ترامب يُشكّل القيادة الفلسطينيّة الجديدة؟

مدة القراءة 6 د

هل أعادت السلطة الفلسطينيّة حساباتها في التعامل مع دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض؟ وهل أصبح تجنّب الصدام معه خياراً اضطراريّاً لا مفرّ منه؟ وهل تمهّد تصريحات ترامب الأخيرة عن مروان البرغوثي لتشكيل قيادة فلسطينيّة جديدة ترعاها واشنطن؟

 

 

تجد السلطة الفلسطينيّة نفسها مُرغمة على عدم الصدام مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظراً للمتغيّرات السياسيّة في المنطقة، والسطوة التي يحظى بها على دول العالم، حتّى لا تجد نفسها في عزلة، في وقت تبحث فيه عن أيّ طريق يضعها في صورة المشهد السياسي بعد الحرب على غزّة. ولذلك لا تجد حرجاً في كيل الثناء والمديح بين حين وآخر لترامب.

على هذه القاعدة تُصدر السلطة مواقفها إزاء ترامب وتصريحاته، وعلى هذه القاعدة تحاول أن تُظهر للرأي العامّ وجود توافق مع ترامب، والإيحاء بقرب رؤية الرئيسين عبّاس وترامب معاً، وعلى هذه القاعدة أصدر الناطق الرسميّ باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة ترحيباً بتصريحات ترامب لمجلّة “التايم” الأميركيّة، الرافضة لضمّ الضفّة الغربيّة.

تجد السلطة الفلسطينيّة نفسها مُرغمة على عدم الصدام مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظراً للمتغيّرات السياسيّة في المنطقة، والسطوة التي يحظى بها على دول العالم

نقطة انعطاف؟

أعربت الرئاسة عن تقديرها “الكبير للعلاقة التي تربط الرئيس محمود عبّاس بالرئيس ترامب”، مستعرضةً ما قاله ترامب في الثناء على عبّاس، لكنّها تجاهلت قوله مثلاً “إنه لم يشكّل رأياً نهائيّاً بالرئيس عبّاس، بما معناه أنّه ما زال تحت التقويم”، مضيفاً: “لم يكن أكثر ودّاً ممّا كان عليه. لذا عليّ أن أتحقّق من الأمر جيّداً. سأحتاج إلى البحث فيه، لذلك قد يكون من المبكر بعض الشيء أن أُبدي رأياً الآن، لكن في مرحلة ما سأكوّن رأياً. أعلم أنّه يرغب في ذلك”.

جاء هذا الترحيب من السلطة مماثلاً للترحيب السابق الذي صدر عنها عقب إعلان خطّة ترامب لوقف الحرب على غزّة، حين أثنت السلطة على جهود ترامب ودوره في وقف إطلاق النار، متجاهلة في الوقت نفسه تغييب السلطة عن الاتّفاق، وعدم تحديد أيّ دور لها في مستقبل غزّة.

تجاهل الناطق باسم الرئاسة ما تحدّث به ترامب عن عدم قدرة الرئيس عبّاس على حكم غزّة، وأنّه ليس مؤهّلاً لقيادة الفلسطينيّين، بينما فجّر ترامب مفاجأة خلال حديثه عن الأسير في حركة “فتح” مروان البرغوثي، الذي يُنظر إليه على أنّه الشخصيّة القادرة على تجميع الفلسطينيّين وحكم غزّة، والمنافس الأبرز للرئيس عبّاس، قائلاً إنّه “سيتّخذ قراراً بشأنه”.

تغضّ السلطة الفلسطينيّة النظر عن تدخّل ترامب في تشكيلها وعملها وسياستها وقرارها المستقلّ الذي طالما تغنّت به، ولا تريد التوقّف عند تصنيفه للرئيس عبّاس بأنّه ليس مؤهّلاً لحكم غزّة، ولا تريد الاعتراف بأنّ خطّة ترامب التي رحّبت بها تستثنيها وتهمّش أيّ دور مستقبليّ لها، وتتجاهل التهديدات التي يطلقها ترامب ضدّها بين حين وآخر في حال عدم تنفيذ شروط الإصلاحات التي طلبها منها.

لم يشكّل تصريح ترامب بشأن إمكان الإفراج عن الأسير مروان البرغوثي نقطة انعطاف استراتيجيّة بشأن تشكيل القيادة الفلسطينية الجديدة وحسب، وهو التصريح الذي غضّت السلطة النظر عنه، بل ذهب إلى التكهّن بشكل الحكم الفلسطينيّ المقبل والصلاحيّات التي ستُسند إليه، وفتح باب التكهّنات بما إذا كانت هناك توافقات أو تعهّدات قدّمها ترامب خلف الكواليس من أجل تمرير اتّفاق وقف إطلاق النار، ومنها الإفراج عن البرغوثي، الذي شكّل أحد أهمّ المطالب لحركة “حماس” في مفاوضات تبادل الأسرى.

أثار تصريح ترامب ردود فعل مختلفة، إذ سرعان ما وجّهت زوجة البرغوثي، المحامية فدوى، رسالة إلى ترامب ناشدته فيها التدخّل لإطلاق سراح زوجها، قائلة: “سيّدي الرئيس، هناك شريك حقيقيّ ينتظرك، شخص يمكنه المساعدة في تحقيق الحلم المشترك بالسلام العادل والدائم في المنطقة”.

تغضّ السلطة الفلسطينيّة النظر عن تدخّل ترامب في تشكيلها وعملها وسياستها وقرارها المستقلّ الذي طالما تغنّت به

من رمى الاسم؟

في المقابل، ثارت عاصفة من التوتّر في كابينت حكومة نتنياهو بعد تصريح ترامب، وردّ وزير الأمن القوميّ إيتامار بن غفير عليه قائلاً: “إسرائيل دولة ذات سيادة مستقلّة، وبرغوثي قاتل ونازيّ حقير، لن يتمّ الإفراج عنه ولن يقود غزّة”، وهو ما أثار استياء نتنياهو خلال جلسة الكابينت.

قالت صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة إنّ نتنياهو سأل بن غفير خلال جلسة الكابينت: “هذا المنشور لك؟”، فردّ بن غفير: “يمكنني أن أرسل إليك منشوراتي مباشرة”، فقال وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر لبن غفير: “أنا لا أفهم على الإطلاق لماذا تنقضّ على الموضوع هكذا، ترامب لا يعرف من هو البرغوثي أصلاً، لقد رموا له الاسم فقط”.

يسود الاعتقاد أنّ سبب تصريح ترامب عن البرغوثي ربّما يعود إلى توصية عربيّة وإقليميّة مفادها أنّ البرغوثي هو الوحيد القادر على حكم الضفّة وغزّة وهزيمة “حماس” أو غيرها في أيّ انتخابات مقبلة، وبالتالي سيشكّل حجر الأساس في أيّ تغيير مقبل.

إعادة هيكلة السّلطة

أكّد مدير المركز المتوسّط للدراسات الإقليميّة د. أحمد رفيق عوض لـ”أساس” أنّ السلطة اتّخذت قرار عدم الصدام مع ترامب، والتماهي معه إيجاباً، لأسباب عدّة، منها:

– أوّلاً: اعتماد السلطة على الأطراف العربيّة والأوروبيّة لضمان دور لها في قطاع غزّة، وذلك من خلال إقناع أميركا، وبالتالي إسرائيل، بذلك الدور، الذي ما يزال غامضاً حتّى الآن.

– ثانياً: حصول الأوروبيّين والعرب على ضوء أخضر أميركيّ من أجل إبقاء السلطة خياراً لا بديل عنه، لأنّها سلطة معتدلة تنفّذ الشروط المطلوبة منها من إصلاح وتطوير وتغيير.

إقرأ أيضاً: ماذا لو أُعلنت الدّولة الفلسطينيّة عام 1948؟

– ثالثاً: تؤكّد السلطة أنّها ستخضع لكلّ المتطلّبات الدوليّة وتنفيذها باعتبار ذلك ممرّاً قاسياً وصعباً للبقاء ممثّلة للشعب الفلسطيني، ولذلك تعتقد أنّها مهما تعرّضت للتهميش والحصار فإنّ دورها محفوظ.

عن ذهاب الإدارة الأميركيّة لتشكيل القيادة الفلسطينيّة مستقبلاً، لفت عوض إلى أنّ الرؤية الأميركيّة تتمحور حول إعادة هيكلة السلطة، وضرورة إجراء الانتخابات والشفافيّة والنزاهة والحوكمة، وهذا يتطلّب إعادة النظر في كلّ شيء، سواء في السلوك أو الوجوه أو الإدارة أو العلاقات الداخليّة والخارجيّة. وهذه الخطّة الطويلة تفترض تغيير قيادات قديمة وتصعيد قيادات جديدة وتبادل السلطة.

لفت عوض إلى أن لا خيار أمام السلطة سوى الاستجابة والقبول بالاشتراطات الإقليميّة والدوليّة لضرورة التغيير والإصلاح والتطوير لضمان التمويل والبقاء وحفظ مكانتها، وفق التطمينات الأوروبيّة.

مواضيع ذات صلة

اجتماع “الميكانيزم” الـ13: خرائط مخازن السلاح المخفيّة

تعقد لجنة “الميكانيزم” اجتماعها الثالث عشر اليوم الأربعاء في الناقورة، من دون حضور المستشارة مورغان أورتاغوس، وسط تصعيد إسرائيليّ ملحوظ وخطير في وتيرة الاعتداءات والاغتيالات وتفجير…

المواجهة الإيرانيّة – الإسرائيليّة الثّانية… على الأبواب؟

لا يُمكن فصل ما يجري على السّاحتَيْن العراقيّة واللبنانيّة وانكفاء الحوثيّين، عمّا يُحضَّرُ في الكواليس بشأن إيران. لا يمكن فهم تصلّبِ موقف “الحزبِ” في لبنان…

ستون يوماً: الإصلاحات أو العقوبات

ليس الغزل العلني سوى دبلوماسية معهودة، وقليل مما تبقى من أمل بأن يقوم لبنان في الشهرين المقبلين بما كان يفترض أن يقوم به أو يبدأ…

برّي لن يَخضع: لا انتخابات من دون تسوية

من معركة “الأكثريّة” في الحكومة إلى معركة “الأكثريّة” في مجلس النوّاب. محور “القوّات” و”الكتائب” والفريق النيابيّ الداعم لتصويت غير المقيمين في الخارج للنوّاب الـ 128،…