تبادل خدمات… ورهينة اسمها لبنان

مدة القراءة 5 د

ليس صعباً فهم أبعاد الرسالة المتمثّلة في إطلاق صواريخ من جنوب لبنان في اتجاه مستوطنات إسرائيلية حدودية. يبدو واضحاً أنّ الرسالة التي أراد “حزب الله” توجيهها، عبر تلك الصواريخ، من نوع الرسائل المركّبة، خصوصاً أنّه تبرّأ من عملية إطلاق الصواريخ وأوحى بأنّ “حماس” تقف خلفها.
يتوهّم الحزب بأنّ العالم لا يعرف أن لا وجود لشيء اسمه “حماس” في جنوب لبنان أو في أيّ منطقة لبنانيّة أخرى، وأن لا مجال لإطلاق ألعاب نارية، وليس إطلاق صاروخ، من دون غطاء منه. العالم ليس بالغباء الذي يتصوّره “حزب الله” الساعي إلى إثبات أنّه ما زال لاعباً إقليمياً من جهة، وأنّ لبنان كلّه في جيبه الصغيرة من جهة أخرى.
أهمّ ما في رسالة الحزب، وهو أداة إيرانيّة بامتياز كونه مجرّد لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أنّه يريد إبلاغ كلّ من يعنيه الأمر أنّه غير معنيّ بالاتفاق السعودي – الإيراني الذي رعته الصين. بكلام أوضح، ليس ما يدعو إلى أيّ ربط بين التهدئة بين السعوديّة و”الجمهوريّة الإسلاميّة” من جهة وبين سلوك “حزب الله” في لبنان من جهة أخرى. لدى الحزب مرشّحه لرئاسة الجمهوريّة يريد فرضه على اللبنانيين… وإلّا فعليهم العيش إلى ما لا نهاية في ظلّ الفراغ الرئاسي.
من هذا المنطلق، ليس صدفة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في يوم شهد لقاء في بيجينغ بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. كانت نتائج الاجتماع إيجابية، وكشف البيان الصادر عنه وجود رغبة لدى الجانبين في تطوير العلاقة بينهما بدءاً بخطوة إعادة العلاقات الدبلوماسيّة إلى وضعها الطبيعي وتبادل الزيارات من دون حاجة الوزيرين إلى الذهاب الى بيجينغ. لا تبعد الرياض عن طهران أكثر من ساعتين، على حدّ تعبير وزير الخارجية السعودي. لم تعد من حاجة إلى الذهاب إلى الصين لعقد مزيد من اللقاءات السعوديّة – الإيرانيّة. 

لم تجد وزارة الخارجية اللبنانية سوى إطلاق نكتة من نوع احتجاجها على خرق إسرائيل “السيادة اللبنانيّة” بدل أن تسأل نفسها ما الذي تفعله “حماس” وصواريخها في لبنان

ليس صدفة أيضاً اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في وقت كان إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في بيروت لعقد محادثات مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله وليجتمع بقادة الفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا ولبنان. لم تكن “فتح” في طبيعة الحال بين هذه الفصائل خصوصاً أنّ الزيارات المتكرّرة التي يقوم بها هنيّة للبنان تستهدف، بين ما تستهدف، احكام سيطرة “حماس”، بدل “فتح” في السيطرة على المخيمات الفلسطينية.
يبدو أنّ إسرائيل فهمت هذا الجانب من رسالة “حزب اللّه” واطلاق صواريخ من جنوب لبنان. يتعلّق هذا الجانب بحسابات داخلية لبنانية للحزب تشمل بين ما تشمله إحلال “حماس” مكان “فتح” في المخيمات واثبات أنّ  لا تأثير للتقارب السعودي – الإيراني على الوضع اللبناني. مثل هذا الفهم الإسرائيلي للرسالة، جعل الردّ على اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان ذا طابع فولكلوري مع تكرار إسرائيل ترديد رواية “حزب الله” عن مسؤولية “حماس”.
كانت الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان ومن غزّة والعملية التي استهدفت مستوطنين في الأغوار بمثابة هديّة لحكومة بنيامين نتانياهو التي تواجه أزمة لم يسبق لأي حكومة اسرائيليّة أن واجهت مثلها. يحصل ذلك في ظلّ انقسام عمودي للمجتمع الإسرائيلي. بات في الإمكان الحديث عن إسرائيلين وليس عن إسرائيل واحدة. إضافة إلى ذلك كلّه، أدّى التصعيد الذي مارسته “حماس” بغطاء من “حزب الله” إلى اطلاق يد إسرائيل في قمع المصلين في المسجد الأقصى. فجأة، لم يعد هناك اهتمام بالوضع الداخلي الإسرائيلي، كما غابت أحداث المسجد الأقصى عن الواجهة.

ما لن يغيب عن الواجهة في المدى الطويل، بغض النظر عن الهدايا التي تقدّمها “حماس”، بكلّ ما تمثّله، إلى حكومة نتانياهو أنّ إسرائيل لا تمتلك أي رؤية سياسية للمستقبل، رؤية تأخذ في الإعتبار أنّ ليس في استطاعتها إلغاء الشعب الفلسطيني. ليس ما يحدث في الأغوار، حيث قُتلت ثلاث مستوطنات اسرائيليات سوى دليل على ذلك. ستمرّ مرحلة الخدمات المتبادلة بين حكومة “بيبي” اليمينيّة المتطرفة و”حماس” والذين يقفون خلفها في إيران وغير إيران. ما الفارق عند إسرائيل، إذا كانت “فتح” تسيطر على المخيمات الفلسطينيّة في لبنان… أو حلّت مكانها “حماس” في تلك السيطرة؟
ما سيبقى أنّ لبنان ما زال ضحيّة للتجاذبات الإقليميّة. مطلوب بقاء لبنان رهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي يظهر أنّها مستعدة لتقديم تنازلات في اليمن في حين تبدو مصرّة على بقاء لبنان “ساحة” تمارس فيها هوايتها المفضلة المتمثلة في جمع أكبر عدد من الأوراق الإقليميّة في لعبة التفاوض مع “الشيطان الأكبر” الأميركي والأخذ والردّ الدائمين مع إسرائيل. يحدث ذلك في مرحلة لا وجود فيها لأيّ اهتمام حقيقي عربي أو دولي بمصير هذا البلد الذي تخلّى عنه قسم من أبنائه قبل أن يتخلّى عنه الآخرون.

إقرأ أيضاً: إيران تتنازل في اليمن… وليس في لبنان!

سجّل كل طرف معني النقاط التي يريد تسجيلها. تنفست حكومة “بيبي” الصعداء في معركتها مع قسم من الشعب الإسرائيلي، وهي معركة محورها دور السلطة القضائية في إسرائيل. أثبتت “حماس” أنها قادرة دائما أن تكون في خدمة نتانياهو وفي خدمة إيران في الوقت ذاته. أثبت “حزب الله” أنّه المرجعية الوحيدة في لبنان وأنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تتحكّم بكلّ مفاصل البلد. الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ قواعد اللعبة ما زالت قائمة وأنّ لا خرق في العمق لقواعد هذه اللعبة التي تسمح لإيران برسم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بغطاء من ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيسي الجمهورية وقتذاك. كان ذلك في سياق تبادل الخدمات بينها وبين “الكيان الصهيوني” الذي تسمّيه “الشيطان الأصغر”.

وسط كلّ ذلك، لم تجد وزارة الخارجية اللبنانية سوى إطلاق نكتة من نوع احتجاجها على خرق إسرائيل “السيادة اللبنانيّة” بدل أن تسأل نفسها ما الذي تفعله “حماس” وصواريخها في لبنان!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…