القاهرة تجمع الفلسطينيّين: الوحدة أو الضّياع

مدة القراءة 3 د

باتت تُدرك مصر أنّها لا تستطيع حمل عبء “اليوم التالي” في غزّة من دون شريكٍ فلسطينيّ موحّد، فهل أدركت الفصائل الفلسطينيّة، بعد عامٍ من الحرب والانقسام، أنّ الوقت يضيق وأنّ العالم لن ينتظر طويلاً انخراطها في مشروع التسوية الجديد؟ وهل يمكن للقاهرة أن تنجح في جمع شتات الفصائل المتخاصمة، وفي تحويل الانقسام المزمن إلى توافقٍ سياسيٍّ يسمح بإحياء الشرعيّة الفلسطينيّة؟

 

لدى الدولةِ المصريّة، وخصوصاً جهاز المخابرات العامّة، معلوماتٌ كافية عن الفصائل وحجم تأثيرها في الساحة الفلسطينيّة. كانت هذه المعلومات دقيقة قبل الحرب على غزّة، وهي الآن أكثر دقّة بعد ما حدث في غزّة.

إضافة إلى الفصائل وأحجامها وقدراتها، هنالك السلطة المندمجة كلّيّاً في المنظّمة و”فتح”، والتي اختبرت قدراتها الفعليّة على مدى عامَي الحرب، فإذا بها قدراتٌ غايةٌ في التواضع، أي بحجم وجودها الفعليّ على أرض الأزمات، وهذا يعني أنّ الجانب الفلسطينيّ بمعظم مكوّناته فُرض عليه بفعل الحرب أن يكون ثانويّاً في اللعبة، باستثناء “حماس” التي احتكرت القتال والمفاوضات، بانعزالٍ يكاد يكون مطلقاً عن باقي المكوّنات، وخصوصاً تلك المنضوية تحت لواء منظّمة التحرير والسلطة الشرعيّة في رام الله.

الحدّ الأدنى من الوحدة والتّوافق؟

الآن، وبعد عدم نجاح لقاء الفصائل في القاهرة، وكان هذا متوقّعاً حتّى من جانب المصريّين الذين طوّقوا التجربة بلقاءاتٍ منفصلةٍ مع “فتح” والسلطة، تسعى القاهرة عبر جهدٍ مواظبٍ ومدروسٍ إلى سدّ الثغرات في الجانب الفلسطينيّ قدر الإمكان، وذلك لإيجاد مسوّغاتٍ منطقيّة لإشراك الشرعيّة الفلسطينيّة في ترتيبات اليوم التالي، وهي مسألة تعتبرها مصر أساسيّةً في جهدها لدعم الحضور السياسيّ الفلسطينيّ في الحلول المقترحة بشأن غزّة وما بعدها.

تسعى القاهرة عبر جهدٍ مواظبٍ ومدروسٍ إلى سدّ الثغرات في الجانب الفلسطينيّ قدر الإمكان

لم يكن لقاء القاهرة من أجل إيجاد حلٍّ سحريٍّ عاجلٍ للانقسام الفلسطينيّ الذي بدا مزمناً، فهذه مسألةٌ لها حساباتٌ ووسائل وتحضيرات مختلفة، بل كان من أجل توحيد كلمة الفلسطينيّين إزاء الترتيبات المتعلّقة بغزّة، وسدّ الثغرات التي يمكن استغلالها للتخريب، ولإيجاد حاضنةٍ لتنازلات “حماس” المحتملة في المرحلة التالية.

القاهرة

الفصائل الفلسطينيّة مكوِّنٌ هو الأضعف والأقلّ تأثيراً في المسارات الجديدة التي نشأت بفعل الحرب على غزّة، ويُسجَّل لمصر أنّها الأكثر عنايةً بإدخال المكوِّن الفلسطينيّ إلى المعادلة، وهذا يحتاج إلى غلافٍ فصائليٍّ ينفع من أجل الصورة.

عبثيّة متجدّدة؟

منحت مصر الفصائل التي لم تتّفق بصورةٍ كاملةٍ شهراً، وربّما أقلّ، للقاءٍ آخر لعلّه يكون أوفر حظّاً من حيث المشاركة والنتائج، وخلال هذه المدّة الطويلة بالقياس إلى تسارع التطوّرات بشأن كيفيّة تطبيق مبادرة ترامب، وما تحتويه المرحلة التالية من تعقيداتٍ أكثر صعوبةً من تعقيدات المرحلة الأولى.

إقرأ أيضاً: جرّافات مصر… السياسية

الفلسطينيّون جميعاً، والمعنيّون هنا الفصائل والسلطة والمنظّمة، حُشروا في زاويةٍ واحدة، وهو ما يحتّم عليهم الاتّفاق حتّى على أدقّ التفاصيل، إذا ما كانت لهم فرصةٌ للمشاركة في فعّاليّات اليوم التالي، وما يمكن أن يليه من فعّاليّاتٍ أوسع. غير أنّ معالجتهم لعلاقاتهم البينيّة تبدو سائرةً في الاتّجاه العبثيّ القديم، الذي أدام الانقسام قرابة ثمانية عشر عاماً، وإن لم تُتَدارك الحالة الآن وفي أقلّ من الشهر الممنوح لهم، فالعالم الذي انخرط في تسوية غزّة على أساس مبادرة ترامب لن ينتظر، وبإمكانه التجاهل والتجاوز.

مواضيع ذات صلة

وعد بلفور: النّزيف المستمرّ

ماذا يجري في جنوب لبنان؟ وماذا يجري بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان؟ وماذا بعد الذي جرى ويجري في غزّة والضفّة الغربيّة؟ الجواب على هذه…

لبنان… بين العزلة العربيّة والازدراء الأميركيّ

أخيراً يصدر عن رئيس الجمهوريّة جوزف عون كلامٌ يشير إلى أنّ لبنان يريد بالفعل تفادي الكارثة المركّبة التي يبدو مقبلاً عليها، بدل الاستسلام للقوى التي…

من “الجنجويد” إلى “الدّعم السّريع”.. ميليشيا ابتلعت دولة

في بلدٍ أنهكته الحروب والانقلابات، تتجسّد مأساة السودان الحديثة في حكايةِ ميليشيا تحوّلت إلى دولةٍ داخل الدولة. فمن رمالِ دارفور القاحلة خرجت، قبل أكثر من…

مؤتمر إسطنبول.. رسالة لنتنياهو عبر ترامب

ما اعتقده كثيرون نهايةً في شرم الشيخ، تحوّل في إسطنبول إلى بداية جديدة لرسم الموقف الإسلامي من خطة ترامب الثانية لغزة. فاجتماع وزراء الخارجية في…