إنسوا الحكومة. ستعود نغمة “التكليف والتأليف” بكلّ التنويعات الممكنة المتفرّعة عن التلاعب بهاتين المفردتين لتملأ يوميّات اللبنانيين.
لا شيء يوحي بأنّ الحكومة يمكن أن تولد. المنطق يقول إنّ ما لم يُعطَ لسعد الحريري بشأن قواعد التأليف لن يُعطى لغيره. والمنطق يقول إنّ أحداً لن يغامر بتلقّف جمرة التكليف والتأليف في ظلّ المعروف عن مواقف ميشال عون وصهره المعجزة.. وإنّ القبول بما رفضه سعد الحريري، سيقضم الكثير من الشرعيّة الأهليّة السنّيّة “للمكلّف أو للرئيس”.. هذه لعبة خبرها الرئيس نجيب ميقاتي في حكومته الثانية، حيث اُضطُرّ للمزايدة السنّية في الملفّات السنّية، تعويضاً عن قبوله تشكيل حكومة، بعد الإقالة العدوانيّة لسعد الحريري عام 2010.. كما أنّ شروط اللعبة الآن مختلفة، في ظلّ مستوى تغوّل عوني غير مسبوق على الدستور والمؤسّسات، بدعم وتوظيف كامليْن من حزب الله. ثمّ لو تشكّلت حكومة، فإنّها لن تعدّل إلا قليلاً في منسوب الهزال الذي تمثّله حكومة حسان دياب، بأداء رئاسي وحكومي هو الأتفه منذ ولادة لبنان الكبير، لكنّها ستكون انتصاراً ثانياً للثنائي الجهنّميّ عون- باسيل، اللذين يكونان حينها قد حقّقا شرط “إمّا الحريري وباسيل داخل الحكومة، وإمّا خارجها معاً”..
فعلاً إنسوا الحكومة..
يرفض حزب الله الانتخابات النيابية المبكرة، لا خوفاً من نتائجها، بل رفضاً لإنتاج سابقة الانتخابات النيابية المبكرة، التي ستصبح المدخل الوهميّ إلى الحلول في كل مرّة تُصاب فيها الحياة الوطنية بأزمة كالتي تواجهها الآن
في المقلب الآخر لا توجد معادلة داخلية شعبية وسياسية قادرة على فرض “حكومة القطيعة مع السابق”، وهي الحكومة الوحيدة ذات المعنى، على طريق إخراج اللبنانيين ممّا أوصلهم إليه “عهد جهنّم”. ولا توجد معادلة دولية قادرة على الإتيان بمثل هذه الحكومة، وأن تتجاوز كلّ الممانعة السياسية لقوى النظام، كأن يرئس نوّاف سلام حكومة دولية بالكامل، وبصلاحيات استثنائية.. هل يجوز أن نتجاهل أنّ أميركا بكامل حضورها العسكري في العراق بالكاد قادرة على حماية زيارة الرئيس مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، والتفاهم معه على حدٍّ أدنى من إعادة تعريف العلاقة بين العراق والولايات المتحدة!؟
الحكومة الوحيدة، التي ستتشكّل، هي بعد الانتخابات النيابية المقبلة، وبعد تحقيق شرطيْن مركزيّيْن في الحياة السياسية والوطنية اللبنانية.
1- فوز قوى النظام في الانتخابات المقبلة بما يجدّد شرعيّة منظومة “المافيا والميليشيا”.
2- الخلاص من كلّ ما يترتّب على وجود ثورة في الشارع من خلال إظهار عدم قدرة هذه الثورة على التحوّل إلى قوّة تغيير سياسي داخل المؤسّسات وعبر النظام.
يرفض حزب الله الانتخابات النيابية المبكرة، لا خوفاً من نتائجها، بل رفضاً لإنتاج سابقة الانتخابات النيابية المبكرة، التي ستصبح المدخل الوهميّ إلى الحلول في كل مرّة تُصاب فيها الحياة الوطنية بأزمة كالتي تواجهها الآن أو أقلّ.. لا يريد الحزب الخضوع لإزعاج الانتخابات المبكرة وفتح المجال أمام تكرارها.. بيد أنّه يملك ما يكفي من المعطيات التي تفيد أنّ الانتخابات المقبلة لن تُحدِث تعديلاً جدّياً، لا في الوسط الشيعي، ولا الدرزي (مع بعض الخروقات المحتملة من هوامش النظام لا من بيئة الثورة)، ولا السنّيّ حيث سيحتفظ الحريري بمعظم نوّابه الحاليين..
أمّا مسيحيّاً فإنّ التعديل الأبرز المنتظَر هو خسارة عون لبعض النواب في مقابل فوز القوات اللبنانية ببعض النواب.. ويبقى هامشٌ بسيطٌ لخروقات محتملة من قبل جيوب ثورية هنا أو هناك.. في المحصّلة العامّة ستُنتج الانتخابات معادلة مقبولة يستطيع نظام حزب الله، أي نظام المافيا والميليشيا الذي تديره الميليشيا، العيش معها من دون كثير عناء..
السباق الحقيقي الآن ليس نحو السراي الكبير.. السباق هو بين الانهيار الاجتماعي الكبير المحتمل، وبين قدرة نظام المافيا والميليشيا على استدراج المسكِّنات الدولية لتقطيع المرحلة
بعد الانتخابات ستزداد وقاحة النظام وشهيّته لتشكيل حكومة (ورئاسة) تدّعي التحرّر من وطأة الثورة، باعتبار أنّ الصفة التمثيلية لمنظومة المافيا والميليشيا، أكبر بما لا يقاس من الصفة التمثيلية للقوى الثوريّة، ولن تتورّع عن أن تعرض على الثوار مقعداً أو مقعدين وزاريّين تعرف مسبقاً أنّهما سيُواجَهان بالرفض..
السباق الحقيقي الآن ليس نحو السراي الكبير.. السباق هو بين الانهيار الاجتماعي الكبير القادم، وبين قدرة نظام المافيا والميليشيا على استدراج المسكِّنات الدولية لتقطيع المرحلة.. هل هذا يعني أنّ الانهيار التامّ هو المطلوب؟؟.. ما أستطيع قوله بكلّ أسف، أنّ المسكِّنات هي لمصلحة المنظومة، ولمصلحة لعبتها الطويلة الأمد نسبيّاً.. هذا ما يراهن عليه الخاطفون عادةً، ولبنان بلداً وشعباً مخطوفٌ من طغمة لا تقيم وزناً للرهائن إلا باعتبارهم دروعاً بشرية في وجه الإجراءات القسرية التي قد يتّخذها أهل الأمن والقانون!
السباق الثاني هو الذي تشهده الجبهة الجنوبية للبنان في ظلّ مناوشات ترتفع وتيرتها، وتتنوّع بين صواريخ تُطلَق من لبنان، وتهريب أسلحة، واختبارات تسلّل عبر الحدود يقوم بها عمّال أجانب، سودانيون في الغالب، وحركة مسيَّرات إسرائيلية، وطائرات حربيّة لا تهدأ في أجواء.. يحصل هذا في ظلّ تعثّر كبير في التفاوض النووي مع إيران، وفي ظلّ انتفاضة شعبية داخلها، هي الرابعة منذ عام 2009، وبعد انتخابات رئاسية هي الأكثر فضحاً لتدنّي شرعيّة النظام..
إقرأ أيضاً: لبنان يدفع ثمن قيام “عهد حزب الله”
إنسوا الحكومة.. الانتخابات المقبلة مفصليّة لنظام حزب الله، لا للثورة، وسيعمل الحزب بكلّ ما أُوتِي من قدرات لتقطيع المرحلة حتى تلك الانتخابات.. السلاح الوحيد المتوافر في مواجهة هذا المشروع هو العقوبات الدولية التي يجب أن تشمل كامل أركان الطبقة السياسية، ومعاوني الأركان، ومعاوني معاوني الأركان، بما يضمن نزع الشرعية الأمميّة عنها وشلّ حركتها خارج حدود مقارّها..
أيّ حلّ من داخل النظام وبأدواته وهمٌ قاتلٌ.. ولعبةُ حزب الله المفضّلة…
عقوبات عقوبات عقوبات…. وَلْننتظر بعض الجثث عند حافّة النهر..