قرارات العدل الدوليّة: إسرائيل في القفص

مدة القراءة 4 د


انتظر الفلسطينيون ومن معهم قرارات المحكمة الدولية بتفاؤل مردّه الترويج الإعلامي المسبق الذي صوّر إدانة الهمجيّة الإسرائيلية تحصيل حاصل، وكذلك الأمر بوقف الحرب.

ولأنّ للجمهور قواعده المختلفة عن قواعد محترفي السياسة الرسميين في تقويم الأحداث، فقد اختلف التقويمان بين استياء شعبي لخلوّ القرارات من الإدانة الصريحة والمباشرة لجريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وكذلك لخلوّها من الأمر الصريح بوقف الحرب التي ما تزال خسائرها في تصاعد، مع بلوغها منتصف الشهر الرابع.

الرسميون عن الجانبين الفلسطيني والجنوب إفريقي اعتبروا ما حدث نصراً تاريخياً مهمّاً، ولهذا الاعتبار حيثيّات جدّية تستحقّ البناء عليها.

من هذه الحيثيّات:

1- بقاء إسرائيل في قفص الاتّهام، إثر رفض المحكمة ردّ الدعوى المقدّمة من جنوب إفريقيا.

2- إعطاء إسرائيل مهلة شهر كي تقدّم تقريراً عمّا نفّذت من مطالب حدّدتها المحكمة، ومحصّلتها العمليّة وقف الحرب.

3- التصويت الذي أظهر عزلة إسرائيل عن العالم الذي تمثّله هيئة المحكمة التي ترأسها القاضية الأميركية التي صوّتت إلى جانب القرارات.

انتظر الفلسطينيون ومن معهم قرارات المحكمة الدولية بتفاؤل مردّه الترويج الإعلامي المسبق الذي صوّر إدانة الهمجيّة الإسرائيلية تحصيل حاصل، وكذلك الأمر بوقف الحرب

غير أنّ الذي رجّح الجانب الإيجابي في القرارات هو ردّ الفعل الذي أظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي لم يترك وصفاً قبيحاً للمحكمة وقراراتها إلا واستخدمه. ومن أجل تخفيف وقع القرارات على الجمهور الإسرائيلي، فقد لفّق تفسيرات خاصة به، كقوله إنّه على الرغم من نفاق المحكمة إلا أنّها لم تأمر بوقف إطلاق النار فوراً، وهو ما يؤكّد وفق تلفيقاته أنّها تؤيّد حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها!!

استياء شعبيّ

الموقف الشعبي المستاء من خلوّ القرارات ممّا توقّعه الجمهور لا يحجب حقيقة أنّ الذي حدث هو إنجاز تاريخي، من خلال فتح مسار جديد للصراع مع إسرائيل، أقوى بكثير من مسارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات السمة الموسمية المتقطّعة، وأقوى من مسارات حقوق الإنسان التي تنتقد بصورة عمومية أقرب إلى الرمزية.

ما حقّقه المسار الجديد أنّ العالم المؤيّد لحلّ القضية الفلسطينية جذريّاً كحاجة إلى الاستقرار الشرق أوسطي والدولي، حصل على ورقة ضغط مهمّة لا تملك إسرائيل الهروب منها ولا تملك أميركا تمزيقها كما تفعل عادة لحماية إسرائيل من الإدانة.

إنّ السمة القضائية لمحكمة العدل الدولية جعلت العالم كلّه في جانب وإسرائيل التي ما تزال داخل قفص الاتّهام وحيدة في الجانب المقابل، وهذا ما جعل القيادة الإسرائيلية تفقد صوابها.

مسارات فرعيّة للقضيّة

المسار الذي توغّلت فيه محكمة العدل الدولية فتح مسارات فرعية أخرى لا تقلّ أهمّية وتأثيراً عن المسار الأصلي، وهو قيام العديد من الدول والمؤسّسات والتجمّعات بمحاكاة جنوب إفريقيا في ما فعلت، فلم تعد محكمة العدل الدولية هي الفعّالية الوحيدة التي وضعت إسرائيل في القفص، بل هنالك العديد من القضايا التي رُفعت والتي ستُرفع على مستويات أخرى في ذات الاتجاه.

إقرأ أيضاً: جبهات إيران المفتوحة تحتاج إلى تفاوض دوليّ… لا يشمل غزّة

إنّ المسار الذي افتتحته جنوب إفريقيا، وحظي بتيار جارف من التأييد والتبنّي والمحاكاة، لن ينفع معه الإنكار الإسرائيلي ولا اللجوء إلى حلفاء إسرائيل لحمايتها منه، فالحلفاء ذاتهم إمّا لا يقدرون وإمّا لا يريدون، وخسارة إسرائيل محقَّقة ودائمة ما دامت لم تخرج من قفص الاتّهام.

المحكمة متواصلة، وهذا ربّما يكون الإنجاز الأهمّ، وما يجب تفاديه بالعمل المدروس والدؤوب هو أن لا يتمّ التعامل معها كما لو أنّها مضمونة النتائج، فهي في قلب صراع محتدم مع إسرائيل ومن يساندها، ولذا لا بدّ من أن يُدار بتوفير كلّ إمكانيات كسبه، قضائياً وسياسياً وتحالفيّاً، والأمر هنا ليس منوطاً بالأشقّاء الأفارقة الشجعان، ولا بالفلسطينيين الذين هم صلب القضية وحسب، وإنّما بالعرب جميعاً وبكلّ ما تتّفق مصالحه وسياساته مع الحلّ الجذري للقضية الفلسطينية، الذي أقرّته الشرعية الدولية.

مواضيع ذات صلة

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…

هل يستمع الأسد إلى النّصائح العربيّة؟

هجوم 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب على حلب، الذي أثبت ضعف نظام الأسد وتهالُكه، يعني أن لا حلّ في الأمد المنظور للحرب السورية الداخلية…

إسرائيل وتركيا وروسيا تستعدّ لـ”عاصفة ترامب”؟

تتسارع الأحداث مع اقتراب 20 كانون الثاني، يوم تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. وبدأت بعض الدول تتموضع في محاولة لتثبيت وقائع على الأرض،…

إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع

كان لافتاً القرار الإيراني بالذهاب إلى عقد جلسة حوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في العاصمة السويسرية جنيف، على الرغم من الموقف التصعيدي الذي…