المخرج المشترك للحالتين اللّبنانيّة والفلسطينيّة

2024-09-23

المخرج المشترك للحالتين اللّبنانيّة والفلسطينيّة

أحسن صديقنا زياد عيتاني في وصفه لتفجيرات البيجر بالإعصار، فما حدث كان جديداً في كلّ الحروب التي خاضتها إسرائيل على كلّ الجبهات وسيظلّ العالم منشغلاً في تحليله والكشف عن أسراره. وبما أنّ هوليوود أنتجت عشرات الأفلام حول ما كان أقلّ من هذا بكثير، فلا بدّ من أن يكون إعصار البيجر على رأس مشاريع الإنتاج السينمائية.

 

الفصل الراهن من الحرب التي انتقل زخمها إلى الجبهة الشمالية، هو الأكثر شراسة وتدميراً وإراقة دماء، منذ بدء حرب الإسناد التي أعلنتها ساحات الممانعة دعماً لغزة، وكان الحزب هو الأكثر إسهاماً وفاعلية فيها.

إنجاز يثير القلق الإسرائيليّ

الزهو الإسرائيلي بإنجاز إعصار البيجر، الذي استغرق أياماً قليلة، حلّ محلّه قلق شامل عبّر عنه كتّاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية اليومية، والمتحدّثون الرسميون وغير الرسميين على المنابر والشاشات. لقد خلت جميع المعالجات ممّا حفلت به في اليوم الأول من الزهو، وتبلور ما هو قريب من الإجماع على أنّ ما حدث لا يمكن اعتباره نصراً حاسماً أو حتى مقدّمة لهذا النصر، مع العودة إلى تذكير صنّاع القرار في إسرائيل بأنّ إعادة المهجّرين تتطلّب حلّاً سياسياً وليس عسكرياً، وعاد إلى المعالجة ربطُ الحرب على الجبهة الشمالية بالحرب على غزة، إذ كتب عوفر شيلح أنّ “الانتصار على الحزب يكون من خلال وقف الحرب على غزة”.

في الحربين على الجبهتين الجنوبية والشمالية، تواصل إسرائيل نهجها التقليدي في كلّ حروبها، وهو الإفراط في استخدام القوّة والتفوّق العسكري والتسليحيّ والتحالفيّ، دون تحقيق النتائج السياسية المتناسبة مع هذا الإفراط. فبعد كلّ ما فعلت في غزة والضفة، ما تزال بعيدة جداً عن جباية الثمن الذي وضعته كخلاصة لحربها، والذي سمّاه نتنياهو النصر المطلق.

أشياء كثيرةٌ مختلفة ومشتركة بين الحالتين التوأم الفلسطينية واللبنانية، إلا أنّ المشترك هو الأهمّ

إذا كانت لهذا النصر مواصفات حقيقية، فهي إنهاء كلّ مظاهر وفعّاليات المقاومة في الضفة وغزة، وهذا ما لم يحدث على مدى سبع وخمسين سنة بدأت في الخامس من حزيران 1967، وإذا كان من نتائج سياسية ملموسة فهي تجذّر الصمود الشعبي على جميع الأراضي التي احتلّت في عام 1967، بما في ذلك القدس، وتنامي الاعتماد الدولي لحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة.

البيجر

لا شكّ في أنّ الثمن الذي دفعه الفلسطينيون من أبنائهم ونموّهم وحياتهم كان فادحاً، وبالمقابل كان فشل إسرائيل في تحقيق أجندتها الأساسية تجاه القضية الفلسطينية فادحاً أيضاً.

المشترك بين لبنان وفلسطين

أشياء كثيرةٌ مختلفة ومشتركة بين الحالتين التوأم الفلسطينية واللبنانية، إلا أنّ المشترك هو الأهمّ. لقد تجاوزت الحالة الفلسطينية بإجمالها حماس وفتح وكلّ الفصائل بأجنداتها المتباينة والمتصارعة، واستقرّت في العالم كحالةٍ لا بدّ من حسمها بحلٍّ جذري يرضى عنه الفلسطينيون، كما أنّ الحالة اللبنانية في جوهرها تتجاوز الحزب واجتهاداته وارتباطاته وحروبه وتقصيراته.

الزهو الإسرائيلي بإنجاز إعصار البيجر، الذي استغرق أياماً قليلة، حلّ محلّه قلق شامل عبّر عنه كتّاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية اليومية

المشترك بين الحالتين هو الشعور الشعبي العميق والشامل بالخطر على الحاضر والمصير، وحين يصل المشترك إلى هذا الحدّ فلا مخرج للحالتين ممّا هما فيه إلّا بالتخلّي عن وهم أنّ حزباً أو فصيلاً أو حتى مجموعة أحزاب وفصائل يمكن أن تحسم الأمر مع إسرائيل ومع من وراءها، فالذي يحسم الأمر بأفضل الاتّجاهات وأقلّها ضرراً في لبنان… هو تعزيز شرعية الدولة القائمة بكلّ مؤسّساتها، وفي فلسطين تعزيز دور الإطار السياسي الشرعي في الدولة التي لم تقُم بعد، وهو منظمة التحرير.

إقرأ أيضاً: إعصار “البيجر”.. التفاصيل الكاملة للخرق الإسرائيليّ

إنّ النظام السياسي المجمع عليه في لبنان يصلح ملاذاً للمقاتلين والمفاوضين، ولحسن الحظّ أنّ مؤسّساته ما تزال قائمة، وبالنسبة للفلسطينيين لا مناصّ من مغادرة منطقة اللاجدوى من معادلة المفاوض يخسر من فعل المقاتل والمقاتل يخسر من فعل المفاوض. إن لم يُفعل ذلك في لبنان وفلسطين، فسيظلّ التوأم محشوراً داخل دوّامة لا مخرج منها ولا نتيجة لها سوى الخسارة، وفتح الأبواب أمام الخصم ليواصل بحثه عن نصره المطلق، الذي أفدح ما فيه أنّ السعي إليه هو الكارثة التي بلغ عمرها قرناً من الزمان دون ظهور نهاية لها.

مواضيع ذات صلة

مشكلة إسرائيل الرّوسيّة

لدى إسرائيل مشكلة روسيّة بالتأكيد، تكبر وتتفاقم بسرعة. هذا الانطباع الذي خرجت به في ختام زيارة للعاصمة الروسية موسكو.   ظهر جليّاً في حديث وزير…

حين يتحول التفوق الإسرائيلي إلى عبء

احتفلت إسرائيل لساعات بما وُصف بالإنجاز المبهر الذي تحقق جرّاء إعصار البيجر وما تلاه. غير أن الاحتفال تبخر بمجرد هبوط أول صاروخٍ قادمٍ من جنوب…

عجز القوّة: انتصارات روما وهولاكو لم تعد موجودة

نحن نعيش “عجز القوّة” المفرطة النظامية أو “القوّة البدائية” المقاومة في تحقيق الهدف النهائي لأيّ عمل عسكري. كلّ عمل عسكري، كما قال المحلّل الاستراتيجي العريق…

مكاسب نتنياهو على حساب واشنطن ومصداقيتها

كلّ أساليب الدبلوماسية الخلّاقة لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنّ الجهود الدبلوماسية الأميركية لاحتواء النزاع في الشرق الأوسط منذ عملية “طوفان الأقصى” فشلت حتى الآن…