من بين الأسئلة الكثيرة التي تناولتها اجتماعات العقبة العربية الدولية السبت الماضي مدى استعداد أحمد الشرع (الجولاني سابقاً) لإشراك قادة المعارضة الآخرين في إدارة المرحلة الانتقالية.
تتجنّب الدوائر العربية، والجهات السورية المعنيّة بالزلزال السوري، طرح العديد من الأسئلة، ومنها هذا السؤال. فالجواب المنطقي المحرج لطارحي الأسئلة أنّه يفترض التمهّل في مطالبة الثوّار بحلول ليست جاهزة بعد. والشباب تسلّموا للتوّ مقاليد الأمور. وانهيار نظام الأسد حصل بسرعة فائقة اعترف الشرع نفسه بأنّه لم يكن يتوقّعها.
الحكمة التي سادت في الأيّام الماضية هي انتظار الأفعال استناداً إلى ما قاله الشرع نفسه بأنّه تغيّر.
مع دخول سوريا اليوم التاسع لسقوط نظام الأسد بدأت محاولات تلمّس النهج الذي سيعتمده الفريق الذي نفّذ العملية العسكرية الناجحة، في إدارة شؤونها.
مع دخول سوريا اليوم التاسع لسقوط نظام الأسد بدأت محاولات تلمّس النهج الذي سيعتمده الفريق الذي نفّذ العملية العسكرية الناجحة، في إدارة شؤونها
الفارق بين إطاحة الأسد وحكم سوريا
الفرحة السورية والعربية والدولية بسقوط الأسد ملأت الأيام السابقة. لكنّ هناك فارقاً بين إسقاطه، الذي حرّر السوريين وشكّل هزيمة لإيران وروسيا، وبين مرحلة حكم سوريا ومعالجة تحدّياتها الهائلة. فالانتصار على النظام البائد الذي أراح حتى الجمهور الذي دعمه خلال السنوات الماضية، تطوُّر كبير، محلّياً، إقليمياً ودوليّاً.
من سيوظّف هذا الانتصار في سوريا التي خضعت خلال 13 سنة لخمسة احتلالات؟ وكيف؟
خرج الإيراني الذي يعاني صعوبة التأقلم حتى الآن، ومعه “الحزب”، فيما يتلمّس الروسي إمكان الاحتفاظ ببعض النفوذ. يبقى الأميركي والتركي والإسرائيلي.
إذا كان طبيعياً اتّجاه الأنظار إلى الدور العربي في انتشال سوريا من مخلّفات الحرب الطاحنة التي أنهكتها، فإنّ اجتماع العقبة شكّل البداية.
خرج الإيراني الذي يعاني صعوبة التأقلم حتى الآن، ومعه “الحزب”، فيما يتلمّس الروسي إمكان الاحتفاظ ببعض النفوذ. يبقى الأميركي والتركي والإسرائيلي
التّعاون العربيّ يتوقّف على الانسجام مع المبادئ
حدّدت لجنة الاتّصال العربية حول سوريا، إثر اجتماعها في الأردن السبت الماضي، جملة مبادئ، بعدما عبّرت كلّ دولة عن اعترافها بالتحوّل الجديد على طريقتها.
النقاط الـ17 التي تضمّنها بيان اللجنة التي تضمّ السعودية، مصر، الأردن، العراق، لبنان، والأمانة العامّة للجامعة العربية، وأُضيفت إليها الإمارات العربية المتحدة، رئيسة الدورة الحالية للقمّة العربية البحرين، وقطر، يمكن أن تلخّص خارطة الطريق لسوريا كالآتي:
- الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعمه.
- دعم عمليّة انتقالية سلميّة سياسية سورية – سورية جامعة، تتمثّل فيها كلّ القوى السياسية والاجتماعية وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، لتشكيل هيئة حكم انتقالية.
- دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون.
- حوار وطنيّ شامل.
- الوقف الفوريّ للعمليات العسكرية.
- احترام حقوق الشعب من دون أيّ تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين.
- الحفاظ على مؤسّسات الدولة بتمكين الشرطة لحماية المواطنين.
- أولويّة مكافحة الإرهاب.
- وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية.
- عودة اللاجئين.
- المصالحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية.
- إدانة توغّل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا في جبل الشيخ ومحافظتَي القنيطرة وريف دمشق وإدانة الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى، والتأكيد أنّ هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلّة يجب إنهاء احتلالها.
نصّ البيان العربي أيضاً على أنّ “أمن سوريا واستقرارها ركيزة لأمن واستقرار المنطقة”، “وسنقف مع شعبها الشقيق في إعادة بنائها دولة عربية موحّدة”. وشدّد على أنّ التعامل مع الواقع الجديد في سوريا “سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه”، وعلى التواصل مع المجتمع الدولي لبلورة موقف جامع يساند سوريا.
بدا واضحاً أنّ الموقف الغربي يعطي فرصة لحكّام دمشق الجدد، وفق قول أحد مصادر المجتمعين لـ”أساس”
البيان الغربيّ: حقوق النّساء والأقلّيّات… و”الكيمياويّ”
أعقب الاجتماع العربي اجتماع آخر بين دوله وبين وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، ألمانيا، تركيا، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا. استعار البيان المشترك بعض مبادئ البيان العربي واستثنى أخرى وأضاف ثالثة. ومع دعمه للشعب السوري، ركّز على “العملية السياسية الانتقالية بقيادة سوريّة، تنتج عنها حكومة شاملة غير طائفية وممثّلة من خلال عملية شفّافة تستند إلى مبادئ قرار مجلس الأمن 2254، ودعم تفويض المبعوث الأممي غير بيدرسون”. وأضاف عبارة “احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك النساء والأقلّيات، وتوفير وصول غير مقيّد للمساعدات الإنسانية”. ونصّ على “تأمين وتدمير آمن لمخزونات الأسلحة الكيميائية”. لكنّه لم يتناول التوغّل والاحتلال الإسرائيليَّين ومطلب انسحاب إسرائيل من الجولان.
ولهذا دلالة تتعلّق بالتساهل الأميركي والغربي مع الاعتداءات الإسرائيلية المكثّفة على الأراضي السورية.
إلا أنّ البيان المشترك كان أكثر وضوحاً بتحديد شروط الدعم، إذ نصّ على أنّ “الفترة المقبلة ستكون اختباراً حاسماً للمبادئ المذكورة أعلاه”، وأكّد “أهميّة الالتزام بهذه المبادئ، التي ستكون أساسية في تحديد نهجهم المستقبلي”.
علم “أساس” أنّ الهواجس والأسئلة حيال المرحلة المقبلة، لا سيما من الجانب العربي، لم تغب عن العقبة
الفرصة الأميركيّة… وانقسام المعارضة حيال “العقبة”
بدا واضحاً أنّ الموقف الغربي يعطي فرصة لحكّام دمشق الجدد، وفق قول أحد مصادر المجتمعين لـ”أساس”. أوضح المصدر أنّ الجانب الأميركي شدّد على أنّ الأفعال أهمّ من الأقوال في المرحلة القريبة المقبلة، وأنّه لن “يهاجم وينتقد التوجّهات الجديدة للفريق الذي يتولّى زمام الأمور راهناً”. وكان هناك استعداد لرفع العقوبات عن الشرع و”هيئة تحرير الشام”، لكن بعد ترجمة المواقف الجديدة المعلنة من قبله إلى أفعال (عن الرغبة بحلّ الهيئة والاندماج بالجيش وإقامة دولة مدنية ومشاركة مكوّنات الشعب السوري كافّة…).
ردود الفعل على اجتماعات العقبة وسط المعارضة انقسمت إلى اتّجاهين:
- بلغ انتقاد بعض المعارضين، بصرف النظر عن تأثيرهم، لبيانَي العقبة، حدّ اعتبار الاجتماعين محاولة فرض وصاية على السوريين، ومنهم المفكّر السياسي برهان غليون. اعتبر البعض الآخر أنّ القرار 2254 المعنيّ به هو نظام الأسد الذي سقط. أمّا أحمد الشرع فأبلغ بيدرسون أوّل من أمس أنّ القرار يحتاج إلى إعادة نظر.
- الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة برئاسة هادي البحرة رحّب بالبيان العربي، وبتبنّي القرار الدولي، مطالباً بعملية انتقالية تشاركيّة سورية – سورية.
علم “أساس” أنّ الهواجس والأسئلة حيال المرحلة المقبلة، لا سيما من الجانب العربي، لم تغب عن العقبة. وفي هذا السياق يمكن ذكر الآتي:
الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة برئاسة هادي البحرة رحّب بالبيان العربي، وبتبنّي القرار الدولي، مطالباً بعملية انتقالية تشاركيّة سورية – سورية
توجّس عربيّ من الإسلام السياسي..
- المخاوف من استفراد أحمد الشرع و”هيئة تحرير الشام” بالقرار قائمة. فالرجل شكّل حكومة انتقالية من حكومة الإنقاذ في إدلب، دون المعارضين الآخرين. وإذ نقلت أوساط عربية عنه قوله إنّه لم يكن قادراً إلا على أن يتولّى الذين قاموا بالعملية العسكرية وساندوها زمام الأمور. لكنّ تشكيلها على هذا الشكل يناقض حديثه عن مشاركة كلّ مكوّنات السوريين في إدارة البلد.
- من الدول التي لديها هواجسها حيال المرحلة المقبلة، وإن في شكل متفاوت، الإمارات، السعودية، مصر والأردن. تجمع بين أسئلتها المخاوف من سيطرة الإسلام السياسي على مقدّرات سوريا، مع ما يعنيه ذلك من تجارب سابقة غير مشجّعة لهذه الدول. والسؤال الأساسي هو: هل يفتح الشرع باب الحكومة لبقيّة أطياف المعارضة السورية؟ فإذا لم يفعل يناقض الخطاب الانفتاحي الذي دخل به دمشق.
إقرأ أيضاً: اللّحظة الإيرانيّة: انهيار على الطّريقة السّوفيتيّة
تركيا تطمئن: لا إيران سنّيّة بسوريا؟
- معطيات الدوائر العربية المعنيّة باجتماعات العقبة تفيد بأنّ بعض أطياف المعارضة طرح مسألة توسيع الشراكة في الحكومة الانتقالية التي شكّلها برئاسة محمد البشير. إلا أنّ الجواب كان أنّ من يريد المشاركة فليحضر ليتمّ تقويم مشاركته.
- بعض الدوائر العربية، حسبما أفادت “أساس”، طرح الأمر على تركيا، لأنّها مع قطر الأكثر تأثيراً على “هيئة تحرير الشام”. فهل يتّجه الشرع – الجولاني إلى الاستفراد بالقرار وإلى حكم سوريا وفق التعبئة الإسلامية السابقة على التحوّلات التي أعلنها؟
المؤشّرات الراهنة وفق هذه الدول غير مريحة. لكن ّالجانب التركي حاول طمأنة تلك الدوائر بالتأكيد “أنّنا لن نكون إيران السنّيّة في سوريا”. وهي إشارة إلى أنّ أنقرة لن تمارس الهيمنة على القرار السوري كما فعلت طهران. لكنّ هذا التطمين لا يجيب على هواجس بعض العرب.
لمتابعة الكاتب على X: