عودة المختارة إلى هدوئها..

مدة القراءة 5 د

أضعفت أحداث السويداء في سوريا وليد جنبلاط داخل البيئة الدرزيّة في كلا البلدين سوريا ولبنان. إلّا أنّ خصومه داخل هذه البيئة في البلدين لم يقووا على حساب ضعفه، بل راوحوا أماكنهم كمؤثّرين وفعّاليّات محدودة التأثير إن لم يكن تراجعوا في ذلك لألف سبب وسبب.

 

الزعامة الجنبلاطيّة منذ الشيخ بشير جنبلاط (1775/1825م) ارتبط اسمها بحال الدروز وأحوالهم، فإن قويت تلك الزعامة قوِي الدروز فكانت لهم أدوار وصولات وجولات، وإن ضعفت تلك الزعامة  ضعف الدروز وخبا نورهم وانكفأت أصواتهم. هذا ما كرّسه بشير جنبلاط عندما وضع شعار “الدفاع عن الدروز أولويّة”، فكان الزعيم الشجاع القويّ القادر على التوفيق بين التطرّف والاعتدال وبين الكفاح والوفاق، فجمع حوله العدد الأكبر من أبناء طائفته، معزّزاً فضيلة “حفظ الإخوان” وإن شهدت أيّامه خصومات ونزاعات درزيّة داخلية، إلّا أنّ زعامته الواسعة ألغت باقي الزعامات أو جعلت منها ظلالاً لزعامات سابقة.

عندما أُعدم الشيخ بشير جنبلاط شنقاً في عكّا عام 1825، كان في الخمسين من عمره. خفُت صوت الطائفة بعدما غاب صوت الزعيم. ولم يعد هذا الصوت إلى الارتفاع إلّا مع الستّ نظيرة التي أعادت للدروز ما فقدوا وباتت سيّدة قصر المختارة لثلاثة عقود كاملة. بعد اغتيال زوجها فؤاد في 6 أيلول 1922 في وادي عينبال، حملت هموم الطائفة على كتفيها وعلى يدها اليمنى حملت ولداً اسمه كمال جنبلاط في الرابعة من عمره. لم يخيّب الآمال الحفيد كمال، بل تجاوز الجميع ممّن سبقوه. لم يقتصر دوره على الزعامة الدرزيّة بل بات علَماً من أعلام اليسار العربي.

أضعفت أحداث السويداء في سوريا وليد جنبلاط داخل البيئة الدرزيّة في كلا البلدين سوريا ولبنان

باغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 شعر دروز لبنان بالضعف ومعهم كلّ من أحبّ “المعلّم” كما كانوا يطلقون عليه. في أشهر معدودات بدأ صاحب الدرّاجة الناريّة يحفر بالصخر صورة الزعيم. يصف البعض وليد جنبلاط بوريث بشير وليس والده كمال. قاد حروباً عسكريّة كما فعل بشير، وألغى بدوره كلّ الأدوار الدرزيّة كما فعل بشير، وهو حازم وشديد كما كان بشير، وتحديداً داخل الطائفة.

أحوال الوليد وتحدّيات الهويّة

ليست المرّة الأولى التي يواجه فيها وليد جنبلاط تحدّي الهويّة العربية للدروز. كان التحدّي الأوّل عام 1982 بوجه المشروع الإسرائيلي الذي جاء إلى الجبل والشوف بدبّابات تحمل العلم الإسرائيلي ومعه علم “الحدود الخمسة” وضبّاط وجنود من الكتلة الدرزيّة داخل فلسطين المحتلّة. حينها عاد وليد جنبلاط إلى بيروت المحاصَرة وحمل السلاح مع شباب حزبه الاشتراكي للدفاع عن بيروت مع المقاومة الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات. وفي أيّام الحصار التقى جنبلاط مع بعض رجال الأعمال الدروز في دار الطائفة الدرزيّة في بيروت بهدف جمع التبرّعات لإعالة المقاتلين وعائلاتهم المحاصَرين في بيروت. كان الزعيم  المحاصَر غاضباً فقال مخاطباً الحاضرين: “نحن نقاتل دفاعاً عن هويّتنا العربية وعن دورنا كدروز في التاريخ العربي”. انسحب الإسرائيلي وانسحبت معه أوهام الهويّة الزائفة وبقي الدروز جند العروبة واحتياط الأمّة، كما وصفهم الراحل الكبير الرئيس تقيّ الدين الصلح.

باغتيال كمال جنبلاط في 16 آذار 1977 شعر دروز لبنان بالضعف ومعهم كلّ من أحبّ “المعلّم” كما كانوا يطلقون عليه

بدأ وليد جنبلاط تفكيك الأزمة الدرزيّة في السويداء قطبة بعد قطبة. هو المدرك أنّ التحدّي كبير والمؤامرة أكبر، لكنّه دائماً يبدع في لحظة التحدّي فعمد إلى مسارين:

1- ضبط خطاب الحزب التقدّمي الاشتراكي تجاه الأحداث بحيث تكون أكثر توازناً وهدوءاً، وتضامن واسع مع البيئة المتضرّرة ومدّ يد العون لها إغاثيّاً وسياسيّاً وأمنيّاً، وهو ما تُرجم بالإفراج عن بعض المعتقلين من الدروز وفتح طريق دمشق السويداء والمطالبة بمحاسبة كلّ المرتكبين.

2- الحزم السياسي في ثلاثة أمور:

أ- رفض الانقسام والانفصال والتمسّك بوحدة سوريا.

ب- التمسّك بالهويّة العربية للدروز وعدم التهاون مع الدعوات إلى الاندماج والالتحاق بالكيان الإسرائيلي.
ج- منع نقل فتنة السويداء إلى لبنان.

إقرأ أيضاً: شيعة لبنان والقلق المفتعَل

عودة “البيك” إلى هدوئه

بعد قلق كبير اعتاده، يعود وليد جنبلاط إلى هدوئه وطمأنينته لسببين:

1- أنّ وحدة سوريا خطّ أحمر دولي وعربي، وبالتالي لا انفصال ولا انقسام، واللاهثون خلف ذلك سقطت أوراقهم وأوهامهم. فالانفصال في السويداء لا يقارب المنطق ولا الوقائع سياسيّاً وجغرافيّاً واقتصاديّاً.

2- أنّ نجله تيمور في احتفال مؤسّسة العرفان الأحد الفائت بدت عليه ملامح الزعيم الشابّ بكلمات قالها من خارج النصّ، فكانت النصّ كلّه بمفرداته ومضامينه، تسليماً منه بحكمة وقيادة والده.

عاصفة السويداء ككثير من العواصف التي عايشها وليد جنبلاط، عواصف تهبّ وتختفي ويبقى بيت جنبلاط عصيّاً على العواصف، وبعد كلّ عاصفة يعود إلى هدوئه كما عاد اليوم.

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

محمد بن سلمان فوق البروتوكول في البيت الأبيض

فرشت واشنطن السجادة الحمراء لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأقامت كل المراسم الشرفية، بما في ذلك العرض العسكري الجوي بطائرات “إف 35″،…

ترامب يكبح إسرائيل: هل استنجد نتنياهو ببوتين؟

يسهل استنتاج التحوُّل الذي طرأ على الإدارة في الولايات المتّحدة لفرض قرار واشنطن على قرار تل أبيب. ولطالما استعر جدل الباحثين خلال العقود المنصرمة بشأن…

تصويت مجلس الأمن وزيارة الأمير

ستتضح أمورٌ هامةٌ يترقبها العالم باهتمام بالغ، من خلال حدثين بارزين، الأول تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة وما بعدها، والثاني ما…

متى تستقر سورية في مواجهة المخاطر الكبرى؟

توجّه الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين آخرين، وخرج باتفاقٍ حول مكافحة الإرهاب. وفيما كان بنيامين نتنياهو…