي ذكراً، وهو رأي جمهور الفقهاء”، بحسب ما ورد في المذكّرة الإيضاحية لمشروع القانون.

يُعيد هذا الاقتراح عقارب الساعة إلى الوراء لأنّ النساء يشغلن حالياً عشرات المناصب في السلطة القضائية، ويتبوّأن مراكز عالية، ومن ضمنها النيابة العامّة ومختلف درجات المحاكم.

الجنس والسحر والوشم

من المقترحات الغريبة أيضاً، ما تقدّم به 5 نواب محافظين من “عدم جواز إجراء جراحة تجميلية، إلا بعد موافقة لجنة خاصة بفحص طلبات إجراء العمليات التجميلية”، على أن يتمّ تشكيل هذه اللجنة في وزارة الصحّة.

يحظر المقترح “إجراء عمليات التحوّل الجنسي، وعمليات الوشم، والإعلانات الترويجية للعمليات التجميلية، وإجراء العمليات التجميلية بالعيادات والمراكز الصحية”، فيما يعاقب المُخالف بالسجن لمدّة 5 سنوات. ما أثار هذا الاقتراح حالة من الجدل والسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت أحد الناشطين إلى القول: “بين دولة الكويت وجماعة طالبان… ما هو الفرق؟ للأسف وصول حال الكويت إلى هذا المستوى… (نواب) يقترحون حظر الوشم فيما تركوا قضايا المتقاعدين والقروض والتعليم والتدهور على جميع المستويات”.

ينصّ اقتراحٌ آخر لاقى جدلاً واسعاً على إصدار قانون خاصّ بتجريم أعمال السحر والشعوذة، على أن يعاقَب بالسجن 10 سنوات “كلّ من استعان بالساحر أو المشعوذ أو الكاهن والوسيط، وكلّ من هيّأ أو أعدّ أو فتح أو أدار مكاناً لممارسة أعمال السحر والشعوذة والكهانة، أو الترويج لها بأيّ وسيلة، أو التستّر عليها”.

بدت الكويت في الأسابيع الماضية وكأنّها تستعدّ لخلع ثوب التنوّع والتعايش بين مختلف المشارب المجتمعية، وهو ما أثار مخاوف هائلة من مخطّط للتضييق على الحرّيات

قندهارستان

كي تكتمل الصورة “القندهاريّة”، طُرحت أيضاً عودة الرقابة المسبقة على الكتب، وهو ما استدعى صدور بيان من رابطة الأدباء يرفض ذلك بشكل قاطع، ويدعو كلّ مؤسّسات المجتمع المدني إلى اتّخاذ موقف واضح مماثل.

من ناحيته، حذّر رئيس المنتدى الخليجي لمؤسّسات المجتمع المدني أنور الرشيد من تحويل الكويت إلى “قندهارستان”، فيما اعتبرت المحامية أريج حمادة أنّ هناك “توجّهاً للسيطرة على مفاصل الدولة باسم الإسلام”.

إلى ذلك قال المحامي والناشط علي العريان إنّ “الكويت تعيش ردّة غير مسبوقة على قِيَم الدولة المدنية”، معتبراً أنّ الاقتراحات تهدف إلى “تحويلنا لمجتمع قندهاريّ منغلق”.

على هذا المنوال، بدت الكويت في الأسابيع الماضية وكأنّها تستعدّ لخلع ثوب التنوّع والتعايش بين مختلف المشارب المجتمعية، وهو ما أثار مخاوف هائلة من مخطّط للتضييق على الحرّيات.

تكمن المشكلة في “شهر العسل” الذي تعيشه الحكومة ومجلس الأمّة، وأدّى إلى إقرار بعض القوانين، قبل أن يدخل البرلمان في عطلته الصيفية، إذ إنّ هذا “التناغم الظاهر” يُخفي في ثناياه “رضوخاً شبه تامّ” من السلطة التنفيذية لطلبات الكثير من النواب المحافظين والمتشدّدين الذين يُجاهرون بسعيهم إلى “أسلمة” القوانين، نظراً لحاجتها إليهم تحت شعار “التعاون البنّاء” بين السلطتين، لإنهاء الأزمات القائمة بينهما التي طبعت الحياة السياسية لسنوات طويلة.

إحياء “وثيقة القِيَم”

هكذا تصاعدت الخشية في المجتمع الكويتي عموماً، ولدى الليبراليين ومنظّمات المجتمع المدني خصوصاً، من أن يُعاد إحياء “وثيقة القِيَم” وتجد طريقها إلى التنفيذ، وهي التي وُصفت بـ”وثيقة قندهار”، ووقّع عليها عشرات المرشّحين للانتخابات في أيلول 2022، وبالفعل فاز كثيرون منهم آنذاك، لكنّهم لم يستطيعوا المضيّ قُدماً بسبب إبطال المجلس وإعادة الانتخابات.

تشمل الوثيقة 12 بنداً، أبرزها “تطبيق قانون منع الاختلاط”، و”رفض المهرجانات الهابطة”، و”رفض المسابح والنوادي المختلطة”، و”تفعيل قانون اللباس المحتشم”، و”العمل على وقف الابتذال الأخلاقي”، و”تعديل قانون التشبّه بالجنس الآخر” و”تطبيق قانون تجريم الوشوم الظاهرة على الجسد”.

“الهدوء” مقابل “الأسلمة”؟

مع حاجة الحكومة إلى الغالبية النيابية المسيطرة على مجلس الأمّة والمكوّنة من نواب تنتمي أكثريّتهم إلى التيارات الدينية (الإخوان والسلف) أو من المحافظين أو المتشدّدين، تتعاظم المخاوف من أن تأتي الصفقات والمقايضات على حساب “مدنيّة” الدولة والحفاظ على تنوّعها المجتمعي والثقافي، ولا سيّما أنّ ما جاء في “وثيقة القِيَم” يتعارض مع كثير من موادّ الدستور الكويتي التي تكفل الحرّيات وحقّ الاختلاف في الرأي وحرّية الدين.

إقرأ أيضاً: “الدستوريّة”: “رقصة التانغو” في الكويت

وفيما يرى مؤيّدو الإسلاميين أنّ الوثيقة تُعبّر عن “مشروع سياسي” وتُلبّي رغبات الناخبين الذين أوصلوا هؤلاء النواب إلى مجلس الأمّة، يعتبر أنصار التيار الليبرالي أنّها محاولة لفرض “وصاية دينية” على المجتمع. وبين الاثنين، يتساءل كثيرون عن إمكان أن تندفع الحكومة بسبب حاجتها إلى “الهدوء” وإنهاء ما يوصف بـ”التأزيم” إلى تقديم تنازلات بهذا الحجم للنواب، فتفضي هذه التنازلات في نهاية المطاف إلى إطلاق يد الإسلاميين وإحداث تغييرات كبيرة في المجتمع.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…