في جلسة خاصة بمكتبه في وسط بيروت قبل أشهر، قلت للرئيس نجيب ميقاتي: “نقطة قوتك دولة الرئيس أن لا بديل عنك بالنسبة للمجتمع الدولي في رئاسة الحكومة..”. قاطعني على الفور قائلاً بكلّ ثقة: “ولا بديل عنّي في الداخل اللبناني…”.
على قاعدة البيت الشعري للشاعر المملوكي بهاء الدين زهير”عَرَفَ الحَبيبُ مَكانَهُ فَتَدَلَّلا وَقَنِعتُ مِنهُ بِمَوعِدٍ فَتَعَلَّلا”، يتصرّف الرئيس ميقاتي مع شركائه في الحكومة والحكم، أي الثنائي الشيعي، تحديداً حزب الله من جهة والرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل من جهة أخرى. يدرك، بما لا مجال للشكّ فيه، أنّه حاجة سياسية لكلّ الشركاء تجعله قادراً على تدوير الزوايا من دون إسراف، متمكّناً من تمرير بعض القرارات، وأن يدوس على الخطوط الحمراء من دون تجاوزها. هكذا تصرّف متماهياً في عدم الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لحظة “حَرَد” الثنائي الشيعي، على الرغم من مطالبة الرئيس عون بانعقادها. هكذا تعامل أيضاً مع إصدار الموازنة وبعض التعيينات العسكرية مع تحفّظات الرئيس نبيه بري، ومعه الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
أحد المقرّبين من ميقاتي يصف علاقته مع شركائه في الحكم قائلاً: “هو بالنسبة لهم شرٌّ لا بدّ منه”. هم بحاجة إليه على صعيد التوازن الطائفي بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، هو حاجة أيضاً للتواصل مع المجتمع الدولي، تحديداً فرنسا، التي لا يبدو غيرها من دول العالم مهتمّاً بلبنان وأزمته”.
يقول قيادي في حزب الله لبعض الأصدقاء: “الزلمة محظوظ”. عام 2011 لم يكن بالإمكان تجاوز سعد الحريري إلا بنجيب ميقاتي، ولم يكن انقلاب القمصان السود لينجح إلا بمساعدة ميقاتي
لم تكن العلاقة بين الرئيس ميقاتي وحزب الله والرئيس ميشال عون مستقرّة في يوم من الأيام. الكيمياء، إن صحّت العبارة، مفقودة بينه وبينهم منذ حكومة العام 2011، حين اضطرّ نصر الله حينها للخروج إلى العلن قائلاً مستهزئاً: “إذا أراد الرئيس ميقاتي أن يستقيل فليستقِل، هذا شأنه”، فيما الرئيس عون لطالما حاول منذ بداية عهده تجنّب تسمية الرئيس ميقاتي لرئاسة الحكومة كأنّ لسان حاله يقول: “لا أطيق القعدة معه”.
يقول قيادي في حزب الله لبعض الأصدقاء: “الزلمة محظوظ”. عام 2011 لم يكن بالإمكان تجاوز سعد الحريري إلا بنجيب ميقاتي، ولم يكن انقلاب القمصان السود لينجح إلا بمساعدة ميقاتي. اليوم لا يمكن إدارة الأزمة مع التخفيف من تداعيات الأزمة النقدية وخروج سعد الحريري من الحياة السياسية إلا بنجيب ميقاتي. هو يرى ذلك بكلّ وضوح ومن دون لَبس، الأمر الذي يجعله متأكّداً من بقائه في السراي الحكومي، سواء أُجريت الانتخابات أو لم تُجرَ. لعلّ عنوان استكمال المفاوضات مع البنك الدولي هو الشعار الضامن لاستمرارية البقاء بالرئاسة الثالثة.
وفقاً للمعادلة نفسها، يتصرّف الرئيس ميقاتي مع الاستحقاق الانتخابي. يؤكّد للمحيطين به أنّه لن يترشّح، لا بل ذهب إلى القول لأحدهم: “أنا كسعد الحريري لن أترشّح”. إلا أنّ عبارة أضافها في الساعات الأخيرة، وهي “حتى الآن”.. أي أنّه لن يترشّح حتى تاريخ تصريحه الأخير، وهو ما يعني لغةً أنّه ربّما سيترشّح بعد هذا التصريح.
إنّه التدلّل أو الدلال على كلّ مَن هم حوله شركاء في الحكم، وعلى مَن هم خصوم في السياسة وناخبون في مدينة طرابلس. لكنّ السؤال الذي تحتاج الإجابة عنه إلى بعض التروّي: إلى متى سيسمح حزب الله بكلّ هذا الدلال؟ هل التمنّع عن الترشّح في طرابلس حتى الآن هو دلال على أبناء المدينة أم على حزب الله؟
إقرأ أيضاً: الثنائيّ الشيعيّ يُهدّد: لن نسمح بالخروج على الاتّفاق
الرئيس ميقاتي محقّ في أنّه حاجة لا بدّ منها للداخل والخارج، لكن للدقّة يجب استعارة عبارته الأخيرة لإنهاء هذا المقال، “حتى الآن”…
للبحث صلة…