لمحة سريعة عن “مواقف” أحمد الشّرع

مدة القراءة 5 د

دمشق

 

أكثر من شخصية يتشكّل منها أحمد الشرع. هو أبو محمد الجولاني مؤسّس جبهة النصرة. وهو “موحّد الفصائل العسكرية”، ومطلق إدارة سياسية جديدة في سوريا ما بعد إسقاط نظام الأسد، لفترة ثلاثة أشهر قابلة لأن تتمدّد. وهو محرّر سوريا ومُسقِط بشار الأسد… وفي الداخل السوري يمتلك لغتين: لغة التصالح والتواصل، لكن وفق قواعده، ولغة القوّة التي أصبح يمتلك الكثير منها. مع الخارج لديه لغتان أيضاً: لغة الانفتاح وتطوير العقيدة والخطاب، وما يطمئن الخارج، خصوصاً عندما يقول رجل دين عقائدي إنّه لا يريد لسوريا أن تكون منطلقاً لأيّ عمليات ضدّ دولة أخرى، وهو يقصد إسرائيل، ولغة أخرى يستخدمها للحصول على ما يريد وتحقيق كلّ ما يسعى إليه وربّما وصولاً إلى تكريس شرعيّته السياسية الداخلية.

احتفلت سوريا بكلّ مدنها بيوم “جمعة النصر” بناء على دعوة أحمد الشرع. جموع كثيرة وغفيرة تقاطرت إلى الساحات والشوارع لإحياء الاحتفال. بدا المشهد مختلفاً عمّا سبقه من أيام، لا سيما في العاصمة دمشق. فيوم سقوط النظام شهدت شوارع العاصمة فوضى كبيرة. وهو ما أخاف الناس الذين فضّلوا المكوث في منازلهم. على مدى يومين بقيت الحركة شبه مشلولة، وأعداد المحتفلين بسقوط النظام لم تكن كبيرة في ساحة الأمويين ولا في غيرها من الساحات. فجزء من الناس كان خائفاً، وآخر كان لا يزال غير مصدّق لما جرى، وثالث فضّل التريّث والانتظار.

يتعاطى الشرع ببراغماتية. لا يقدّم نفسه قائداً جهادياً عالمياً أو عابراً للحدود والقارّات، بل ارتكز على مفهوميّة سوريّة في مساره وعمله وطموحاته

كيف “فتح” الشّرع دمشق؟

يوم الأحد في الثامن من كانون الأوّل، فُتحت أبواب دمشق على مصراعيها لفصائل مسلّحة من جهات مختلفة، من الجنوب ومن الشمال. بعض الدمشقيين خرجوا ليواكبوا الفصائل، لكنّ الغالبية بقيت في المنازل. تمكّن أحمد الشرع سريعاً من حسم الوضع تحت سيطرته في العاصمة. واتّجه سريعاً إلى فندق الفورسيزون، الذي اتّخذه مقرّاً له في الأيام الأولى. وهناك عقد لقاءات مع سياسيين سوريين من النظام القديم، بينهم وزير الخارجية السابق فيصل المقداد، ومع دبلوماسيين تابعين للأمم المتحدة ولدول أخرى. جاء الشرع من إدلب يرافقه عسكره وموالوه الذين يدينون له بولاء كامل. وذلك ربّما ما أثار حفيظة الدمشقيين. كلّ المسلّحين في هيئة تحرير الشام الذين انتشروا في شوارع العاصمة هم من الشمال السوري، ومعظمهم لم تطأ قدماه أرض دمشق من قبل.

في الفندق، أو في الجولات التي قام بها، سارع الشرع إلى طمأنة الدمشقيين وعقد لقاءات مع جهات مختلفة من المجتمع الدمشقي. والتقط الانزعاج فأصدر أوامره بانسحاب المسلّحين من المدن الكبرى. وفي اليومين التاليين لسقوط الأسد، بدأت جموع المسلّحين بالتجمّع في مراكز معيّنة تمهيداً للانسحاب باتّجاه المدن والمناطق التي جاؤوا منها. بينما عمل الشرع سريعاً على تشكيل جهاز للشرطة تابع للهيئة، في إطار وضعه لبرنامج هدفه إعادة تشكيل الجيش والأجهزة الأمنيّة.

يوم الأحد في الثامن من كانون الأوّل، فُتحت أبواب دمشق على مصراعيها لفصائل مسلّحة من جهات مختلفة، من الجنوب ومن الشمال

هل يُقنع تجّار المدن ووجهاءها؟

أراد تقديم نفسه موحّداً لسوريا، والمحافظ على مركزيّتها، لكنّه لم يكن لديه تصوّر واضح لشكل النظام السياسي. ولم يكن لديه تصوّر أو إجابات شافية عن كيفية التعاطي مع الهجمات الإسرائيلية، وتبيّن أنّ خياره هو التفاوض بالارتكاز على مباحثاته مع جهات إقليمية ودولية، فأقدم على إطلاق المواقف اللازمة لطمأنة الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية التي سارع إلى الإفراج عن أحد مواطنيها الذين كانوا معتقلين في سجون النظام، وتمّ تسليمه للجيش الأميركي على وقع مفاوضات تخوضها تركيا وهيئة تحرير الشام مع الأميركيين حول المسألة الكردية التي تأخذ اهتماماً كبيراً من قبل الشرع والأتراك. كما دخل في مفاوضات مع الأكراد بموازاة التلويح بالخيارات العسكرية واستخدام القوّة.

يتعاطى الشرع ببراغماتية. لا يقدّم نفسه قائداً جهادياً عالمياً أو عابراً للحدود والقارّات، بل ارتكز على مفهوميّة سوريّة في مساره وعمله وطموحاته.

عندما أعلن الجولاني مبايعته لتنظيم القاعدة، كان يتعرّض لحرب شرسة من قبل تنظيم داعش، فلم يجد سبيلاً لحماية تنظيمه إلا بتلك المبايعة، وعمل على الانفصال عن القاعدة لاحقاً، وحصر مشروعه باعتباره مشروعاً وطنياً سوريّاً. يعتبر أنّ المجتمع السوري لا يمكن أن يحكم وفقاً للسلفية الجهادية، ويشدّد على التعدّدية والتنوّع، في محاولة لاستقطاب الأقلّيات الطائفية أو القومية، ولاجتذاب الجهات الدولية.

إقرأ أيضاً: أسئلة في العقبة حول تفرّد الشّرع بالمرحلة الانتقاليّة

سيكون أمامه الكثير من التحدّيات السياسية، البنيوية، العسكرية، والاجتماعية، وإن كان ينوي خوض معركة كبيرة ضدّ الأكراد، وسط حالة ضعف لدى الأقلّيات الأخرى التي ستجد نفسها مضطرّة إلى التعاطي معه بواقعية. لكن يبقى التحدّي الأكبر أمامه هو إقناع المدن الكبرى بتجّارها وعائلاتها ووجهائها بخياره ونهجه لعدم الدخول في صراعات أو العودة إلى زمن الانقلابات.

مواضيع ذات صلة

الجولانيّ: من “الموصليّ” الرّاديكاليّ إلى “الشّرع” البراغماتيّ

خطفَ الأنظار زعيم “هيئة تحرير الشّام” (“جبهة النّصرة” سابقاً) أبو محمّد الجولاني. منذ انطلاق العمليّة العسكريّة في حلب وإدلب وحماة وصولاً إلى حمص. تصدّرَ اسم…

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…