لم يكن اختيار لجنة جائزة نوبل النرويجيّة للمعارِضة والناشطة الفنزويليّة ماريا كورينا ماتشادو لنيل جائزة نوبل للسلام، تقديراً لنشاطها وجهودها على صعيد الديمقراطيّة وحقوق الإنسان فقط، بل جاء اختيارها من اللجنة ردّاً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر نقطتين: في الأولى أرادت اللجنة أن توجّه رسالة لكلّ من يعنيهم الأمر أنّها هي من تختار صاحب الجائزة وليس أحد غيرها مثل رئيس دولة أو رئيس حكومة كبنيامين نتنياهو. أمّا في الثانية فأكّدت اللجنة أنّها جزء من النظام العالميّ، لا بل تشكّل أحد أركانه، وأنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب يعمل على تفكيك هذا النظام.
ابنة الشّارع تهزم رجل الأعمال
هزمت ماتشادو ابنة الشارع دونالد ترامب رجل السلطة والمال. تلك الفتاة التي وُلدت عام 1967 في فنزويلا وعلى الرغم من دراستها للهندسة والعلوم الماليّة، إلّا أنّها تفادت الأرقام والأموال، وذهبت إلى الشارع مؤسّسة جمعيّة اسمها “أتينيا”، مختصّة بمساعدة أطفال الشوارع في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، ثمّ خرقت الوجدان الفنزويليّ فجذبت إليها الطبقة الفقيرة من نساء ورجال مؤمنةً بأنّ الديمقراطيّة وحدها بوّابة الحلول لكلّ الأزمات الاجتماعية، فأطلقت منظّمة “سوماتي” التي تعنى بتدريب الناشطين على مراقبة العمليّات الانتخابيّة عام 2010، وحصلت على أغلبيّة مطلقة بعد 4 سنوات في انتخابات الجمعيّة الوطنيّة في فنزويلا. إلّا أنّ نظام القمع في فنزويلا لم يتحمّلها فأقالها من منصبها عام 2014 فضربت معه موعداً جديداً عام 2017 عندما أسّست تحالف “صوي فنزويلا” موحِّدة القوى المؤيّدة للديمقراطية، وبعد 6 سنوات عام 2023 أعلنت ترشّحها للرئاسة الفنزويليّة فمنعها النظام من الترشّح. لم تبالِ فدعمت مرشّح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا الذي أسقطه النظام بالقوّة على الرغم من فوزه في صناديق الاقتراع.
ماتشادو هي باختصار امرأة لا تكلّ ولا تملّ. وقد يكون من اللؤم بمكان أن تختار لجنة نوبل امرأة كمتشادو لكسر رغبة ترامب بالجائزة وجموحه إليها.
هزمت ماتشادو ابنة الشارع دونالد ترامب رجل السلطة والمال. تلك الفتاة التي وُلدت عام 1967 في فنزويلا
ما دور نتنياهو بهزيمة ترامب؟
في الثامن من شهر تمّوز الفائت أعلن رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ترشيح الرئيس ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، مقدّماً له خلال اجتماع في البيت الأبيض نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها إلى لجنة الجائزة.
أراد نتنياهو بهذا الترشيح أن يحاكي رغبات ترامب بالفوز بالجائزة، وهو الذي اشتكى من تجاهل لجنة نوبل للجهود التي قام بها في كثير من النزاعات الدولية، حتّى إنّه صرّح قائلاً يوم الخميس الفائت، أي عشيّة إعلان النتائج: “لم يستطع أحد في التاريخ وقف 8 حروب خلال 9 أشهر بينما أوقفت أنا 8 حروب. لا أعلم ما الذي ستفعله لجنة الجائزة. فليفعلوا ما يشاؤون فأنا لم أفعل ذلك من أجل الجائزة، بل فعلته لأنّني به أنقذت الكثير من الأرواح”.
لم يكن ترشيح نتنياهو هو الترشيح الوحيد من الأشخاص المشبوهين في العالم إن صحّت العبارة، أي المرتبطة أسماؤهم بأزمات وحروب. فقد أعلن رئيس وزراء تيمور الشرقية جوزيه راموس ترشيحه لترامب. وفعل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاتشينكو الأمر ذاته، واختُتم مسلسل الترشيحات المشبوهة بترشيح الكرملين لترامب.
على ترامب الانتظار حتّى العام المقبل كي تكون له فرصة ثانية بالحصول على جائزة نوبل للسلام، تماماً كما انتظر دورة رئاسيّة كاملة كي يعود إلى البيت الأبيض
أشار متابعون للجائزة إلى أنّ ترشيح نتنياهو ومعه زعماء ورؤساء متورّطون بأزمات سياسيّة لترامب أعاق رغبات الأخير بالفوز بالجائزة، فيما تنبّأت صحيفة “واشنطن بوست” قبل إعلان النتائج أنّ إشارة ترامب المتكرّرة إلى جائزة نوبل للسلام قد تؤثّر سلباً على فرصه في نيلها.
هل يعلن ترامب الحرب على النّرويج؟
كما أنّ ماتشادو امرأة لا تكلّ ولا تملّ، كذلك دونالد ترامب رجل لا يكلّ ولا يملّ. وذكرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية أنّه قد يتّجه إلى فرض رسوم جمركيّة على النرويج لعدم منحه الجائزة. وقالت الصحيفة إنّ على أوسلو أن تستعدّ لإجراءات أميركيّة قاسية. فالعقوبات يعتمدها ترامب عندما يخيب أمله من أحد.
على ترامب الانتظار حتّى العام المقبل كي تكون له فرصة ثانية بالحصول على جائزة نوبل للسلام، تماماً كما انتظر دورة رئاسيّة كاملة كي يعود إلى البيت الأبيض. لمَ لا وقد نجحت خطّته في غزّة ومسعاه في أوكرانيا ورهانه في سوريا؟
إقرأ أيضاً: انتصر ترامب.. انتهت مأساة غزّة
لمتابعة الكاتب على X:
