ستزداد الضغوط الإيرانيّة على لبنان في الأيّام والأسابيع التي تفصل عن موعد الانتخابات النيابيّة في الخامس عشر من أيّار المقبل. يعود ذلك إلى حاجة “الجمهوريّة الإسلامية” إلى توجيه رسالة إلى العالم وإلى “الشيطان الأكبر” الأميركي على وجه التحديد. فحوى الرسالة أنّ إيران وضعت يدها على لبنان وأنّ ذلك كان عبر صندوق الاقتراع الذي يؤمن به الغرب قبل أيّ شيء آخر.
من هنا، يمكن ترجيح إجراء الانتخابات اللبنانيّة في موعدها نظراً إلى أنّ لدى “الجمهوريّة الإسلامية” مصلحة في ذلك. ثمّة وظيفة إيرانيّة واضحة للانتخابات النيابية اللبنانية. تصبّ هذه الوظيفة في أنّ لبنان ورقة إيرانيّة، وأن ليس في استطاعة الإدارة الأميركية تجاهل ذلك في أيّ مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة من أجل التوصّل إلى صفقة أميركية – إيرانيّة تضمن رفع العقوبات على “الجمهوريّة الإسلاميّة”.
تبدو السياسة الإيرانيّة في العراق في طريق مسدود. لم يعُد العراق ملعباً لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” التي أدخلت في العام 2003 قادة الميليشيات المذهبيّة العراقيّة التابعة لها إلى بغداد على دبّابة أميركيّة!
تخسر إيران في كلّ مكان باستثناء لبنان حيث باتت مؤسّسات الدولة كلّها في تصرّفها بدءاً برئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يدين بوصوله إلى قصر بعبدا مع صهره جبران باسيل، لـ”حزب الله” ولا شيء آخر غير ذلك. من المفيد العودة بالذاكرة دائماً إلى واقع أنّ ميشال عون كان مرشّح “حزب الله” لموقع رئيس الجمهوريّة، وأنّ الحزب أغلق مجلس النواب سنتين ونصف سنة… إلى أن اقتنعت كلّ القوى السياسيّة، تقريباً، بأن يكون القائد السابق للجيش اللبناني رئيساً للجمهوريّة.
لعلّ المكان الأبرز الذي سقط فيه المشروع الإيراني، بوضوح ليس بعده وضوح، كان البحرين التي استطاعت بفضل دعم خليجي مباشر الحؤول دون تكرار تجربة “حزب الله” في لبنان. لكنّ العراق يبقى جوهرة التاج للمشروع التوسّعي الإيراني ذي الطابع المذهبي.
الفشل الإيراني في العراق
على الرغم من مرور تسعة عشر عاماً على تسليم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة”، يتبيّن أن ليس لدى طهران حلٌّ سحريّ في العراق، وأنّ العراق ما زال العراق فيما إيران لا تزال إيران. لا تزال هناك أكثرية في العراق ترفض التبعية لإيران. يبقى أفضل تعبير عن هذا الرفض ما آل إليه الوضع العراقي في ضوء الانتخابات النيابيّة الأخيرة في تشرين الأوّل الماضي. ألحقت تلك الانتخابات هزيمة بأحزاب إيران في العراق. نجد اليوم أنّ أقصى ما تستطيعه “الجمهوريّة الإسلاميّة”، بعد فقدانها لقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” وضابط الإيقاع الإيراني في العراق، هو عرقلة تشكيل حكومة عراقيّة جديدة وانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.
تبدو السياسة الإيرانيّة في العراق في طريق مسدود. لم يعُد العراق ملعباً لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” التي أدخلت في العام 2003 قادة الميليشيات المذهبيّة العراقيّة التابعة لها إلى بغداد على دبّابة أميركيّة!
في سوريا فشلت إيران، أقلّه إلى الآن، في الاستفادة من انشغال الروسي في الحرب الأوكرانيّة. تسعى الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” إلى سدّ الفراغ الناجم عن انسحابات روسيّة من مناطق معيّنة، لكنّها ما زالت تواجه تعقيدات متمثّلة في أنّ التحرّكات التي تقوم بها هذه الميليشيات موجودة تحت رقابة إسرائيلية صارمة. كذلك تقع هذه التحرّكات تحت المجهر الأميركي. إضافة إلى ذلك كلّه، يتبيّن يوميّاً أنّ تعقيدات الداخل السوري، خصوصاً في غياب أيّ شرعيّة لنظام بشّار الأسد الأقلّويّ، لا تسمح لإيران بأخذ راحتها في سوريا، وذلك مهما أتت بميليشيات مذهبيّة إلى البلد لدعم “حزب الله” و”الحرس الثوري”، ومهما كان الحلف الروسي – الإيراني عميقاً. لا أفق سياسياً للمشروع الإيراني في سوريا نظراً إلى أنّه يقوم على إعادة تشكيل بلد ذي أكثريّة سنّيّة اعتماداً على تغيير طبيعة التوزيع الديموغرافي فيه. إلى متى تستطيع إيران وميليشياتها متابعة السير في وهم السيطرة على سوريا، في حين أنّ سوريا التي عرفناها انتهت منذ وقت طويل، منذ ما يزيد على عشر سنوات.
إمكانية هزيمة الحوثيين
ما ينطبق على سوريا، ينطبق إلى حدٍّ ما على اليمن حيث تبيّن بالوجه الشرعي أنّ الحوثيين، وهم أداة لإيران، يمكن أن يُهزموا. كانت إعادة تشكيل “الشرعيّة” في مؤتمر الرياض خطوة موفّقة. الأهمّ من ذلك كلّه، كانت خطوة إخراج الحوثيين من محافظة شبوة وفكّ الحصار عن مدينة مأرب بواسطة قوّات من ألوية العمالقة. هذه قوّات في معظمها جنوبيّة باتت ممثّلة في مجلس القيادة الرئاسي الذي يجسّد “الشرعيّة الجديدة”. لولا هزيمة الحوثيين في شبوة لَما كانت هدنة الشهرين التي سيتبيّن في ضوئها هل تستطيع إيران إخراج الحوثيين من مأزق أوقعتهم فيه.
مأزق الحوثيين ليس عسكرياً فحسب، بل هو سياسي واقتصادي وحضاري أيضاً نظراً إلى أنّه ليس لديهم ما يقدّمونه لليمنيّين سوى خرافات لا ترجمة عمليّة لها على أرض الواقع.
لم يبقَ أمام إيران سوى لبنان حيث تستطيع الاستقواء على اللبنانيين بفضل سلاح “حزب الله” أوّلاً والقانون الانتخابي الذي وُضع أصلاً لخدمة الحزب بعدما فُصّل على مقاسه ثانياً وأخيراً.
إقرأ أيضاً: السعوديّة و”الدولة”.. إيران و”الدويلة”
حسناً، سينتصر “حزب الله” على لبنان واللبنانيين، وهو لا يتقن سوى ذلك. سيظلّ السؤال المطروح: هل لبنان ورقة كافية لها تأثيرها في إدارة أميركيّة تذكّرت قبل أيّام عبر السفيرة في بيروت دوروثي شيا تفجير السفارة الأميركيّة في عين المريسة في 18 نيسان 1983؟ أدّى التفجير إلى سقوط 52 قتيلاً، بينهم بوب إيمز مسؤول منطقة الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركية (سي.آي.إي) مع معظم المسؤولين عن محطّات الوكالة في دول المنطقة. كان لافتاً إشارة السفيرة إلى “حزب الله” بالاسم في المناسبة. هل تظنّ إيران أنّ العالم، بما في ذلك أميركا، لا يعرف كيف انتصرت على لبنان وكيف تسعى إلى تتويج هذا الانتصار بقانون انتخابي عجيب غريب يزوّر كلّ مفاهيم الديمقراطية والانتخابات في العالم؟