ميركل: هكذا فشلت في فلسطين

مدة القراءة 3 د

يبدو أنّ الألمان أُصيبوا بالملل من طول أمد حكم السيّدة أنجيلا ميركل وحزبها، فكان الملل هو العامل المرجِّح الذي أتى بالمنافس إلى سدّة الحكم.

الملل، الذي ينتجه طول أمد الزعماء، حتّى لو كانت عهودهم مكتظّة بالإنجازات، هو المرادف للحاجة الإنسانية والغريزية إلى التغيير والتجديد. وفي هذا الأمر ليس مضموناً تماماً أن يكون الخيار الآخر هو الأفضل.

كانت السيّدة ميركل قد أعلنت أنّها لن تحاكي الرئيس الراحل بوتفليقة بالتجديد لولاية خامسة، ولن تحاكي زعماء الربيع العربي الذين بلغ متوسّط أعمارهم الرئاسيّة ثلاثين سنة، ولن تحاكي بنيامين نتانياهو الذي اعتبر كل انتخابات يفشل فيها مختلَسة من جيبه أو مسروقة من حقّه التاريخي والأزلي في الزعامة.

قرّر الألمان إكرام مغادرتها بمنح منافسها فرقاً ضئيلاً في الأصوات ليحتلّ حزبها ذو الأمد الطويل في الموقع الأوّل مكانه الجديد في الموقع الثاني

ميركل قالت لنفسها، قبل أن تقول لألمانيا وأوروبا والعالم: “ستّ عشرة سنة تكفي وزيادة”.

ولئن اقترنت الإنجازات، التي تحقّقت، باسمها، فهي كآدميّة زائلة لا محالة، وما يبقى هو ألمانيا وما يقوله عنها التاريخ.

السيّدة ميركل، رئيسة رابعة أقوى دولة اقتصادياً في العالم، لم تذرف الدموع على مغادرتها مكتبها الرئاسي في برلين، مفضِّلة عليه حياة هادئة في شقّتها الصغيرة وبين جيرانها البسطاء، وستكون سعيدة أكثر حين يغادر الحرّاس سكنها ليتولّوا حراس خليفتها.

لقد قرّر الألمان إكرام مغادرتها بمنح منافسها فرقاً ضئيلاً في الأصوات ليحتلّ حزبها ذو الأمد الطويل في الموقع الأوّل مكانه الجديد في الموقع الثاني. وهكذا تُكرِم الشعوب الحيّة قادتها الناجحين بأن تمنح فرصة لقادة جدد قد ينجحون أكثر.

غير أنّ الفشل، الذي حصدته المستشارة الناجحة، وقع في فلسطين، حين أقنعت الرئيس محمود عباس بإجراء الانتخابات العامّة في بلاده كما فعلت هي في بلادها أربع مرّات.

لم تكن قد عرفت أنّ أرض الشرق الأوسط لا تُنبِت غير الفشل، ففي كلّ مكان يكون الربيع أخضر إلّا فيه.

إقرأ أيضاً: هذا إرث ميركل في منطقتنا: لاجئون وأسلحة

دخلت السيّدة ميركل قصر المستشاريّة بروح مواطنة عاديّة ومظهرها، وها هي تغادره بالمظهر والروح نفسيْهما. لم يرِد اسمها في أيّ قضيّة فساد أو تكسُّب، ولم تتضخّم أرصدتها في البنك الذي يستقبل راتبها كلّ شهر. فقد كانت ذكيّة وثاقبة البصر حين فضّلت الحبّ والاحترام عند أهلها على أيّ أمر آخر.

* كاتب وسياسيّ فلسطينيّ، وعضو اتّحاد الكتّاب والصحافيّين الفلسطينيّين.

مواضيع ذات صلة

الانتخابات العراقية: احتدام شيعي وصراع سنيّ على الزعامة

أنهت المكوّنات السياسية العراقية، بأحزابها وتحالفاتها كافة، حملاتها الانتخابية استعدادًا ليوم الحسم المقرر في الحادي عشر من الشهر الجاري. ومع دخول البلاد مرحلة الصمت الانتخابي،…

“الحزب” والدّولة: مساكنة مستحيلة؟

للسيادة مفهوم واحد متعارف عليه دوليّاً، في الأنظمة الديمقراطيّة والسلطويّة كما في الأنظمة الدينيّة والملحدة. في الاتّحاد الأوروبيّ مثلاً، للدول الأعضاء سيادتها ضمن وحدة الموقف…

زهران ممداني.. انتصار بطعم الـ”KFC”

علّق أحد الاصدقاء ساخراً على فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك: “انتظرنا أن يخرق الأميركيّون اللوائح الشيعيّة في الانتخابات النيابيّة، فاخترق الشيعة الأميركيّين في انتخابات…

بلفور بين وعدين

قبل أيام، مرّت الذكرى الثامنة بعد المئة لوعد بلفور، الصادر في الثاني من نوفمبر عام 1917، حين منحت بريطانيا اليهود في العالم وعدًا بإقامة وطن…