رئيس لثلاثة مناصب… قاعدة السّياسة الفلسطينيّة

مدة القراءة 6 د

رتَّب الرئيسُ الفلسطينيُّ محمود عبّاس مسألةَ خلافته في رئاسة السلطة، بمرسومٍ رئاسيٍّ خوَّل فيه نائبَ رئيس اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير حسين الشيخ شَغْلَ ذلك المنصب مؤقّتاً، لمدّةٍ لا تزيد على تسعين يوماً. أعاد المرسوم فتح ملفّ الخلافة داخل النظام السياسيّ الفلسطينيّ، الذي يحتكر فيه عبّاس قيادة المؤسّسات الثلاث الكبرى: السلطة، المنظّمة وحركة فتح، منذ عام 2004، وسط ترتيبات دقيقة لضمان انتقالٍ منظَّمٍ للسلطة يُبقي الإرث السياسيّ في يد المقرّبين منه.

 

يقود أبو مازن منظّمةَ التحرير وحركةَ “فتح”، إلى جانب السلطة، ويبدو “الإرث” السياسيّ الذي سيتركه خلفه سيؤول إلى شخصٍ واحد، وهو على الأرجح حسين الشيخ، كما آل إليه من بعد الرئيس الراحل ياسر عرفات.

لا يزال أبو مازن قويّاً سياسيّاً، وصاحب القرار الأوّل والأخير في السلطة ومنظّمة التحرير وحركة “فتح”، وبدأت هذه السطوة منذ تسلّمه مقاليد الحكم عام 2004 وتنامت حتّى اليوم.

على الرغم من خطواته “الإصلاحيّة” المتمثّلة بالمرسوم الأخير، ليس في وارد أبي مازن التخلّي عن أيٍّ من صلاحيّاته ومواقعه. وفي حال قرّر مغادرة المشهد السياسي والاعتزال، فلن يُقدِم على ذلك قبل هندسة وترتيب كلّ شيءٍ بما يضمن تنصيب الموالين له ولنهجه السياسيّ.

حركة “فتح”

كان من المفترض أن تعقد حركة “فتح” مؤتمرها العامّ الثامن قبل سنوات، لكنّه تأجّل أكثر من مرّةٍ لأسبابٍ كثيرة، منها:

1- الخلافات داخل “الحركة”، وفصل العديد من الكوادر والقيادات على خلفيّة ترشّحهم في قوائم انتخابيّةٍ بعيداً عن قائمة “الحركة” الرسميّة من أجل المشاركة في الانتخابات التشريعيّة التي كان من المقرّر إجراؤها عام 2021.

2- عدم حصول أعضاء “الحركة” القادمين من غزّة والخارج على تصاريح لدخول رام الله من أجل المشاركة في المؤتمر.

3- اندلاع الحرب في غزّة.

عمل الرئيس عبّاس على هندسة منظّمة التحرير وما يتفرّع عنها من لجنةٍ تنفيذيّةٍ ومجلسٍ وطنيٍّ ومجلسٍ مركزيٍّ

مرَّ على عقد المؤتمر السابع الأخير للحركة نحو تسع سنوات، وهو الذي أفرز آنذاك في نهاية اجتماعاته في رام الله المجلس الثوريّ للحركة من ثمانين عضواً، واللجنة المركزيّة للحركة من ثمانية عشر عضواً، أُضيف إليهم ثلاثة أعضاء شرفيّين، بينما انتُخب محمود عبّاس قائداً عامّاً لحركة “فتح” بالتزكية ومن دون منافسة.

من المفترض أن يُفرز المؤتمر الثامن قيادةَ الحركة، سواء على مستوى اللجنة المركزيّة أو المجلس الثوريّ. في حال لم يُعقد المؤتمر، فإنّ انتقال السلطة داخل الحركة مضمونٌ ولو لفترةٍ مؤقّتةٍ على أقلّ تقدير في حال شغورها، بناءً على ما أفرزه المؤتمر السابع وقرّره أبو مازن لاحقاً.

 

وضع محمود العالول (أبو جهاد) في منصب نائب قائد “الحركة”، أي باعتباره الرجل الثاني فيها، وهو يرأس اجتماعات اللجنة المركزيّة في حال غياب عبّاس عنها. بذلك يكون المرشّح الأبرز لقيادة الحركة في حال أيّ غيابٍ لعبّاس، بينما يشغل جبريل الرجوب منصب أمين سرّ اللجنة المركزيّة للحركة.

الرئيس عبّاس

من المرجَّح أن يُؤجَّل عقد مؤتمر “فتح”. إذ يُعتقد أنّ انعقاده مرتبط بترتيب جميع مدخلاته ومخرجاته، وهذا يمكن أن يتمّ من خلال تحديد هويّة وعدد المشاركين في المؤتمر الذين يحقّ لهم الانتخاب، وتغييب الكثير من القاعدة التنظيميّة التي قد تُشكّل معارضةً أو منافسةً للأسماء المطروحة، وبالتالي ضمان نسبةٍ كبيرةٍ من الفائزين.

أمّا التطوّر الآخر الذي يعزّز ذلك، فيتمثّل بالمستجدّ المتعلّق بالمصالحة الداخليّة التي أعلنها الرئيس عبّاس، والتي تقتضي السماح بعودة المفصولين من “الحركة”، وتحديداً قيادات التيّار الإصلاحي، والذين سيُشكّلون بالضرورة وزناً في المؤتمر العامّ، ولن يرضوا بألّا يكون لهم حضورٌ فاعلٌ في هيئات الحركة القياديّة.

منظّمة التّحرير

يمسك عبّاس بقرار منظّمة التحرير الفلسطينيّة بشكلٍ كلّيّ، لأنّه رئيس اللجنة التنفيذيّة للمنظّمة، ونائبُه فيها حسين الشيخ. ولا يواجه أيَّ معارضةٍ حقيقيّةٍ داخل المنظّمة.

في حقبة الرئيس ياسر عرفات، ومن بعده أبو مازن، بقيت المناصب الثلاثة في يد شخصٍ واحد

عمل الرئيس عبّاس على هندسة منظّمة التحرير وما يتفرّع عنها من لجنةٍ تنفيذيّةٍ ومجلسٍ وطنيٍّ ومجلسٍ مركزيٍّ، وضمن هذا السياق اتّخذ في تمّوز الماضي قراراً بشأن إجراء انتخابات مجلسٍ وطنيٍّ جديدٍ خلال عامٍ من بعد وقف الحرب على غزّة.

حدّد قرارُ الرئيس عددَ أعضاء المجلس الوطنيّ بـ350 عضواً، على أن يكون ثلثا الأعضاء من داخل الوطن، والثلث الآخر من الخارج والشتات، وأن يكون من ضمن شروط العضويّة التزام العضو ببرنامج منظّمة التحرير وبالتزاماتها الدوليّة وقرارات الشرعيّة الدولية.

تبدو انتخابات المجلس الوطنيّ المحدّدة بشروطٍ عديدةٍ مرفوضةً من كثيرٍ من الفصائل الفاعلة ذات الوزن، كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبيّة”، التي من المرجّح أن تُقاطعها، الأمر الذي سيمنح الرئيس عبّاس فرصةً لتشكيل المجلس كما يريد.

يأتي هذا الإجراء بعدما سبق أن قام بترتيب من سيخلفه في رئاسة المنظّمة، عبر استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذيّة، الذي جرى انتخاب حسين الشيخ له من قبل اللجنة التنفيذيّة. وبالتالي سيكون المنصب من نصيبه كما هو منصب رئاسة السلطة.

قال عضوُ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير واصل أبو يوسف لـ”أساس”: “كان لا بدّ أن يكون هناك وضوحٌ قانونيٌّ يُعالج شغور منصب رئاسة السلطة في حال حدوثه، والمرسومُ الرئاسيُّ الأخيرُ عالج ذلك”، لافتاً إلى أهمّية توحيد مسؤوليّة قيادة الموقعين (المنظّمة والرئاسة) في شخصٍ واحد، على غرار ما جرى بعد رحيل الشهيد ياسر عرفات.

لفت أبو يوسف إلى أنّ مرسوم الرئيس جاء تلبيةً لمطالب الدول العربيّة والغربيّة لترتيب الوضع الداخليّ الفلسطيني تحت مسمّى “الإصلاحات”، وإيجاد شخصٍ لملء الفراغ الرئاسيّ في حال حدوثه.

عمل الرئيس عبّاس على هندسة منظّمة التحرير وما يتفرّع عنها من لجنةٍ تنفيذيّةٍ ومجلسٍ وطنيٍّ ومجلسٍ مركزيٍّ

أضاف: “بعد مرسوم الرئيس بات هناك شخصٌ واحدٌ لتولّي قيادة السلطة ومنظّمة التحرير في حال أيّ شغور، وهو حسين الشيخ، خاصةً أنّ قانون المنظّمة يشير بوضوحٍ إلى أنّ نائب رئيس اللجنة التنفيذيّة الذي جرى انتخابه من كلّ الأعضاء، يتولّى رئاسة اللجنة والمنظّمة في حال أيّ شغورٍ”.

عن انتخابات المجلس الوطني قال أبو يوسف إنّ “اللجنة التحضيريّة عقدت عدّة اجتماعاتٍ، وستعطي في نهاية تشرين الثاني تصوّراتها النهائيّة لإمكان إجراء الانتخابات في الضفّة وغزّة والقدس والشتات، وستوصي بأنّه في حال تعذّر إجراء الانتخابات يتمّ التوجّه إلى التوافق كما جرت العادة”.

إقرأ أيضاً: متى يتخلّى عبّاس عن صلاحياته للشيخ؟

الخلاصة

خلال العقود الماضية، كان رئيس حركة “فتح” هو ذاته رئيس منظّمة التحرير، وبعد تشكيل السلطة الفلسطينيّة توسّعت هذه القاعدة لتُضاف إليها رئاستها أيضاً، أي في حقبة الرئيس ياسر عرفات، ومن بعده أبو مازن، بقيت المناصب الثلاثة في يد شخصٍ واحد، وهو النموذج المتوقّع في مرحلة ما بعد أبي مازن.

مواضيع ذات صلة

هل يَطرح “الثّنائيّ الشّيعيّ” الثّقة بحكومة نوّاف سلام؟

مُجدّداً، رُميت الكرة في ملعب الرئيس نبيه برّي في ما يخصّ التعديلات على قانون الانتخاب. تسوية أو مواجهة قاسية تهدّد بتطيير الانتخابات؟ وفق معلومات تسرّبت…

اجتماع “الميكانيزم” الـ13: خرائط مخازن السلاح المخفيّة

تعقد لجنة “الميكانيزم” اجتماعها الثالث عشر اليوم الأربعاء في الناقورة، من دون حضور المستشارة مورغان أورتاغوس، وسط تصعيد إسرائيليّ ملحوظ وخطير في وتيرة الاعتداءات والاغتيالات وتفجير…

المواجهة الإيرانيّة – الإسرائيليّة الثّانية… على الأبواب؟

لا يُمكن فصل ما يجري على السّاحتَيْن العراقيّة واللبنانيّة وانكفاء الحوثيّين، عمّا يُحضَّرُ في الكواليس بشأن إيران. لا يمكن فهم تصلّبِ موقف “الحزبِ” في لبنان…

ستون يوماً: الإصلاحات أو العقوبات

ليس الغزل العلني سوى دبلوماسية معهودة، وقليل مما تبقى من أمل بأن يقوم لبنان في الشهرين المقبلين بما كان يفترض أن يقوم به أو يبدأ…