الفرزلي في مذكّراته المقبلة: أصوات الشيعة أسقطتني في الانتخابات

مدة القراءة 5 د

خلال عملية فرز الأصوات في سرايا جب جنين، عن دائرة البقاع الأوسط، تبيّن وجود صندوق اقتراع نُقِل من سوريا، يضمّ أصواتاً اقترعت للمرشّح إيلي الفرزلي.

أثار هذا الأمر استغراب رئيسة لجنة القيد القاضية سحر الحاج التي شكّت في إمكانية وجود تزوير وأمرت بإلغاء نتائجه. وعند تسلّم القاضي المناوب عنها أمر بإعادة الفرز، وهو ما أثار لغطاً استدعى تدخّلاً قضائياً لمصلحة الحاج، على اعتبار أنّه لا يمكن لقاضٍ أن يلغي قرار قاضٍ سبق أن أصدر قراره.

هذه القصّة سيحفظها الفرزلي ليرويها حتماً حين يشرع في كتابة الفصل الأخير من مذكّراته، التي كان عنوان جزئها الأوّل: “أجمل التاريخ كان غداً”.

ليست هذه هي المرّة الأولى التي يخرج فيها الفرزلي من البرلمان. في العام 2005 خانته توقّعاته وأخرجته الأرقام وأعادته مجدّداً في العام 2018

المرشّح الذي ناصر النظام وتنقّل عبر الشاشات مدافعاً شرساً عنه، لم يحسب أنّ حسابه سيكون في صندوق الاقتراع. ربّ قائل من أصدقائه إنّ الفرزلي أخطأ يوم فكّر في الترشّح مجدّداً. ظنّ الرجل أنّ “الثنائي الشيعي” لن يخذله، وأنّ أصوات الشيعة ستمنحه فوزاً يأمله، وأنّ انقلابه على جبران باسيل، واصطفافه إلى جانب “شباب” أهل السنّة في منطقته، ضدّ “العهد”، سيجعله في مأمن عن “سيوف” الناخبين. لكن صبّت الأصوات في الوجهة التي لا يشتهيها الفرزلي، فضلاً عن إحجام السُنّة عن الاقتراع وعدم تجاوز الأصوات الشيعة عتبة مئات الأصوات .ويقول أحد العارفين أنّ الفرزلي تلقّى وعداً بأن ينال 1500 صوت شيعي، لم يصله منها إلى 239 في صندوق الإقتراع.

 

فهل هو خطأ في التكتيك أو كان مقصوداً؟

تفيد مراجعة بسيطة للأصوات أنّ خسارة الفرزلي يتحمّل المسؤوليّة عنها حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يخصّص له نسبة من الأصوات خشية أن يؤثّر ذلك على مرشّحه أو أنّ الماكينة الانتخابية لم تلتزم بقرار زعيمها.

في إحدى مقابلاته التلفزيونية جزم نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أنّ نتائج الانتخابات النيابية ستعيد فرز النواب ذاتهم في مجلس النواب. بدا ابن البقاع الغربي، على يقين غير قابل للنقاش من أنّ الانتخابات ستُعيده نائباً إلى الندوة البرلمانية. لكنّ صناديق الاقتراع خذلته فأسدلت الستار على حقبة عمله النيابي والمنصب الذي شغله مرّات عدّة في تاريخه السياسي منذ العام 1992.

نالت لائحة “الغد الأفضل” لتحالف الثنائي-التيار أربعة حواصل، لكنّ فوز “سهلنا والجبل” لقوى التغيير بحاصل واحد بفضل أصوات المغتربين تسبّب بخسارة النائب إيلي الفرزلي لأنّه الأخير في اللائحة من حيث عدد الأصوات. تدنّي الأصوات التي نالها الفرزلي مردّه وفق المعلومات إلى تخلّف برّي عن الالتزام بوعده بمنحه أصواتاً تفضيلية، لكن سواء صحّ الوعد أم كان كلاماً وحسب، فالنتيجة واحدة، وهي أنّ الخلل في توزيع أصوات الناخبين الشيعة خسَّر الفرزلي. فإمّا أنّه سوء تقدير أو أنّ الثنائي تقصّد تصفيته في صناديق الاقتراع في معركة كان عنوانها “يا ربّ نفسي”.

بذل حزب الله جهده لإنقاذ الفرزلي وضمان احتفاظه بمقعده بالشكل. لكن الحقيقة أنّه كان يفضل الترشح على لائحة قدامى المستقبل لولا الضغط والحزب الذي حال دون ذلك

ليست هذه هي المرّة الأولى التي يخرج فيها الفرزلي من البرلمان. في العام 2005 خانته توقّعاته وأخرجته الأرقام وأعادته مجدّداً في العام 2018. مثّلت تلك العودة في رمزيّتها عودةً لرموز سوريا إلى البرلمان ممّن غابوا في أعقاب اغتيال الحريري ودخول البلاد في مرحلة سياسية سادها الانقسام العمودي بين فريقَيْ 8 و14 آذار. نتائج تلك الدورة الانتخابية عوّضته معنوياً، ولا سيّما مع انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، صديقه الأقرب الذي يصد غيبته ويشكّل له حصانة سياسية مضاعفة. سيكون خروج الفرزلي صعباً عليه هذه المرّة، وهو الذي امتهن نيابة رئاسة المجلس وأضفى عليها نكهة ميّزته عن غيره لأنّه شكّل درعاً واقياً يصدّ الهجمات التي يتعرّض لها رئيس مجلس النواب نبيه بري ويجد له الفذلكة القانونية والدستورية المناسبة حيث دعت الحاجة. كان صندوقة البريد بين الرئاستين الأولى والثانية والساعي الدائم إلى رأب الصدع بينهما. كان عضو خليّة السبت الأقرب إلى رئيس الجمهورية ميشال عون قبيل انتخابه، وكان واحداً من مهندسي الطبخة الرئاسية والمنظِّر للعهد وعضواً في تكتّل لبنان القوي برئاسة جبران باسيل. هو الأرثوذكسي المدلّل الذي لم يستسِغ التهميش في التكتّل فابتعد تدريجياً حتى صار خصماً لا يهادن الرئيس أو صهره، وانقلب على ماضي علاقته معهما محتمياً ببرّي وسعد الحريري.

بذل حزب الله جهده لإنقاذ الفرزلي وضمان احتفاظه بمقعده بالشكل. لكن الحقيقة أنّه كان يفضل الترشح على لائحة قدامى المستقبل لولا الضغط والحزب الذي حال دون ذلك. بعد ان حاول الفرزلي طويلاً تشكيل لائحة موحّدة في دائرته ضغط على التيار ووفّر له مقعداً على لائحة ائتلاف الثنائي والتيار الوطني الحر وعبد الرحيم مراد. أبعد من ذلك لم يكن ممكناً أن يعطيه. فكانت المفاجأة خسارته بالصوت التفضيلي. على غير عادته لم يحصد أصواتاً شيعية، وهو ما يعني أنّ أصوات الشيعة، ولا سيّما حركة أمل، لم تُجيَّر لانتخابه بدليل الفوز الكاسح لمرشّح اللائحة قبلان قبلان وبقيّة أعضائها، فكان الفرزلي الحلقة الأضعف انتخابياً.

إقرأ أيضاً: انتخابات لبنان بين التفاؤل والتشاؤم

كان هو المقصود في كلام جبران باسيل قبل الانتخابات حين قال إنّ “معنا على اللائحة نفسها خصوماً سيكونون عنواناً لمعركتنا”. في الأعوام الأخيرة تنقّل الفرزلي من خط سياسي إلى آخر. لكن الرقص على حبال السياسة لم يُسعف النائب الأرثوذكسي. لم يجعله تمكُّنه في اللغة متمكّناً في اللعبة، فعاقبه الناخبون الشيعة في صناديق الاقتراع.

مواضيع ذات صلة

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…