قبل التدخّل الروسي كانت إيران تزعم أنّها حمت النظام السوري من السقوط، غير أنّ بشّار الأسد في زيارته الأولى لموسكو أكّد أنّ “التدخّل الروسي هو الذي حال دون توسّع الإرهاب”. وهو ما يعني أنّ الروس هم الذين حموا نظامه من السقوط وليس الإيرانيون.
علاقة الروس بالإيرانيين تقوم على قاعدة “عدوّ عدوّي صديقي”، لكنّ تلك القاعدة بالنسبة إلى الطرفين لا تخلو من ثغرات لم تكن إسرائيل بعيدة عنها، وهو ما يبيّن أنّ الخلاف العقائدي بين الطرفين كان مستبعداً.
لا ترغب إسرائيل في أن يكون على مقربة من حدودها وجود عسكري لإيران يسمح لحزب الله أن يقترب منها مثلما هو الحال في جنوب لبنان، فما كان من روسيا إلّا أن وقّعت معها اتفاقاً يتّصل بعمليّاتها في سوريا. ومن المؤكّد أنّ ذلك الاتفاق كان قد نصّ على حقّ إسرائيل في أن تقصف مواقع داخل الأراضي السورية إذا ما شكّت أنّ تلك المواقع تحتوي على معسكرات أو منصّات صواريخ أو مخازن أسلحة إيرانية.
للمرّة الأولى في تاريخها تحصل روسيا على منطقة نفوذ في الشرق الأوسط يمكن من خلالها أن تقف هي والغرب على قدم المساواة نسبيّاً
في المقابل، لم تفصح إيران عن انزعاجها من الاتفاق الروسي الإسرائيلي على الرغم من معرفتها أنّ ذلك الاتفاق كان مبنيّاً أصلاً على فكرة منعها من التمدّد العسكري داخل الأراضي السورية. كانت حرب المصالح تستمدّ حيويّتها من رغبة الأطراف كلّها في استغلال الظرف الاستثنائي الذي تمرّ به سوريا من أجل الحصول على مناطق نفوذ.
محميّات إيرانيّة آمنة
للمرّة الأولى في تاريخها تحصل روسيا على منطقة نفوذ في الشرق الأوسط يمكن من خلالها أن تقف هي والغرب على قدم المساواة نسبيّاً. لذلك لم تنظر إلى الخلاف العقائدي الذي يفصلها عن إيران بعين جادّة. من وجهة نظر الروس تقوم إيران بحراثة أرض بعينها ولأغراض طائفية، ولن تكون تلك الأرض سوريا كلّها. وهو ما حدث فعلاً. ذلك لأنّ إيران تسعى إلى إقامة محميّات شبيهة بالضاحية الجنوبية في بيروت.
في المقابل ستكون سوريا الدولة تحت الحماية الروسية. ألا يعني ذلك أنّ الروس استعملوا الإيرانيين في خدمة أغراضهم، فيما كان الإيرانيون قد استغلّوا الروس حين اعتبروهم غطاءً لمشروعهم في إقامة محميّاتهم الطائفية؟
كان ذلك الاتفاق الضمني قد سمح لحزب الله بارتكاب جرائمه في التطهير الطائفي وإقامة مناطق نقيّة طائفياً من أجل أن تكون ملاذاً آمناً لمنصّات الصواريخ ومخازن الأسلحة الإيرانية. ما يهمّ روسيا أن تكون تلك المناطق بعيدة عن الحدود مع إسرائيل، وأمّا ما نشأ من أضرار فإنّه في الحسابات العسكرية الروسية ليس ذا قيمة. فالشعب السوري هو الذي يدفع كلفتها. ولم يكن لدى نظام الأسد ما يمنعه من تفهّم تلك الحاجة الإيرانية، فيما هو أصلاً لا يملك القدرة على الاعتراض على أمر أقرّته روسيا.
لم تفصح إيران عن انزعاجها من الاتفاق الروسي الإسرائيلي على الرغم من معرفتها أنّ ذلك الاتفاق كان مبنيّاً أصلاً على فكرة منعها من التمدّد العسكري داخل الأراضي السورية
روسيا في محور الشرّ
كان هناك جسر من الخدمات المتبادلة يمرّ من فوق النظام السوري من غير أن يُقلق إسرائيل التي كانت ولا تزال متمسّكة بالاتفاق الذي ينصّ على حقّها في توجيه ضربات إلى مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية من غير أن يتيح ذلك لإيران إمكانية أن تقوم بالردّ، وهو ما يعني أنّ هناك اتفاقاً سرّياً بين روسيا وإيران ينصّ على ذلك.
كانت إيران ولا تزال في حاجة إلى الغطاء الروسي الذي يهبها حرّية توسيع محميّاتها في سوريا، وهي مناطق نفوذها المستقبلي، غير أنّها كانت في انتظار اللحظة التي تصبح فيها ضروريّة لروسيا فتصل المعادلة حينئذٍ إلى مستوى من التوازن في كفاءة الخدمة ونوعها. وهي اللحظة التي حانت حين احتاجت روسيا إلى مَن يمدّها بالطائرات المسيّرة في حربها ضدّ أوكرانيا.
هل كانت روسيا فعلاً في حاجة ماسّة إلى المعونة الإيرانية أم يكمن هدف آخر تحت قشرة ذلك التعاون؟
من المؤكّد أنّ إيران في حاجة إلى استعراض تفوّقها في مجال الصناعات الحربية في منطقة بعيدة عن الشرق الأوسط التي تشكّل بالنسبة إلى إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة مجالاً حيويّاً حسّاساً. في الوقت نفسه تحتاج روسيا إلى توسيع المسؤولية عن حربها داخل الأراضي الأوكرانية من غير أن ينطوي ذلك التوسّع على مفاجآت غير متوقّعة بالنسبة إلى الغرب. وليس في المشاركة الإيرانية ما يشكّل مفاجأة نظراً إلى وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدودة بسبب امتناع الجانب الغربي عن الاستمرار في تلك المفاوضات مع دولة تقمع شعبها.
إقرأ أيضاً: شرق أوسط جديد بنسخة روسيّة
هكذا تكون روسيا، التي سبق لها أن منحت إيران مناطق نفوذ آمنة على أراضي دولة صارت جزءاً من إقطاعيّاتها، قد استرجعت جزءاً من ذلك الدين من غير أن يشكّل ذلك استفزازاً للغرب الذي قد يكون مريحاً له أن تنضمّ روسيا إلى محور الشرّ الذي تتزعّمه إيران.
*كاتب عراقي