لم يمُت زياد الحمصي في حادث السيّارة يوم الإثنين الفائت. مات الرجل عندما تخلّينا عنه جميعاً في شهر أيّار من عام 2009، وتركناه وحيداً يواجه مكائد الآخرين وخبثهم وكراهيتهم.
مات زياد الحمصي عندما افتروا عليه بأعزّ ما يملك، بعروبته ووطنيّته وعدائه لإسرائيل، وهم المدركون أنّ مشكلتهم مع زياد الحمصي أنّه يعمل ليل نهار في محاربة إسرائيل وأعوان إسرائيل والراكبين في المواسم الفائتة على الدبّابات الإسرائيليّة. فهو الذي اعتُقل في هولندا لتخطيطه لاختطاف صهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيّين.
لم يمُت زياد الحمصي في حادث السيّارة يوم الإثنين الفائت. مات الرجل عندما تخلّينا عنه جميعاً في شهر أيّار من عام 2009، وتركناه وحيداً يواجه مكائد الآخرين وخبثهم وكراهيتهم
صمت الشّهود
مات زياد الحمصي عندما صمت الشهود، كبار الشهود، على ما كان يفعل من أجل الإيقاع بالعدوّ الاسرائيليّ. لقد مارسنا فعل الحقارة مع زياد وأيّ زياد. أدرنا ظهرنا له. منّا من قال انتظروا التحقيق ونحن ندرك أنّ التحقيقات في ذلك الزمن البائد كانت مخطّطات وتقارير وأسرار استخباريّة تضمر المكائد للضعيف. ومنّا من قال يجب أن لا نتورّط في ملفّ اسمه العمالة مع إسرائيل. وهؤلاء وبعض منّا كانوا متيقّنين أنّ هذه الأرض وهذه البيئة وهذه الطائفة لم تنتج يوماً عميلاً صغيراً أو كبيراً لإسرائيل. ومنّا من تجاهل الأمر وكنّا كُثراً على قاعدة “ما دخلنا”، ومشينا جنب الحائط طالبين السترة خائفين من الهيمنة السوريّة، ومن أزلام هذه الهيمنة من اللبنانيّين. واعتبرنا أنّ زياد ليس منّا وما دافع عنّا يوماً وما بذل من أجلنا عرقاً فكنّا أمامه بمنزلة الخائنين.
زياد الحمصي له من اسمه نصيب. هذه عوائد العرب الأقحاح، لكنّه تفوّق على ذلك فبات له نصيب من اسمه ومن كنيته، فأجداده القدماء قدموا من حمص عاصمة الثورة السوريّة، مدينة عبدالباسط الساروت وبرهان غليون، التي وقفت بوجه طواغيت العصر من بشّار الأسد إلى قاسم سليماني، وما بينهما فلاديمير بوتين، وأبت إلّا أن تقاتل حتّى الرمق الأخير. هذه صفات أهلها وناسها، وزياد الحمصي من تلك الأرض. أجداده من قبيلة الحمصي ما خجلوا يوماً بلقبهم في سهل البقاع الجميل. أمّا اسمه فكان زيادة على زيادة، وقل “ربّي زدني علماً”. فقال الربّ: “لئن شكرتم لأزيدنّكم”. لقد زادنا زياد الحمصي كرامةً وعزّاً وفخراً. زادنا حبّاً بالشارع وبالرصيف. صالح الناس وأهله مع الشارع وجعل من قريته سعدنايل بمنزلة قلعة بوجه الأعداء في هذا السهل الجميل.
أمثال زياد الحمصي لا يموتون بنوبة قلبيّة، ولا بمرض خبيث. أمثال زياد الحمصي يموتون بنثر دمائهم على الطريق
زياد الحمصي ما رضي إلّا أن يموت على الطريق بجانب الرصيف. الرجال أمثال زياد لا يموتون على أسرّتهم بل دائماً في ساحة الواجب والخدمة وإماطة الأذى عن الطريق.
أمثال زياد الحمصي لا يموتون بنوبة قلبيّة، ولا بمرض خبيث. أمثال زياد الحمصي يموتون بنثر دمائهم على الطريق.
تذهب يا زياد إلى ربّك راضياً مرضيّاً. أمّا نحن ومن تخلّى عنك في الوقت العصيب ننظر إلى الأرض خجلاً متمتمين: “سامحنا يا ربّ، وكن لنا يا زياد شفيعاً عند ربّك في ذلك اليوم الكبير”.
إقرأ أيضاً: مات الحارس بعدما ماتت الجمهوريّة
لمتابعة الكاتب على X:
