جمهوريّة “أبي الفضل”

مدة القراءة 6 د

بصراحة دون مواربة ودون مراعاة لأحد، حقيقة واضحة وضوح الشمس يحاول المسؤولون والفعّاليّات وكلّ المتابعين تغطيتها كمن يحاول تغطية ضوء الشمس بإصبعه، وهي أنّ رئيس الجمهوريّة جوزف عون هو من سمّى كلّاً من وزير الدفاع ميشال منسّى ووزير الداخلية أحمد الحجّار والمدير العامّ لقوى الأمن الداخليّ رائد عبدالله ورئيس جهاز أمن الدولة إدكار لاوندس، لأنّه قدّر أن يكون الأمن والعسكر بإمرته اعتقاداً منه أنّه سيتمكّن من تنفيذ سياساته التي على أساسها ترشّح لرئاسة الجمهوريّة.

لم يكن لرئيس الحكومة نوّاف سلام، والكثيرون يدركون ذلك، أيّ دور في اختيار كلّ هذ الأسماء، وتحديداً الأسماء التي عُيّنت من حصّة الطائفة السنّيّة.

 

تعاطت القوى الأمنيّة وقياداتها من جيش وقوى أمن داخليّ مع التجمّع الذي دعا إليه “الحزب” عند صخرة الروشة ليس من منطلق تطبيق تعميم رئيس الحكومة، بل من منطلق توفير الحماية لهذا التجمّع وضبط الأمور دون أيّ إشكال. لم تبالِ بتعميم رئيس الحكومة ولا بالأوامر التي وجّهها عبر هذا التعميم لجهة منع استعمال الأماكن السياحيّة لأغراض سياسيّة.

وفقاً لمعلومات متقاطعة كانت تقضي الأوامر التي أُعطيت للقوى السيّارة في قوى الأمن الداخلي بعدم التصادم مع أحد أو عرقلة أحد، بل تسهيل الأمور أمام المشاركين في الاعتصام والحرص على عدم الصدام. وأكثر من ذلك عندما طُلبت مؤازرة لتشديد الحماية أمام منزل رئيس الحكومة في رأس بيروت لم تصل هذه المؤازرة إلّا بعد 50 دقيقة.

حسناً يفعل رئيس الحكومة نوّاف سلام إن قرّر الاعتكاف بانتظار أن تُنفّذ توجيهاته كرئيس للسلطة التنفيذية كما ينصّ الدستور لجهة محاسبة المقصّرين

بالمقابل، كانت وحدات الجيش اللبناني غائبة عن الروشة ومحيطها، وفقط بضعة عناصر معدودة وقفت عند قصر عين التينة، وأخرى عند الحمّام العسكري الذي يُعتبر بدوره نقطة عسكريّة للجيش.

لم تُقِم أيّة حواجز عند الطرق المؤدّية إلى مكان الاعتصام كما كانت تُقام الحواجز عند القيام بالاعتصامات التي كانت تستضيفها ساحة الشهداء وتنظّمها قوى 14 آذار من 2005 حتّى 2009. لم تُقِم حواجز لتفتيش الآتين من خارج بيروت كما تقيم حاجزاً عادةً في البربارة لتفتيش أهل طرابلس والشمال المشاركين في أيّ تجمّع سياسيّ في بيروت.

خلاصة الأمر بكلّ فظاظته أنّ القوى الأمنيّة الرسميّة يوم الخميس كانت تحرص على رعاية تنفيذ برنامج احتفال “الحزب” وليس على تنفيذ التعميم الصادر عن رئيس الحكومة.

ليست المرّة الأولى

ليست المرّة الأولى التي تتجاهل فيها الوزارات الأمنيّة وأجهزتها رئيس الحكومة نوّاف سلام وما يصدر عنه، فهي التي شاركت في سلسلة من الاجتماعات الأمنيّة في القصر الجمهوري بغياب رئيس الحكومة ودون أيّ صفة دستوريّة لهذه الاجتماعات. فلا هي اجتماعات للمجلس الأعلى للدفاع ولا هي اجتماع لمجلس الأمن المركزي أو الفرعي. لا بل هناك واقعة حصلت قبل أيّام من حادثة صخرة الروشة تمثّلت بخطابين وجّههما الرئيس سلام لكلّ من وزير الداخلية أحمد الحجّار والمدير العامّ لقوى الأمن الداخليّ رائد عبدالله يسألهما فيهما عن المسوّغات القانونيّة لقرارهما تعيين سوزان الحاج في أحد المواقع الأمنيّة على الرغم من وضعها القانونيّ المانع لذلك. كان الجواب من مقرّ مديريّة قوى الأمن الداخلي في الأشرفية لكلّ السائلين أنّ التوجيهات أتت من قصر بعبدا؟

وفقاً لمعلومات متقاطعة كانت تقضي الأوامر التي أُعطيت للقوى السيّارة في قوى الأمن الداخلي بعدم التصادم مع أحد أو عرقلة أحد، بل تسهيل الأمور أمام المشاركين في الاعتصام

يرسم هذا الجواب تفاصيل أزمة القرار السياسي داخل الأجهزة الأمنيّة، لا بل داخل النظام السياسي برمّته، ونتيجة ذلك ترتسم أسئلة أخرى: من أعطى الأوامر للأجهزة الأمنيّة بتجاهل قرار رئيس الحكومة والتفرّغ لرعاية حفل “الحزب”؟ من هو أبو الفضل في هذا القرار؟ هل هو اجتهاد أمنيّ، وفي ذلك مخالفة تُوجب المحاسبة لدرجة إقالة أيّ مسؤول أمنيّ متورّط أم قرار من “فوق”، من رئاسة الجمهورية أو من كبير المستشارين؟

كشف هويّة أبي الفضل في ما أفضت إليه الأمور هو بداية حلّ للأزمة الراهنة، وإلّا فعلى الحكومة ووزرائها وأجهزتها وخطابَي القسم والثقة ألف سلام وسلام.

اعتكاف سلام والتّجارب السّابقة

حسناً يفعل رئيس الحكومة نوّاف سلام إن قرّر الاعتكاف بانتظار أن تُنفّذ توجيهاته كرئيس للسلطة التنفيذية كما ينصّ الدستور لجهة محاسبة المقصّرين.

حسناً يفعل نوّاف سلام باستنساخ موقفه من تجربتين: الأولى تجربة الرئيس صائب سلام في نيسان1973  عندما أعلن استقالة حكومته بعدما رفض رئيس الجمهوريّة سليمان فرنجيّة إقالة قائد الجيش اللواء إسكندر غانم على خلفيّة اغتيال إسرائيل لثلاثة من القادة الفلسطينيّين في منطقة فردان ببيروت. ويقول الرئيس سلام في مذكّراته عن قرار الاستقالة: “شعرت حينها بتواطؤ ونيّات سيّئة في تلك الأحداث فقرّرت تقديم استقالة حكومتي”، والتجربة الثانية مع الرئيس الراحل رشيد كرامي الذي جعل الاعتكاف سلاحاً اعتراضيّاً بوجه من يجرؤ على تجاوز رئيس الحكومة وموقعه السياسي.

في كتاب ذكرياته “صائب سلام أحداث وذكريات” كتب الزعيم البيروتيّ الراحل قائلاً:  “يوم العدوان الأسود، أيقظوني من نومي على أصوات رصاص وتفجيرات عدوانيّة، وأنا بدوري أيقظت قائد الجيش (الجنرال إسكندر غانم). هل كان واجب رئيس الحكومة أنْ يوقِظ قائد الجيش؟ منْ قال إنّ المسؤول السياسي هو الذي يوقَظ أوّلاً لتدارك الأمور؟”.

للحالمين بالماضي أن يتذكّروا أنّ الدستور قد تغيّر وانتهى الزمن الذي كان فيه رئيس الحكومة يخضع لفلسفة تافهة تقول إنّه الوزير الأوّل أو “الباش كاتب”، فيما دستور الطائف يقول إنّ رئيس الحكومة هو الناطق باسم الحكومة، وهو الذي يدعو إلى عقد جلساتها، وهو الذي يترجم سياساتها.

ما حصل عند صخرة الروشة ليس أزمة ميليشيا بل أزمة نظام، أزمة البعض الذي ما يزال يسعى ويحنّ إلى ما قبل الطائف، فيما العالم كلّه والوقائع كلّها تقول إنّ الطائف لا يمكن تجاوزه ولا يمكن إلغاؤه إن أردنا إعادة بناء هذا الوطن.

ما حصل عند صخرة الروشة ليس أزمة ميليشيا بل أزمة نظام، أزمة البعض الذي ما يزال يسعى ويحنّ إلى ما قبل الطائف

مساندة الرئيس نوّاف سلام واجب وطنيّ، ولترفع القوى السياسية السياديّة بكلّ ألوانها وتلوّناتها راية الاعتراض. لا عودة لأيّ اجتماع وزاري ولا عودة لأيّ سياق رسمي إلّا بعودة القانون والدستور بكلّ مندرجاته وبكلّ تفاصيله كما جاء في خطاب القسم الذي دخل في غياهب النسيان، وكما جاء في البيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام.

نحن نعيش في كنف الجمهورية اللبنانية وليس في كنف جمهوريّة “أبي الفضل”.

الصهيونيّة هي صفة الجواسيس داخل “الحزب” الذين سلّموا مقرّ وجود الراحل السيّد نصرالله للعدوّ الإسرائيليّ، ولم يكتفوا فأكملوا مهمّتهم بتسليم عنوان اجتماع الراحل السيّد هاشم صفيّ الدين لتأمين اغتياله واغتيال من معه. نوّاف سلام قاتَل قولاً وعملاً العدوّ الإسرائيلي قبل أن يولد “الحزب” الذي أطلق العنان للرعاع لكي يهينوا مقام رئيس الحكومة.

أخيراً، أجهزة أمنيّة لا يمكنها حماية قرار رئيس الحكومة كيف لها أن تحمي قرار حصريّة السلاح؟!

إقرأ أيضاً: يزيدنا غير يزيدكم

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

محمد بن سلمان فوق البروتوكول في البيت الأبيض

فرشت واشنطن السجادة الحمراء لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأقامت كل المراسم الشرفية، بما في ذلك العرض العسكري الجوي بطائرات “إف 35″،…

ترامب يكبح إسرائيل: هل استنجد نتنياهو ببوتين؟

يسهل استنتاج التحوُّل الذي طرأ على الإدارة في الولايات المتّحدة لفرض قرار واشنطن على قرار تل أبيب. ولطالما استعر جدل الباحثين خلال العقود المنصرمة بشأن…

تصويت مجلس الأمن وزيارة الأمير

ستتضح أمورٌ هامةٌ يترقبها العالم باهتمام بالغ، من خلال حدثين بارزين، الأول تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة وما بعدها، والثاني ما…

متى تستقر سورية في مواجهة المخاطر الكبرى؟

توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب. وفيما كان بنيامين نتنياهو…