الفاتيكان: لبنان بلا لبنانيّين؟

مدة القراءة 5 د

هل يصير لبنان سوريّاً بالمعنى الديمغرافي؟

هذا سؤال كبير بدأ يؤرّق الفاتيكان، وبات بديلاً للسؤال المتعلّق بـ”هجرة المسيحيين”. إذاً بات السؤال: هل يصير لبنان بلداً بأقليّة لبنانية وأكثريّة من جنسيات أخرى؟

يُطرح هذا السؤال عشية وصول وزير خارجية الفاتيكان بياترو كالاغار إلى بيروت في نهاية الشهر الحالي، بعدما تأجّلت هذه الزيارة أكثر من مرّة. وهو يأتي من جولة شملت روسيا وفرنسا وسوريا، وحضر فيها الملفّ اللبناني. يصل حاملاً معه نتائج زياراته للدول المؤثّرة بلبنان، ومنها إيران، حيث عيّن الفاتيكان سفيراً بابوياً منذ فترة.

معلومات “أساس” أنّ الإشكالية التي يطرحها الفاتيكان حول لبنان لا تتعلّق بمستقبل المسيحيين فيه بشكل خاص، بل بمستقبل اللبنانيين عموماً، مسيحيين ومسلمين

يشارك كالاغار أثناء زيارته في مؤتمر تستضيفه “جامعة الروح القدس” في الكسليك لمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني لبنان في عام 1997. ويحمل في جعبته نقاشات ودراسات حول مستقبل لبنان في ظلّ التغيّرات المقبلة على المنطقة، بدءاً من إيران إلى الخليج وإسرائيل وسوريا ولبنان.

سؤالٌ أساسيّ سيوضع على الطاولة: ماذا بقي من لبنان الذي نعرفه؟ وأيّ بلد سيصبح عليه هذا اللبنان وسط مخاوف من تداعيات هجرة أهله، مسلمين ومسيحيين، على ديموغرافيّته، في ظلّ بقاء النازحين السوريين فيه؟ 

منذ خمسة وعشرين عاماً تحدّث البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان على أنّه رسالة، في زمن الاحتلال السوري للبنان. يومذاك شكّلت زيارة البابا “رجاءً جديداً لمسيحيّي لبنان”، ودعوةً إلى التمسّك ببلادهم والتفاعل مع الشركاء في الوطن. أنتجت الزيارة “الإرشاد الرسولي” الذي هو نصّ جديد يشبه العقد الاجتماعي بين المسيحيين والمسلمين في الوطن.

 بعد 25 عاماً يعود السؤال نفسه، لكن أمام واقع لبناني أكثر تعقيداً. فقد خرج جعجع من السجن، وعاد عون من المنفى وتربّع على كرسي الرئاسة. إلا أنّ ذلك لم يؤدِّ إلى تثبيت “لبنان” الذي اجتهد له الفاتيكان طويلاً، بصيغته المسيحية الإسلامية. بل على العكس تدحرج لبنان إلى هاوية سحيقة تهدّد وجوده وكيانه وصيغته وكلّ شيء فيه.

مستقبل اللبنانيين كلّهم

في معلومات “أساس” أنّ الإشكالية التي يطرحها الفاتيكان حول لبنان لا تتعلّق بمستقبل المسيحيين فيه بشكل خاص، بل بمستقبل اللبنانيين عموماً، مسيحيين ومسلمين. ذلك أنّ أرقام الهجرة التي تعلنها الإحصاءات تؤكّد أنّه في المستقبل القريب، أي في العشرة أعوام المقبلة، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، سيتحوّل لبنان إلى بلد بأقلّيّة لبنانية وأكثريّة سورية، وهو ما سيغيّر بطبيعة الحال البلاد اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.

صادر مقرّبة من بكركي تقول لـ”أساس” إنّ طرح اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة سبق أن وافقت عليه مكوّنات سنّيّة يوم طرحه البطريرك الراعي، غير أنّه لا بدّ من نقاش جدّيّ جديد مع كلّ المكوّنات حول مستقبل شكل النظام من دون التخلّي عن “جوهر لبنان وصيغته”

فعلى الرغم من عدم الكلام عن زيارة وشيكة للبابا فرنسيس للبنان، غير أنّ ذلك لا يعني، كما يقول المطّلعون على عمل دوائر الفاتيكان، أنّه غائب عن المشهد فيه. والدليل على ذلك هو الكلام العلني للبابا فرنسيس عن لبنان في مناسبات عدّة، وحضور لبنان كملف أساسيّ في لقاءات الحبر الأعظم مع رؤساء الدول الكبرى.

وفي معلومات “أساس” أيضاً أنّ كالاغار سيقوم بجولة على عدد من المسؤولين السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، ليعبّر عن كلّ هذه المخاوف من المسار الانحداري وتأثيره على هويّة لبنان. وتتحدّث مصادر مقرّبة من القوات اللبنانية عن تواصل بين القوات اللبنانية والفاتيكان، خصوصاً أنّ كالاغار سبق أن التقى وتبادل رسائل مع قيادات قواتية، وناقش معهم مفاهيم الدولة والنظام اللبناني.

مجموعة مشاريع وطروحات لحماية النسيج اللبناني، أو أقلّه للمحافظة على ما تبقّى منه، ستطرح نفسها على الطاولة. والعنوان الذي يُجمع عليه المسيحيون في المرحلة المقبلة هو ذاك الذي طرحه الرئيس عون حول “اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”. إذ ترى فيها مختلف القوى صيغة أفضل لضمان التعدّدية اللبنانية.

اللامركزية الماليّة

تقول مصادر مقرّبة من بكركي لـ”أساس” إنّ طرح اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة سبق أن وافقت عليه مكوّنات سنّيّة يوم طرحه البطريرك الراعي، غير أنّه لا بدّ من نقاش جدّيّ جديد مع كلّ المكوّنات حول مستقبل شكل النظام من دون التخلّي عن “جوهر لبنان وصيغته”.

وتفترض المحافظة على لبنان تقوية مفهوم الدولة وتنفيذ الإصلاحات في الإدارات والمؤسسات. وهو مطلب يكرّره دائماً المجتمع الدولي، وفي طليعته الدبلوماسية الفاتيكانية التي عبّر عنها خير تعبير السفير البابوي المطران جوزيف سبيتيري في لقاء السلك الدبلوماسي مع الرئيس عون.

إقرأ أيضاً: المسيحيون بين مار مخايل والطيونة: الدولة.. أو الهجرة

حرص سبيتيري يومها أن يؤكّد أمام عون “ضرورة الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وتنفيذ رزمة الإصلاحات المطلوبة”.

لكنّ أهمّ ما عبّر عنه السفير البابوي أن لا حلول يمكن التوصّل إليها بدون حوار صادق ورفض الأيديولوجيّات. فالحوار يستطيع أن يساعد في توضيح الاحتياجات الحقيقيّة لمختلف مكوّنات المجتمع اللبنانيّ، ويسمح باتّخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها.

مواضيع ذات صلة

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….

لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت…

المبادرة الأردنيّة في طور الاستيضاح والاستيضاح المضادّ: من وراءها؟

من خارج سياق التوقّعات والتقديرات الدبلوماسية، ارتفع منسوب التفاؤل خلال الساعات الماضية بعد تسريب ما وصفه الإعلام الإسرائيلي بمسوّدة اتّفاق خطّه الموفد الأميركي آموس هوكستين…

هل تتبدّل اليونيفيل أم يتمّ توسيع صلاحيّاتها؟

تتزايد ضغوط الولايات المتحدة الأميركية بقوّة لإيجاد تنميط مختلف للقرارات الدولية، خاصة حول  دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني التي تميل واشنطن إلى…