ترامب يُخضع نتنياهو ويخترق جدار “الحركة”

مدة القراءة 6 د

هناك شبه إجماع في إسرائيل على أنّ نتنياهو سار مخفور اليدين أمام الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وانصاع لطلبه الموافقة على الخطّة. وأحدثت موافقة حركة “حماس” على تسعة بنود من الخطّة، وأهمّها تسليم المحتجَزين، إرباكاً في صفوف اليمين المتطرّف، وشكّلت تطوّراً مفصليّاً في المشهد الإقليميّ.

 

 

نظرت الدول العربية والإسلامية إلى خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنّها نافذة لإنهاء الحرب في غزّة وإعادة الحياة إلى مسار سياسيّ واقتصاديّ شامل، لكنّها تخشى أن تتحوّل التفاهمات الأمنيّة إلى تسوية مؤقّتة بلا أفق سياسيّ.

يتجاهل ترامب محاولات نتنياهو سرقة هذا الإنجاز ويقدّم موافقة “حماس” كاختراق تاريخيّ يعزّز صورته الانتخابيّة ويمنح خطّته زخماً دبلوماسيّاً غير مسبوق.

لكنّ التدقيق بموافقة “حماس” على الخطّة يشير إلى أنّها لا تعني بالضرورة تسليم المفاتيح السياسية، فالحركة دخلت المفاوضات على قاعدة “نعم وكلّا”، وليس على أساس الاستسلام أو نزع السلاح الكامل كما تطالب إسرائيل. ويطرح انصياع نتنياهو لأوامر ترامب بالتعامل بإيجابيّة مع موافقة “حماس” تساؤلاتٍ تتعلّق بمستقبل الخطّة في ضوء تفسيره للمرحلة الانتقاليّة، وما إذا كانت مقدّمة لتفاهم سياسي شامل أو هدنة أمنيّة طويلة.

تشير أبحاث المعهد إلى أنّ نتنياهو يلتزم حاليّاً “الباراديغم الجديد” الذي دعا إليه المعهد: الانتقال من مواجهة ثنائيّة إلى إدارة متعدّدة الأطراف

كيف تقرأ إسرائيل الخطّة بعد موافقة “حماس”؟

يرى معهد دراسات الأمن القوميّ الإسرائيليّ أنّ موافقة “حماس” المبدئيّة تُعدّ “تحوّلاً تكتيكيّاً” لا يعني بالضرورة تغييراً في العقيدة السياسيّة للحركة، لكنّه يتيح لإسرائيل اختبار فرص جديدة لإعادة رسم ميزان القوى في غزّة.

يخلص المعهد إلى أنّ الخطّة الأميركيّة-الإسرائيليّة تحقّق الأهداف التالية:

– تحرير المحتجَزين.

– تحييد “حماس” سياسيّاً وإقصاءها عن الحكم تدريجاً.

– استئناف مسار التطبيع مع الدول العربيّة المعتدلة.

– تعزيز التحالف مع الولايات المتّحدة في مواجهة تراجع التأييد داخل الحزبين الديمقراطيّ والجمهوريّ.

تشير أبحاث المعهد إلى أنّ نتنياهو يلتزم حاليّاً “الباراديغم الجديد” الذي دعا إليه المعهد: الانتقال من مواجهة ثنائيّة إلى إدارة متعدّدة الأطراف (إسرائيل، الولايات المتّحدة، مصر، ودول عربيّة أخرى) تجمع بين الفعلَين الأمنيّ والسياسيّ. وبحسب تامير هايمان، مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: “تريد إسرائيل أن تختبر التزام “حماس” لا أن تمنحها شرعيّة جديدة”.

مستقبل غزّة: إدارة انتقاليّة بإشراف دوليّ

يفتح إعلان ترامب التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس” الطريق نحو تنفيذ المرحلة الأولى المتعلّقة بتسليم المحتجَزين الإسرائيليّين والإفراج عن السجناء الفلسطينيّين وإجراء الانسحاب الجزئيّ الأوّل. ومن المتوقّع أن تتّجه المفاوضات الآن إلى تشكيل إدارة تكنوقراطيّة انتقاليّة بإشراف دوليّ، تتولّى إدارة الشؤون المدنيّة والأمن الداخليّ في غزّة خلال مرحلة تمتدّ بحسب الخطّة إلى عدّة سنوات، على أن تُجرى بعدها انتخابات عامّة بإشراف الأمم المتّحدة. ويستند هذا التصوّر إلى المبادرة الفرنسيّة-السعوديّة التي أُعيد تفعيلها في إعلان نيويورك نهاية تمّوز، والتي تدعو إلى توحيد مؤسّسات السلطة الفلسطينيّة وتهيئة المناخ لحلّ الدولتين.

غير أنّ العواصم العربيّة تخشى من محاولة نتنياهو تفريغ هذه الإدارة من مضمونها السياسيّ وتحويلها إلى سلطة خدميّة فقط، بما يمنع قيام دولة فلسطينيّة ذات سيادة.

يرجّح باحثو المعهد الإسرائيليّ أن تبقى هذه الإدارة لسنوات، ريثما تنجز السلطة الفلسطينيّة إصلاحات هيكليّة داخليّة، وهو ما يتعارض مع المقاربة المصريّة التي تؤكّد ضرورة حصر الفترة الانتقاليّة بستّة أشهر فقط.

مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و”حماس”، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من الاختبار السياسي

هل من أفق سياسيّ؟

ما تزال الخطّة الأميركيّة تُغلّب الاعتبارات الأمنيّة والاقتصاديّة على السياسيّة، إذ يربط ترامب أيّ أفق سياسيّ بتنفيذ المراحل الأمنيّة أوّلاً.

وتتضمّن الخطّة:

– إنشاء قوّة استقرار دوليّة بالشراكة مع واشنطن ودول عربية مختارة.

– تدريب شرطة فلسطينيّة محلّية لضبط الأمن الداخليّ.

– إطلاق برنامج إعادة إعمار واسع يشمل منطقة تجارة خاصّة واستثمارات دوليّة وتشغيل اليد العاملة المحلّية.

أمّا المسار السياسيّ، وتحديداً حلّ الدولتين، فمؤجَّلٌ إلى حين اكتمال هذه الخطوات، ورهنٌ بمدى التزام إسرائيل المرحلة الانتقالية وبقدرة الولايات المتّحدة على ضمان تطبيقها. ثمّة رهان على الانتخابات النيابية المقبلة في إسرائيل للإطاحة برأس نتنياهو، لكنّ المعارضة لا تملك رؤية موحّدة في ما يتعلّق بالحلّ السياسيّ.  وفي هذا الإطار، قال عامي أيالون (رئيس أسبق للشاباك) في حديث إلى مجلّة “فورين أفيرز”: “ما لم نتوصّل إلى اتّفاق سياسيّ يُنهي الاحتلال الإسرائيليّ وينشئ دولتين جنباً إلى جنب، فلن تنتهي الحرب. وستواصل المعارضة الإسرائيلية بذل كلّ ما في وسعها لعدم مناقشة ذلك، لأنّ 80 في المئة من الإسرائيليّين يعارضون بشدّة إنشاء أيّ دولة فلسطينيّة”. وفي مراجعة لمقالة يائير لابيد في المجلّة ذاتها اعتبر أن “ليس بالضرورة أن يكون الحلّ بإقامة دولة فلسطينية”، ورمى الكرة في ملعب الفلسطينيّين، علماً أنّه أقرّ في النهاية بحتميّة الانفصال بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.

إقرأ أيضاً: وحدة السّاحات: تحالفات هجينة استغلّتها إسرائيل

هل تكمن الشّياطين في المراحل اللاحقة؟

مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و”حماس”، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من الاختبار السياسي. قبِل ترامب تنفيذ خطّته على مراحل، لكنّ شياطين كثيرة تكمن في تفاصيل المرحلة الانتقالية ونزع سلاح “حماس” وإجراء الترتيبات الأمنيّة تمهيداً للمسار السياسي. ستفتح زيارته المرتقبة للشرق الأوسط في الأسبوع المقبل ديناميّة قويّة للمرحلة الثانية من الخطّة. وبالتأكيد تصميمه على إنهاء الحرب سيقلّص كثيراً من هوامش المناورة والتعطيل لدى نتنياهو. وسيجعل “حماس” أمام خيارات ضيّقة في ما يتعلّق بتسليم سلاحها والموافقة على الإدارة الدوليّة للقطاع. ستكون الأشهر المقبلة كفيلة بإظهار مدى نجاح مقاربته الأمنيّة – الاقتصاديّة وإرادته تلبية المطالب العربية-الإسلاميّة وضمان المسار السياسيّ للدولة الفلسطينيّة. الآمال معقودة على ألّا يكتفي بتعهّدات مؤجّلة بينما يتواصل الاستيطان في الضفّة الغربيّة.

 

* أستاذ العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة.

مواضيع ذات صلة

إیران و”قشّة” المفاوضات مع التّرويكا الأوروبيّة

اللقاء بين إيران ودول الترويكا الأوروبيّة الذي استضافته مدينة إسطنبول التركيّة على مستوى مساعدي وزراء الخارجية، لم يصل إلى نتيجة واضحة، وكانت مخرجاته منزلةً بين…

العفو عن نتنياهو… تمهيداً للتّسوية الكبرى؟

منتشياً بالهجوم على إيران وتدميره مشروعها النووي، نصّب الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه “عرّاباً” لإسرائيل، سامحاً لنفسه بالتدخّل بالقضاء الإسرائيلي عبر المطالبة بإلغاء محاكمة بنيامين…

قلعة نووية في باطن الجبال: حقائق وأرقام “فوردو”؟

لماذا تعتبر منشأة فوردو أساسيّة لإنهاء البرنامج النّوويّ الإيرانيّ؟ ولماذا تسعى تل أبيب إلى دفعِ واشنطن لضربِ هذه المنشأة؟ وماذا تمتلك الولايات المُتّحدة من وسائل…

من جيفرز إلى ليني: الجنوب تحت سيطرة الجيش

يلتئم المجلس الأعلى للدفاع يوم غد للمرّة الأولى منذ انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة. يمكن ترتيب توقيت الاجتماع ضمن حدّين أساسيَّين: – خوض…