يبدو أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بات أكثر إصراراً وتمسّكاً برؤيته لليوم التالي لقطاع غزّة، المتمثّلة بعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارته ونسف ما ظهر من مخطّطات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل.
استغلّ عبّاس زيارته للندن لتقديم تعهّد لرئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر ومن خلفه المجتمع الدولي بأن لا تحكم حركة “حماس” غزّة بعد اليوم، وأنّ يُسلَّم سلاحها للأجهزة الأمنيّة الفلسطينية لأنّ الدولة الفلسطينية المنشودة ستكون غير مسلّحة، وستلبّي جميع الشروط والمطالب الدولية الإصلاحيّة أمنيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وتعليميّاً.
أكّد الرئيس عبّاس أنّ رؤيته لليوم التالي لغزّة تحظى بدعم غربيّ وأوروبيّ على وجه الخصوص بطريقة غير مباشرة، ووجد في سلسلة الاعترافات بدولة فلسطين التي انهالت وستنهال خلال أيلول، اعترافاً ضمنيّاً بأحقيّة السلطة بحكم غزّة لأنّها تمثّل الجزء الثاني من الدولة الفلسطينية إلى جانب الضفّة الغربية.
إزاء هذا السياق السياسي والدبلوماسي المتصاعد، قرأت السلطة الفلسطينية التطوّرات الجارية في غزّة والمنطقة العربية والإقليم، ورأت أنّها تصبّ في مصلحتها لأنّ موقف حركة “حماس” سيضعف مع مرور الوقت، خاصّة بعد الهجوم الإسرائيليّ على قطر ومحاولة اغتيال قادتها في الدوحة.
أدانت السلطة “الاعتداء الإسرائيليّ الغاشم” على قطر، واعتبرته “انتهاكاً فاضحاً للقانون الدوليّ وتصعيداً يهدّد الأمن والاستقرار الإقليميَّين”، لكنّها في الوقت نفسه تجاهلت في بيانها محاولة اغتيال قادة “حماس”.
تداعيات الهجوم على قطر
رأت السلطة أنّ لهذه الضربة تداعيات كبيرة، ليس على حضور “حماس” في المشهد السياسي فقط، وإنّما على موقف الدول العربية، سواء تلك التي تقيم علاقات مع إسرائيل أو تلك التي لا تقيم، ولذا تعتقد أنّها ستكون العنوان المستقبليّ للحلّ.
، قرأت السلطة الفلسطينية التطوّرات الجارية في غزّة والمنطقة العربية والإقليم، ورأت أنّها تصبّ في مصلحتها
عوّلت السلطة على أن تسهم ضربة قطر في تحسين علاقتها ببعض الدول العربية والإقليمية، الإجماع على أنّ الهجوم يشكّل خطراً على الإقليم برمّته، ومع تأكيد إسرائيل نيّتها تكرار قصفها لأيّ مكان يوجد فيه قادة “حماس”، بما فيها الدول العربية مثل مصر أو قطر نفسها.

إزاء هذه التطوّرات والتقديرات السياسيّة، بدأت السلطة تدرك أنّ من مصلحتها نسف ما تبلور من أفكار وخطط ومشاريع تتناول اليوم التالي، وتصدّر أحدها المشهد الفلسطيني وأثار حالة من الجدل خلال الأسابيع الماضية حين أعلن رجل الأعمال الفلسطيني سمير حليلة أنّه مستعدّ ليكون حاكماً في غزّة، بدعم عربيّ وغربيّ، وبمباركة السلطة الفلسطينية.
توقيف سمير حليلة
مساء الأربعاء 10 أيلول، اقتحم عناصر من جهاز الأمن الوقائي أحد مطاعم حيّ الطيرة الراقي في مدينة رام الله، واعتقلوا سمير حليلة الذي لم يكن مرّ على وصوله من الخارج سوى ساعات قليلة.
يحمل حليلة الهويّة المقدسيّة والجنسيّة البريطانيّة، وحسب معلومات “أساس” طلبت السلطة الفلسطينية من حليلة مغادرة الضفّة الغربية قبل شهر عقب مشاركته في مقابلات مع وسائل إعلام محلّية وعربيّة واسرائيليّة قدّم نفسه خلالها حاكماً محتملاً لغزّة، بدعم أميركي وغربي، زاعماً أنّه يُجري تنسيقاً كاملاً مع الرئاسة الفلسطينية في كلّ خطوة يتّخذها، الأمر الذي دفع الرئاسة الفلسطينية إلى نفي تصريحاته.
لم يصدر موقف علنيّ عن السلطة الفلسطينية أو الأجهزة الأمنيّة عن اعتقاله لكنّ المصادر أكّدت أنّ النيابة العامّة الفلسطينية مدّدت في 11 أيلول مهلة توقيف حليلة لمدّة 15 يوماً على ذمّة التحقيق.
في 12 آب وصفت الرئاسة الفلسطينية تصريحات حليلة ومشروعه بـ”العمل المشين”، وأنّها تمثّل التفافاً على الموقف الرسمي لمنظّمة التحرير والسلطة الفلسطينية الرافض لفصل قطاع غزّة عن الضفّة الغربية ضمن مشروع إسرائيليّ، وطالبته بــ”الكفّ عن نشر الأكاذيب ومحاولات التغطية على موقفه المخزي الذي يضعه تحت طائلة المسؤوليّة”.
يبدو أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بات أكثر إصراراً وتمسّكاً برؤيته لليوم التالي لقطاع غزّة، المتمثّلة بعودة السلطة الفلسطينية إلى إدارته
الحكم للسّلطة
قال المحلّل السياسيّ المقرّب من السلطة عمر الغول لـ”أساس” إنّ الاتّجاه العامّ في المنظومة السياسيّة الدولية يؤيّد الرؤية الفلسطينية، وإنّ هناك إجماعاً كاملاً على أن تتولّى القيادة الفلسطينية الولاية السياسية والقانونية على قطاع غزّة، لأنّها الجهة التي وقّعت الاتّفاقات وتلتزم القرارات الدولية، ولذلك هي الطرف المؤهّل لذلك الدور.
أضاف الغول أنّه إذا كانت “حماس” جادّة في استخلاص الدروس بعد ضربة الدوحة وافتقارها قيادتها وكوادرها إلى الأمن الذاتيّ، ، فإنّ عليها العودة إلى الوحدة الوطنيّة والانضواء تحت لواء منظّمة التحرير وأن تُسلّم سلاحها، فهذا يسهم في إنقاذ ذاتها من الملاحقة والاغتيالات والارتقاء إلى مستوى المسؤوليّة وإنقاذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الشاملة وتعزيز عوامل الصمود ونزع ذرائع استمرار إسرائيل في حربها.
أعرب الغول عن معارضته لتوقيف حليلة، مشيراً إلى أنّه كان بالإمكان إجراء حوار معه في مختلف القضايا، مضيفاً أنّ المخطّطات الأميركية الإسرائيلية موجودة دائماً.
إقرأ أيضاً: نتنياهو وسياسة قصّ الرّؤوس: استباحة الشّرق برمّته
لفت إلى أنّ “اعتقال حليلة نهج لا يحلّ المسائل الشائكة وطنيّاً، ويجب تغليب الحوار والإقناع، وتصغير دور حليلة ومَن يدعمه في هذا التوجّه، خصوصاً أنّ حواره مع القناة الإسرائيلية 24 كان مخالفاً لما طرحه على القيادة والرئيس عبّاس قبل أشهر”.
استبعد الغول أن يكون اعتقال حليلة بقرار من مستويات عليا في السلطة، وأرجعه إلى تقديرات الأجهزة الأمنيّة مدفوعةً بوجود تحريض ضدّه، داعياً إلى الإفراج عنه ومحاورته.
