“كسر عظم” في انتخابات الكويت

مدة القراءة 6 د

عندما يذهب الكويتيون إلى صناديق الاقتراع في 6 حزيران المقبل، سينتخبون المجلس رقم 3 خلال 4 سنوات:
– الأوّل انتُخب في 2020، وتمّ حلّه بقرار سياسي مرّتين.
– الثاني انتُخب في 2022، وتمّ إبطاله بقرار قضائي من قبل المحكمة الدستورية.
يعكس ذلك عُمق الأزمة السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، التي تكاد تتحوّل إلى “مُعضلة” الكويت في تاريخها الحديث. فلا الأولى قادرة على فهم حدود قدراتها، ولا الثانية مستعدّة للتعامل مع الواقع الشعبي بسلبيّاته وإيجابيّاته.

أسئلة وقلق

على هذه الحال، تدور أسئلة كثيرة في أذهان الكويتيين، جُلّها جوهري من مثل:
– هل تقود الانتخابات الجديدة إلى استقرار جدّي؟
– ما هو الفارق بين الذهاب إلى صناديق الاقتراع في 6 حزيران 2023 ونحن ذهبنا إليها قبل نحو 9 أشهر، في أيلول 2022؟
– من يستطيع أن يضمن لنا أنّ مجلس الأمّة الجديد سيُكمل ولايته المحدّدة دستورياً أربع سنوات؟
– متى ينتهي الصراع السياسي وتلتحق الكويت بشقيقاتها الخليجيات التي سبقتها كثيراً في مسيرة التطوير الاقتصادي والتنموي؟
– هل ننتخب صقوراً أم حمائم؟ وهل المعايير تبقى هي نفسها في اختياراتنا (وأبرزها قدرة النائب على توقيع المعاملات لـ”ربعه”، أي جماعته، وشخصيّته القويّة وقدراته الخطابية في مواجهة الحكومة)؟
أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة جداً، لكنّ المؤشّرات لا تشي بأنّ الكويت ذاهبة نحو الاستقرار بعد الانتخابات، أو حتى نحو “شهر عسل” بين الحكومة والمجلس.

في 2022، اختار كثيرون ممّن يوصفون بـ”النواب الحكوميين”، أي الموالين، أو حتى النواب الذين لا ينتمون للمعارضة الشرسة، الانكفاء عن المشهد وعدم الترشّح

غياب التفاهم
أبرز هذه المؤشّرات والمعطيات ما يلي:
1- غياب التفاهم بين رئيس الحكومة الحالي الشيخ أحمد النواف وغالبيّة النواب، مع ترجيح عودته بنسبة كبيرة إلى رئاسة الحكومة الجديدة التي ستُشكَّل بعد الانتخابات، بحلول نهاية حزيران وقبل عيد الأضحى، وستكون الرابعة له خلال سنة (الأولى في آب 2022، والثانية في تشرين الأول 2022، والثالثة في نيسان 2023).
بَرَزَ ذلك جليّاً خلال المسار بعد الانتخابات الأخيرة، حيث إنّ المجلس المُنتخَب في 2022 كان يضمّ غالبية من النواب المؤيّدة للنواف، أو بالحدّ الأدنى من الذين ليس لديهم أيّ مشكلة معه. ومع ذلك لم تصمد حكومته عند أوّل اختبارات جدّية، وقرّرت الاستقالة بدلاً من المواجهة عند بروز ملامح استجوابات قد تطاله شخصيّاً، علماً أنّه بلغة الأرقام كان قادراً ليس فقط على عبور الاستجوابات، بل أيضاً على حماية الكثير من وزرائه، ومنع سقوطهم بالتصويت.
2- وجود بوادر تشكُّل كتلة مُعارضة لرئيس الحكومة، يقودها رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم. فالرجل الذي اختار عدم خوض المعركة الماضية في 2022، كان أوّل من أعلن ترشُّحه للانتخابات المقبلة بعد دقائق من صدور مرسوم حلّ مجلس الأمّة، مساء الإثنين الماضي.
سبَقَ ذلك قيامه بشنّ هجوم عنيف على رئيس الوزراء، وصل إلى حدّ وصفه إيّاه بأنّه بات يشكّل “خطراً على الكويت”، متسائلاً عن إنجازات حكومته السابقة التي تتمثّل بـ”توحيد بشوت الوزراء” وصرف “رواتب استثنائية لك ولوزرائك”، وصدور عفو عن مجموعة صغيرة من الأشخاص وترك البقيّة، في مقابل رفض طلبات تحسين معيشة المواطن البسيط المُحتاج.
مع ترشُّح الغانم للانتخابات، يبرز احتمالان:
– الأول أن يُنتخب رئيساً لمجلس الأمّة في حال وصول أغلبية نيابية تؤيّده.
الثاني أن يحظى بالنيابة لكن من دون الرئاسة.

في الحالة الأولى، من غير الواضح كيف سيتعايش المجلس مع رئيس وزراء يرفض حتى الحديث أو التواصل معه، مع ما لذلك من تداعيات سياسية كبيرة. أمّا في الحالة الثانية، فإنّ الأمور واضحة مع تحوّله إلى معارض شرس للحكومة، وقيادته معركة إسقاطها في مجلس الأمّة، إن لم يكن بالضربة القاضية فبالضربات المتتالية.
3- عدم وجود رؤية واضحة أو “خريطة طريق” للتعامل مع الوضع السياسي وضمان عدم تكرار الأزمات. ففي صيف 2022 تمّ حلّ مجلس الأمّة بسبب خلافاته المستمرّة مع الحكومة، وجرت انتخابات جديدة أفرزت مجلساً جديداً مختلفاً بالشكل والمضمون عن سابقه. لكن على الرغم من ذلك، لم يدُم “شهر العسل” طويلاً مع الحكومة، وعادت الأزمات فاضطرّت الحكومة إلى الاستقالة.
صحيح أنّ حلّ مجلس الأمّة الآن لا ارتباط مباشراً له بالعلاقة بين السلطتين. لكنّ الواقعية السياسية تؤكّد أنّ مجلس 2022 “المُبطَل قضائياً” لم يكن قادراً على الاستمرار حتى نهاية ولايته في 2026.

الانتخابات مخرجاً وحيداً
باتت الانتخابات هي المخرج عند استفحال الأزمات، ومن بعدها يتمّ تشكيل حكومة جديدة. لكن كم مرّة يمكن استخدام هذا السيناريو – الحل، وإلى متى تبقى الكويت الدولة الخليجية الوحيدة الباحثة عن الاستقرار؟!
ربّما يكون جزءٌ من الجواب في صناديق الاقتراع، مع بروز معطيات عن أنّ الانتخابات هذه المرّة ستكون معركة “كسر عظم”.
في 2022، اختار كثيرون ممّن يوصفون بـ”النواب الحكوميين”، أي الموالين، أو حتى النواب الذين لا ينتمون للمعارضة الشرسة، الانكفاء عن المشهد وعدم الترشّح، أو شارك بعضهم وخسر المعركة، لكن هذه المرّة قرّر كثير منهم العودة إلى الساحة، ليس فقط لخوض الانتخابات، وإنّما أيضاً لمحاولة تشكيل كتل تُفضي إلى تكوين غالبية في المجلس الجديد.
مع ثبات الغالبية من نواب المعارضة على مواقفهم وعدم تأثّر شعبيّتهم كثيراً على الرغم من بعض الأضرار التي لحقت بها نتيجة تفرّقهم بعد الانتخابات الأخيرة، تبدو المعركة “مفصليّة” ليس فقط أثناء الانتخابات، وإنّما أيضاً في انتخابات رئاسة المجلس التي يُرجّح ألّا تكون بالتزكية كما حصل المرّة الماضية مع فوز رئيس مجلس الأمّة المُخضرم أحمد السعدون، وفي انتخابات اللجان النيابية التي تشكّل “المطبخ التشريعي” ومفتاح الحلول والأزمات لأنّ ما تُقرّه أو ترفضه من مشاريع قوانين يُحدّد بشكل كبير موقف الحكومة من المجلس، وتعاونها معه أو اصطدامها به.

إقرأ أيضاً: الكويت… استفحال الأزمة يُعيد نغمة “الإمارة الدستوريّة”

وكانت لافتةً الإشارة بالربط إلى أوضاع الداخل والخارج، في مرسوم حلّ مجلس الأمّة الذي أصدره وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد، مساء الإثنين الماضي، والذي ورد فيه أنّ قرار “الرجوع إلى الأمّة مصدر السلطات لتقرّر اختيار ممثّليها” جاء “احتكاماً إلى الدستور ونزولاً واحتراماً للإرادة الشعبية وصوناً للمصالح العليا للبلاد وحفاظاً على استقرارها في خضمّ المتغيّرات الاقتصادية الدولية والإقليمية في الوقت الراهن، ولتحقيق طموحها في غد أفضل يوفّر لمواطنيها الرفاهية والرقي ويجعلها في مصافّ الأمم المتقدّمة”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…