تابعت مقابلتك على قناة LBC اللبنانية، وطلبت من القناة ذاتها أن تتيح لي فرصة للتعليق على ما سمعت. وربّما القناة ظنّت أنّني سأهاجم، لذا تجاهلت طلبي، مع أنّني كنت راغباً في إظهار موقفٍ إيجابي ممّا تضمّنته المقابلة. وذلك على عكس الانطباع النمطيّ الذي يتبادر إلى الذهن عن أيّ تعليق فلسطيني على ناطقٍ أميركي.
أعرّف عن نفسي بكلمات قليلة.. فأنا مواطن فلسطيني، أعيش في مدينة رام الله الجميلة، وأزور مسقط رأسي في الخليل، كلّما تبيّن لي أنّ الطريق، وطولها أقلّ من مئة كيلومتر، سالكة وآمنة. وهذا مصطلحٌ كان يستخدمه اللبنانيون حين كان بلدهم واقعاً في الحرب المركّبة اللبنانية الفلسطينية، واللبنانية اللبنانية، والعربية اللبنانية… إلخ.
ذلك أنّ الطرق في الضفّة من مدينة إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، وأحياناً من حيٍّ إلى آخر، لا تكون آمنةً حيث عشرات الحواجز الإسرائيلية تنتشر على مفارق الطرق. وقد يستغرقك السفر عدّة ساعات إضافية، هذا إذا كنت محظوظاً ولم يُعتدَ عليك جسديّاً حين يقف المستوطنون المسلّحون في حواجزهم الخاصّة.
هذا وضعٌ عمره أكثر من نصف قرن، بدأ منذ احتلال الضفة وغزة في عام 1967، ولا يزال مستمرّاً. والمبعوثون الأميركيون عرفوه وعانوا منه أيضاً.
الطرق في الضفّة من مدينة إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، وأحياناً من حيٍّ إلى آخر، لا تكون آمنةً حيث عشرات الحواجز الإسرائيلية تنتشر على مفارق الطرق
نعيش حرباً إقليميّة بالواسطة
تابعتك وشدّني تفاؤلك بعهد الرئيس دونالد ترامب، وثقتك بجدّيته في إنهاء الحروب، وخصوصاً في الشرق الأوسط. وربّما هذه الجملة السحرية التي اعتمدها في حملته الانتخابية، ووعد بجعلها أساس سياسته الخارجية، كانت أحد العوامل المؤثّرة في فوزه. كما نُظر على نحو إيجابي إلى دعمه لعمل الإدارة الديمقراطية في لبنان، وهو ما كان له أثرٌ واضحٌ في تسريع الوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار، وربّما الشروع في فتح الملفّات المغلقة بفعل الحرب، مثل ترسيم الحدود البرّية، وفتح الباب أمام محاولة تطبيع مشابه للتطبيعات التي أُنجزت في عهده ثمّ تعثّرت. ويُفترض أن يتواصل العمل عليها بتطبيع سعوديّ سينقل، إذا تمّ وفق الشروط الموضوعية لنجاحه واستقراره، ومنها بالطبع ما يتّصل بالقضية الفلسطينية، أصعب منطقة في العالم، وهي الشرق الأوسط، إلى وضعٍ جديد من الهدوء والاستقرار، وسيستبدل بالحروب الموسمية تنميةً مستدامةً يحتاج إليها أهل الشرق الأوسط وتحتاج إليها كذلك أميركا وإسرائيل.
منطقتنا وأنت لست غريباً عنها هي منطقة الحروب التي لا تهدأ، والتسويات المحاطة بالخطر، والتي تقف دائماً على حافة حربٍ إقليمية. وإذا كان العالم كلّه، بما في ذلك أطراف الحروب في المنطقة، يُظهر رغبةً في تجنّب التحوّل إلى حربٍ إقليمية، فإنّ ما يجري الآن، وخصوصاً الانفجار المفاجئ والواسع للحرب في سوريا، والمترافق مع هشاشة وقف إطلاق النار على جبهة لبنان، ومعوّقات الحصول على مثله في غزة… هو حرب إقليمية بالواسطة. وفي هذه الحالة لا فرق في درجة الخطورة وتواصل الاشتعال.
سيجد ترامب نفسه وبفعل تعهّداته في وضعٍ يحتّم عليه الانتباه إلى حقيقة غابت عن غيره، وهي أنّ الاشتعال ليس موضعياً في غزة وجنوب لبنان وسوريا
خسائر قوى الاعتدال في المنطقة…
سيجد الرئيس ترامب نفسه وبفعل تعهّداته في وضعٍ يحتّم عليه الانتباه إلى حقيقة غابت عن غيره، وهي أنّ الاشتعال ليس موضعياً في غزة وجنوب لبنان وسوريا. إنّه على تماسٍّ مع بلدان ونظمٍ تقيم أوثق العلاقات مع الولايات المتحدة. فالحرب على غزة تُلحق بمصر أذىً بالغاً، مضافاً إلى الأذى اللاحق بقناة السويس من تطوّرات الحرب إلى باب المندب. إضافةً إلى شبح التهجير من غزة إلى سيناء. والحالة ذاتها قائمة في الأردن، البلد الذي لا نفوذ خارجياً فيه يتجاوز علاقته المميّزة مع الولايات المتحدة.
ندرك أنّ إيران بالمنظور الأميركي هي مشروع تفاوضٍ واحتواء، ويتعيّن عليها أن تقوم بالكثير حتى تتآلف مع قوى الاعتدال الرئيسية في المنطقة. غير أنّ ما يتعيّن الانتباه إليه هو المبالغة الإسرائيلية في تبرير كلّ ما تفعل في الضفة وغزة على أنّه جزءٌ من الحرب على إيران.
لا ننكر أنّ هنالك علاقات بين حماس وإيران و”الحزب”. غير أنّه سبق هذه العلاقة وجود احتلال طويل الأمد للضفّة وحصارٍ شديد القسوة على غزة. وإذا ما ذهبنا في الحلول إلى الجذور فسوف نصل أخيراً إلى المكان الصحيح، وهو إنهاء الاحتلال لتقوم دولة فلسطينية كاملة السيادة والاستقلال على أرضها، وتقيم علاقات سلمية مع إسرائيل. وسيكون الحال أفضل لإيجاد حلول لكلّ القضايا من مثل قضيّة اللاجئين وغيرها.
لا ننكر أنّ هنالك علاقات بين حماس وإيران و”الحزب”. غير أنّه سبق هذه العلاقة وجود احتلال طويل الأمد للضفّة وحصارٍ شديد القسوة على غزة
الفلسطينيون محشورون في مشروع دولة لا تتجاوز مساحتها ستة آلاف كيلومتر مربّع، تتألّف من الضفّة والقدس وغزة. وحالة كهذه لا تحتمل حلّاً ينتقص من هذه المساحة الضيّقة، مع الوضع في الاعتبار أنّ في غزة كثافة سكّانية ربّما تكون الأعلى على مستوى العالم كلّه. لذا لا بدّ أن تجد حلّاً في الدولة الفلسطينية العتيدة وليس على حساب دول الجوار أو المنافي البعيدة.
وصفة وقف الحرب في الشرق الأوسط هي قيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلّت في عام 1967 جميعاً، ومنها القدس الشرقية بالطبع. وما هو دون ذلك يكون وصفة لحروب كامنة لا يُعرف متى تبدأ ولا متى تنتهي. ولا أخالك غير متأكّد من ذلك.
إقرأ أيضاً: حلب تعكس عمق مأزق إيران والحزب… والنّظام السّوريّ