ميقاتي لا يفكّر بالاستقالة… ويراهن على إحياء حكومة الإنهيار

مدة القراءة 5 د

حين تحمّس نجيب ميقاتي لرئاسة حكومة “الانهيار”، كان يدرك جيّداً أنّ ثمّة مهمّة شبه مستحيلة تنتظره، وقد تأتي حكومته وتذهب من دون أن تسجّل أيّ إنجاز في سجلّها سوى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها تلبية للأجندة الدولية. ومع ذلك، فعل ما بوسعه ليعود إلى سراي “مفلِّس” قد لا يُتاح له إلا إدارة التفليسة. لكن لم يخطر بباله أنّ حكومته ستواجِه الشلل في أسابيعها الأولى، وسيواجهها غضبٌ سعوديٌّ قلّ نظيره، ولو أنّه كان مساراً متوقّعاً في ضوء التصعيد الذي يمارسه محور إيران ضدّ المملكة منذ مدّة.

حلّت الكارثة. لتقبع حكومته بين فكّيْ الاصطفاف الداخلي على خلفيّة الصراع السياسي – القضائي، في ملفّ التحقيقات العدليّة التي يقودها القاضي طارق البيطار، وملفّ أحداث الطيّونة. فيما تتّجه الرياض إلى مزيد من التصعيد في خطواتها إزاء لبنان، بعدما بدأت تسحب كامل الطواقم الدبلوماسية والإدارية لتُفهم اللبنانيّين أنّ خروجها من لبنان قد يكون بلا عودة.

وفق المطّلعين، يراهن ميقاتي على عودة الحكومة إلى مسارها الطبيعي ولو أنّ قدراتها محدودة، وقد لا تتعدّى إجراء الانتخابات النيابية ووضع أسس للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّ واشنطن وباريس تَعِدانه بتقديم يد المساعدة لتقطيع هذه المرحلة وإجراء الانتخابات

بيد أنّ هذا الحصار بجانبيْه الداخلي والخارجي لا يُشعر ميقاتي أنّ استقالته باتت قاب قوسين أو أنّها مطروحة للنقاش الجدّيّ، أقلّه في المدى المنظور، كما يقول المطّلعون على موقفه. عاد القطب الطرابلسي إلى بيروت بعد رحلته الخارجية التي حاول خلالها تحصين حاله وحكومته بدعم دولي، وفي باله هدف وحيد: إعادة إحياء حكومة العهد “الأخيرة”، إذا قرّر ميقاتي “النفاذ” بريشه.

صحيح أنّ رئيس الحكومة أعاد تكرار الطلب من وزير الإعلام جورج قرداحي تحكيم ضميره الوطني، ودفعه باتّجاه الاستقالة، محمّلاً إيّاه مسؤولية الأزمة الواقعة مع السعودية، إلا أنّ ميقاتي في قرارة نفسه متيقّن أنّ ردّة فعل الرياض أعمق في أبعادها من أن تكون ردّاً سياسياً على ما جاء على لسان وزير الإعلام. ثمّة قناعة بأنّ الهجمة المرتدّة التي تقودها السعودية تتّصل باعتبارات أكثر استراتيجيّة، والأرجح أنّها مرتبطة بملفّين حيويّين: ملفّ العلاقة السعودية – الأميركية، ومشاركة حزب الله، اللبناني، والأساسي في تشكيل حكومة ميقاتي، في الحرب اليمنيّة. وكلام قرداحي كان العذر أو المدخل لإعلان “المواجهة” مع لبنان – الحزب.

ولهذا لا يبدي ميقاتي أيّ إشارة جدّيّة قد تنذر بأنّه مستعدّ لوضع استقالته على الطاولة، لأنّه متأكّد أنّ الأميركيين والفرنسيين لم يرفعوا الغطاء عن الحكومة، وأنّ حزب الله لا يريدها، واستطراداً أنّها ليست الهدف المرجوّ من الهجمة السعوديّة، وأنّ تقديمها لن يساهم في معالجة الأزمة الناشئة مع المملكة “من وجهة نظره على الأقل”، ولا سيّما أنّ الدول الغربية المعنيّة بالملفّ اللبناني، وتحديداً الولايات المتّحدة وفرنسا، غير متحمّستين، لا بل تمانعان انفراط عقد الحكومة وتصرّان على بقائها لأنّها الفرصة الوحيدة المتاحة راهناً للجم الانهيار، أو أقلّه لمنع تفاقمه، لأنّ البديل هي الفوضى، وهي خيار غير مرغوب دوليّاً في الوقت الراهن.

حين تحمّس نجيب ميقاتي لرئاسة حكومة “الانهيار”، كان يدرك جيّداً أنّ ثمّة مهمّة شبه مستحيلة تنتظره، وقد تأتي حكومته وتذهب من دون أن تسجّل أيّ إنجاز في سجلّها سوى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها تلبية للأجندة الدولية

ومع ذلك، يفضّل ميقاتي أن يبادر وزير الإعلام إلى تقديم استقالته، لاعتبارين محلّيّ وخارجي:

– الأوّل يرتبط بكون هذه الأزمة قد تتسبّب بتصدّعات في الجسم الحكوميّ، ولهذا أعاد ميقاتي التذكير بالتضامن الوزاري لأنّه يعتبر أنّ هذه “النتعة” قد تفتح الباب أمام “نتعات” مستقبليّة لا تُحمد عقباها، فتضع رقبة حكومته يوميّاً تحت المقصلة. وقد يجرّ التنازل، الذي سيقدّمه بقبوله عودة قرداحي “منتصراً” إلى الحكومة، سلسلة تنازلات قد تطول الكثير من الملفّات الحيويّة.

– والثاني يتّصل بمحاولة إحراج السعودية أو الدول الخليجية الأخرى لفتح باب حوار، ولو كان محدوداً، من شأنه أن يساعد على تخفيف الغضب السعودي.

أمّا في حال لم يُقدِم قرداحي على تلك الخطوة، فهذا لا يعني أنّ ميقاتي قد يرفع سقف تصعيده. لأنّ المنفذ الوحيد المتاح أمامه في الوقت الحالي هو الدفع باتّجاه إعادة الجسم الحكومي إلى العمل، وهو الأمر الذي يتمّ التركيز عليه في الاتصالات السياسية التي يُجريها. ويُفترض أن تؤدّي هذه الاتصالات، كما يقول المتابعون، إلى إيجاد حلّ لمسألة التحقيقات في انفجار المرفأ من شأنه أن يعيد وزراء الثنائي الشيعي الى بيت الطاعة الحكومي. والأرجح أنّ المعالجة باتت مسألة أيام لا أكثر على حد قول أوساطه.

إقرأ أيضاً: استقالة ميقاتي: سُنّة لبنان والغربة عن العرب

وفق المطّلعين، يراهن ميقاتي على عودة الحكومة إلى مسارها الطبيعي ولو أنّ قدراتها محدودة، وقد لا تتعدّى إجراء الانتخابات النيابية ووضع أسس للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّ واشنطن وباريس تَعِدانه بتقديم يد المساعدة لتقطيع هذه المرحلة وإجراء الانتخابات… ومن بعدها لكلّ حادث حديث.

مواضيع ذات صلة

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…