على الرغم من الضجيج والمناكفات والمواقف المختلفة والتحليلات التي تُنقل من هنا وهناك، لم يُدلِ حزب الله بدلوه في الملفّ الرئاسي بعد، ولمّا يُسمِّ مرشّحاً. وعلى عكس ما يتخيّله الكثيرون، فقد حدّد على لسان أمينه العامّ مواصفات الرئيس العتيد، ولم يحصرها باسم دون آخر. ومن الجلسات النيابية إلى كواليس المداولات تتراكم مؤشّرات تؤكّد لحزب الله أنّ البحث الجدّي في الاستحقاق الرئاسي لم ينضج ولن ينضج قبل حلول العام الجديد، وأنّ المخاض الرئاسي العسير لا يزال في بداياته. فمن ناحيته يرى أنّ الصورة لا يزال يكتنفها الغموض، وفي التقييمات الداخلية يبدو أنّ كلّ ما يُحكى عن اتصالات متعلّقة بموضوع الرئاسة لا يزال دون المستوى السياسي الجدّيّ ومن دون نتيجة تُذكر، ولا يُتوقّع أن يحدث انفراج قريب بالنظر إلى سقف المواقف المتباعدة وغياب أيّ مبادرة محلية أو دولية يُبنى عليها.
ما يهمّ الفرنسيين هو استعجال انتخاب الرئيس من دون الدخول في الأسماء. ليس لفرنسا، وفق ما تنقل مصادر المجتمعين مع الوفد الفرنسي، اسم مرشّح بعينه
الحوار مع بكركي
لكنّ حزب الله أطلق مجموعة حوارات في الشأن الرئاسي محلياً ودولياً، أبرزها في اتجاهين أساسيَّين: بكركي داخلياً وفرنسا دولياً:
1- يتطلّع حزب الله إلى بكركي باعتبارها أحد المداخل الرئيسية لبحث الملفّ الرئاسي اللبناني بسبب دورها وتأثيرها في انتخاب رئيس مسيحي ماروني على وجه التحديد. ومن الطبيعي أن تنطلق المشاورات من البطريركية، وأن يتمّ الوقوف على رأيها والتشاور معها في الأسماء المتداولة، خاصة بعد خطاب الأمين العام لحزب الله الذي حدّد مواصفات الرئيس الجديد للجمهورية التي أعقبت مواصفات كان حدّدها البطريرك بشارة الراعي، وهو ما دفع الطرفين إلى أن يفتحا حواراً من أجل مقاربة الموضوع الرئاسي انطلاقاً ممّا ترمي إليه مواصفات كلّ منهما والقاسم المشترك بينها والأسماء التي يمكن الالتقاء عندها.
لا بدّ من التذكير أنّ التواصل لا يزال مستمرّاً منذ زيارة الوزير علي حمية لبكركي في 13 أيلول الفائت، حاملاً “كعك العبّاس”. وفي معلومات “أساس” أنّ لقاء بين ممثّلين عن الطرفين عُقِد قبل أيام في منزل صديق مشترك، وانحصر الحوار في الشأن الرئاسي. وقد عبّرت بكركي خلال اللقاء عن قلقها العميق من عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وهي التي تسعى مع حزب الله إلى تضييق فجوة الخلافات التي تمنع حصول الانتخابات حتى اليوم.
تقول مصادر المجتمعين إنّ حواراً رصيناً يدور بين الجهتين يتمحور حول ملف رئاسة الجمهورية على وجه الخصوص. وعلى مدى ثلاثة اجتماعات متتالية عقدها الجانبان تمّت مقاربة الاستحقاق الانتخابي بصراحة بالغة. ووفقاً للمصادر عينها، تطرّق البحث إلى موضوع الأسماء، فأبلغت بكركي حزب الله أنّها لا تمانع انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وهو الموقف ذاته الذي سبق أن أبلغه البطريرك الراعي إلى فرنجية يوم قصد بكركي مستفسراً عن المقصد من “مواصفات الرئيس” التي حدّدها الراعي، فكان جواب الأخير لفرنجية: “كنت من بين المرشّحين الأربعة الذين حضروا إلى بكركي لخوض النقاش في الاستحقاق الرئاسي قبيل انتخاب ميشال عون رئيساً، فكيف نضع فيتو على انتخابك؟”.
أفرزت الانتخابات النيابية مجلساً يحمل كلّ بذور التعطيل في تكوينه. إذ لا يمكن لأيّ فريق أن ينال الأغلبية أو أكثريّة النصف زائداً واحداً من دون الأطراف السياسية الأخرى
الحوار مع فرنسا
2- أمّا على المستوى الدولي فقد شرع حزب الله في بحث الملفّ عينه مع الفرنسيين. ويخوض الجانبان حواراً محصوراً بالملفّ الرئاسي لبحث إمكان الوصول إلى تفاهم. تكمن أهميّة فرنسا في أنّها تشكّل نقطة تقاطع بين عدّة أمور: فهي ترغب بلعب دور في لبنان، ونالت تفويضاً من الجانب الأميركي، وفي الوقت نفسه لا تزال على تواصل جدّي وعميق مع السعودية. وبحسب معلومات “أساس”، التقى وفد فرنسي أخيراً مع وفد من حزب الله، وكان بحث مطوّل في الاستحقاق الرئاسي. وما فهمه حزب الله أنّ فرنسا تحاول أن تلعب دوراً في إقناع السعودية بدعم لبنان وتسهيل انتخاب الرئيس.
أفرزت الانتخابات النيابية مجلساً يحمل كلّ بذور التعطيل في تكوينه. إذ لا يمكن لأيّ فريق أن ينال الأغلبية أو أكثريّة النصف زائداً واحداً من دون الأطراف السياسية الأخرى. وهو ما يجعل الملف الرئاسي أحوج ما يكون إلى تسوية بين الأطراف المعنيّة. وهذا هو الدور الذي تسعى فرنسا إلى لعبه. لهذا السبب قصدت حزب الله لعلمها أنّه يحمل حكماً أسماء مرشّحين يفضّلهم على غيرهم. وكان اللقاء يهدف إلى التعرّف على خطوطه الحمراء ومقاربته الرئاسية، وفي المقابل سعى حزب الله إلى فهم الدور الذي يطمح إليه الجانب الفرنسي.
انطلق الحوار ولا يزال قائماً بين الجهتين. لكنّه مسار طويل بالنظر إلى التعقيدات الداخلية القائمة والخارجية، وفق ما تقول المصادر المشتركة بين الطرفين، التي تكشف أنّ الفرنسيين يهتمّون لتحقيق أمرين هما عدم إطالة أمد الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، إذ لا يجوز وجود رئيسين مسلمين على رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية في حين أنّ رأس الدولة، أي منصب رئيس الجمهورية المسيحي الماروني، لا يزال فارغاً.
إقرأ أيضاً: هل تنتقل صلاحيّات المجلس العسكريّ إلى قائد الجيش؟
في الخلاصة، ما يهمّ الفرنسيين هو استعجال انتخاب الرئيس من دون الدخول في الأسماء. ليس لفرنسا، وفق ما تنقل مصادر المجتمعين مع الوفد الفرنسي، اسم مرشّح بعينه. لكنّها في المقابل لا تضع فيتو على اسم مرشّح معيّن. ما يعنيها هو انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن. وتلتقي في موقفها هذا مع البطريركية المارونية التي تخشى فراغاً رئاسياً يطول أمده ويغيّب دور المسيحيين عن الحكم.