أنفق الفلسطينيون والعرب وقتاً طويلاً في السجال في “طوفان الأقصى” وما ترتّب عليه.
أصحابه ومَن معهم اعتبروه إنقاذاً للقضيّة الفلسطينيّة من التبدّد والتصفية، وخصومه ومَن معهم اعتبروه مخاطرةً غير محسوبة النتائج، بدليل تدمير غزّة بالكامل، وقتل وجرح وإعاقة أكثر من ربع مليون إنسان على مدى سنتين. تشاجر المختلفون كثيراً على الفضائيّات، من دون أن يُقنع طرف الطرف الآخر بروايته.
في الواقع الفلسطينيّ المنقسم على كلّ شيءٍ حتّى البديهيّات، لن يتوقّف هذا السجال مهما كانت النتائج الملموسة التي أفرزتها عمليّة طوفان الأقصى والردّ الإسرائيلي عليها بـ”السيوف الحديديّة”. سوف يستمرّ هذا السجال إلى ما لا نهاية، فهذه إفرازات الانقسام الذي اجتاح الحالة الفلسطينيّة على مدى سبعة عشر عاماً، وأنتج صراعاً داخليّاً لم يفلح الكون كلّه في إنهائه.
بل امتدّ ليشمل دولاً وقوىً عديدةً في المنطقة.
ما نراه الآن يقع على خريطة الواقع وليس خرائط التخيّلات.
غزّة… دُمّرت بالكامل.
أهل غزّة… خسروا مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين، غير الخسائر التي ستُكتشف في قادم الأيّام، ونسبة الأرامل والأيتام تفوق أيّ نسبة في الكون كلّه، ونسبة الأطفال الذين قُتلوا أو دُفنوا تحت الأنقاض غير مسبوقةٍ في حروب القرن الحادي والعشرين. أمّا الطلّاب فقد فاتتهم ثلاثة مواسم دراسيّةٍ من الحضانة إلى الجامعة.
بمنطق النسبة والتناسب الخسارة جسيمة، والمكاسب تكاد لا تُرى، إلّا إذا اعتبرنا التظاهرات التي حدثت في عواصم العالم توازي بأهميّتها ومردودها الخسائر التي وُصفت بالتكتيكيّة. ليحمنا الله من الخسائر الاستراتيجية إذا كانت التكتيكيّة بهذا الحجم.
في الواقع الفلسطينيّ المنقسم على كلّ شيءٍ حتّى البديهيّات، لن يتوقّف هذا السجال مهما كانت النتائج الملموسة التي أفرزتها عمليّة طوفان الأقصى والردّ الإسرائيلي عليها بـ”السيوف الحديديّة”
الرابح الأكبر بالحسابات والنتائج الملموسة هي أميركا، التي كانت قيادتها تفكّر في الهرب من الشرق الأوسط إلى أماكن أخرى في العالم، وإذا بها بأقلّ الخسائر تجد نفسها ملكةً متوّجةً عليه، وهو ما أصاب دونالد ترامب بشيءٍ يشبه “الدوار” حين رأى تسابق دول العالم على مبايعته كمخلّصٍ للبشريّة ومنقذٍ للشرق الأوسط من التفكّك والانهيار.
ترامب ملكاً على الشّرق الأوسط
لم يتمّ تتويج ترامب بأقلّ الخسائر ملكاً على إسرائيل فقط، مثلما حدث في الكنيست، بل بات ملكاً على الشرق الأوسط، حيث لم يحظَ أيّ رئيسٍ أميركيّ منذ تأسيس الولايات المتّحدة بما حظي به حتّى أصبح الرجل يعاني من فائض الولاء له ولأميركا.
من هنا ينبغي تقويم ما حدث بين السابع من أكتوبر 2023 والعاشر منه 2025، وما بعده، وحين نرى الحقائق كما هي نكتشف سذاجة السجال بين مَن مع ومَن ضدّ. الذين مع والذين ضدّ صبّا في نهاية الأمر كلّ ما لديهم أو ما بقي عندهم في طاحونة ترامب، وكلٌّ يأمل أن يشمله بعين العطف.
إقرأ أيضاً: “لبننة” غزّة أمنيّاً: إنشاء منطقة عازلة
في كلّ مكانٍ تدخّلت فيه أميركا كانت تُمنى بخسائر باهظة في الأرواح والمعدّات والأموال والهيبة، وما يزال عالقاً في الذاكرة هروبها المخجل من فيتنام في منتصف القرن الماضي، وهروبها من أفغانستان في أوائل القرن الحالي، وما نراه الآن هو حدوث التعويض عن كلّ ذلك بأرخص التكاليف في الشرق الأوسط، بينما السجال البائس مستمرّ: هل ما كان في السابع من أكتوبر نعمةً أم نقمة؟
* نقلاً عن موقع مسار
