إذا كان البعض يرى أنّ الشغور الرئاسي ومرحلة تصريف الأعمال “كَربَجا” بالكامل قضية تحقيقات تفجير مرفأ بيروت، فإنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي التقى قبل أيام وفداً من أهالي ضحايا المرفأ وَعَدَهم بـ”حلّ نهائي للقضية”، كما قال وليام نون، أحد المتحدّثين باسم أهالي الضحايا.
تفيد معلومات “أساس” بأنّ عبود يضغط باتجاه اعتبار هيئة محكمة التمييز الحالية، بأعضائها الأصيلين والمنتدبين، قادرة على الالتئام وبتّ دعاوى الردّ والارتياب ضدّ المحقّق العدلي في قضية المرفأ، القاضي طارق البيطار، وهو ما قد يمهّد لاستئناف الأخير عمله.
في الواقع، لا سابقة لاجتماع هيئة محكمة التمييز بوجود قضاة منتدَبين يُكملون نصاب جلساتها. لكنّ مصادر مطّلعة تؤكّد لـ”أساس” أن “لا نصّ قانونياً صريحاً يمنع ذلك، لكن جرت العادة عرفاً أن لا يكتمل نصاب التصويت إلا من خلال القضاة الأصيلين في الهيئة، ولذلك يُتوقّع أن يستغلّ القاضي عبود هذه الثغرة ويعتبر جلسات الهيئة العامة لمحكمة التمييز قانونية ونصابها مكتملاً بوجود القضاة المنتدبين”.
تفيد معلومات “أساس” بأنّ عبود يضغط باتجاه اعتبار هيئة محكمة التمييز الحالية، بأعضائها الأصيلين والمنتدبين، قادرة على الالتئام وبتّ دعاوى الردّ والارتياب ضدّ المحقّق العدلي في قضية المرفأ
بالتأكيد، ستمهّد خطوة عبود بهذا الاتجاه لاستئناف القاضي طارق البيطار تحقيقات المرفأ، وطيّ صفحة القاضي الرديف، في حال ردّت الهيئة دعاوى الارتياب ضدّ البيطار.
توضح المصادر أنّ “عبود وبعدما استنفد كلّ الوسائل الممكنة سيخطو على الأرجح باتجاه كسر حالة الجمود التي تلّف القضية منذ أشهر طويلة”.
سمرندا نصّار ليست محايدة
تضيف المصادر: “صحيح أنّ القاضي عبود وافق على تعيين قاضٍ منتدب، لكنّ الحياد كان شرطاً أساسياً لم يتوافر بالقاضية سمرندا نصّار على الرغم من كفاءتها العالية، وذلك بسبب قربها من التيار الوطني الحر. وأتت موافقته المبدئية على القاضي المنتدب بعدما استنفد جميع محاولات إعادة البيطار إلى مكتبه ليمارس مهامّه محقّقاً عدلياً في القضية”.
تذكّر المصادر بأنّ “مجلس القضاء الأعلى وافق بالإجماع على التشكيلات القضائية الجزئية لرؤساء محاكم التمييز، وردّ المرسوم مرّتين (بعد رفض وزير المال توقيعه وطلب تعديله)، وذلك كمدخل وحيد لإعادة النصاب إلى الهيئة العامّة لمحكمة التمييز المخوّلة بتّ طلبات دعاوى الردّ ضدّ البيطار. ورفض عبود التسوية التي عرضها النائب الياس بو صعب بإضافة غرفة إلى غرف محاكم التمييز، فيما سقط اقتراح تقدّمت به نقابة المحامين بتعديل القانون بحيث لا تُرفع يد المحقّق العدلي تلقائياً عن الملف حين يُقدّم طلب ردّه، وتكون هناك هيئة عليا مخوّلة بتّ هذه الطلبات بحيث يستمرّ المحقّق العدلي بعمله إلى حين صدور قرار عن الهيئة”.
على الرغم من ذلك، ثمّة فريق قضائي وسياسي يعتبر أنّ عبود أخذ طرفاً، منذ البداية، في تحقيقات المرفأ، وغطّى جميع ارتكابات القاضي البيطار، وساهم في انقسام الجسم القضائي، و”لَعِبَها شعبوية” بسبب طموحه السياسي، وضغط على القضاة الذين تولّوا بتّ دعاوى الردّ ضدّ البيطار، وشارك في تأليب الشارع”.
بين عون وعبّود
فاجأ الرئيس ميشال عون الكثيرين في خطاب الوداع من القصر الجمهوري بالهجوم المباشر الذي شنّه على القاضي عبود “الذي لا يريد أن يُعيّن قاضياً ينظر في قضية ضحايانا وأبريائنا في السجون”. وكانت المفاجأة الكبرى في كشفه عن مداولات المجلس التي يجب أن تكون سرّيّة والمتعلّقة بتعيين قاضٍ رديف في قضية انفجار المرفأ “يبتّ الأمور الملحّة” بعد تعطّل عمل المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار.
ثمّة فريق قضائي وسياسي يعتبر أنّ عبود أخذ طرفاً، منذ البداية، في تحقيقات المرفأ، وغطّى جميع ارتكابات القاضي البيطار، وساهم في انقسام الجسم القضائي، بسبب طموحه السياسي
سمّى رئيس الجمهورية بالاسم قاضية التحقيق الأول سمرندا نصّار التي حصلت، كما قال عون، على الأصوات الكافية لتعيينها (بعد رفع وزير العدل هنري خوري اسمها إلى المجلس لِبَتّه)، فارتفع صوت رئيس مجلس القضاء الأعلى رافضاً كتابة محضر الجلسة وانسحب منها قائلاً: “إذا كنت أريد تعيين أحد القضاة فسأعيّنه على ذوقي”.
سبق ذلك، قبل أربعة أيام من نهاية ولايته الرئاسية، مَنح رئيس الجمهورية القاضية نصّار وسام الاستحقاق اللبناني المذهّب، بعدما منح النائب العامّ الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون الوسام نفسه. وقدّم عون أوسمة لقضاة آخرين قريبين من خطّه السياسي، من ضمنهم القاضي طانيوس الصغبيني. هؤلاء جميعهم لا يزالون يعملون في السلك القضائي، وهو أمر غير مسبوق، وفق مصادر قضائية، لجهة إعطاء “قاضٍ لا يزال يعمل في السلك وساماً، إذ يشكّل هذا الأمر تمييزاً سلطوياً واضحاً حيال القضاة ويتعارض مع الأصول ويشكّل تدخّلاً مباشراً في السلطة القضائية”.
هي سوابق رئاسية لها تبريراتها لدى رئيس الجمهورية السابق، ومنها أنّهم “قضاة يشكّلون مثالاً يحتذى في الاستقامة ومكافحة الفساد والنزاهة والشفافية والعمل من أجل الصالح العام”.
لكنّ أهميّة الخطوة المتعلّقة تحديداً بـ “الريّس عبود” والقاضية نصّار تكمن في كون تأثيراتها لا تنتهي مع مغادرة عون قصر بعبدا، إذ سترتبط بمعطيَين أساسيَّين:
– التسوية أو المخرج الذي سيحكم معضلة القاضي الرديف في حال بقيت تحقيقات القاضي البيطار معطّلة بسبب عدم توقيع وزير المال مرسوم تعيين رؤساء غرف التمييز الذين يشكّلون الهيئة العامة لمحكمة التمييز المولجة بتّ الدعاوى ضدّ البيطار وقضاة معنيّين بالملف.
– موقع القاضي سهيل عبود نفسه في المرحلة المقبلة البالغة الغموض سياسياً وقضائياً. فإن فُرِجت سياسياً ورئاسياً، هل يبقى عبود في موقعه ليُكمِل ما بدأه على صعيد ورشة القضاء ككلّ وإنعاش تشكيلات قضائية لم ترَ النور في عهد عون؟
– من جهة ثانية، هل تُدخِل المواجهة المُباشرة التي اندلعت بين عون وباسيل من جهة، والقاضي عبود من جهة أخرى، رئيس مجلس القضاء الأعلى نادي المرشّحين الجدّيّين لرئاسة الجمهورية. مع العلم أنّ فيتو باسيل عليه يوازي ذاك المرفوع بوجه سمير جعجع وسليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون؟
في الأيام الماضية كرّر باسيل معادلة تقضي بـ”ضرورة إبعاد المواقع المارونية في القضاء والأمن والمال عن دائرة الترشيحات الرئاسية”.
إقرأ أيضاً: انقسام داخل تكتّل باسيل وتوتّر مع الحزب!
بدت لافتةً في هذا السياق رسالةُ الدعم التي وجّهها مكتب المحاكم العدلية العليا الفرنكوفونية بإجماع أعضائه في 21 تشرين الأول الفائت إلى القاضي سهيل عبود (الرئيس السابق للمنظّمة) “لسعيه إلى دعم استقلالية السلطة القضائية المكرّسة في الدستور اللبناني والتي وحدها يمكن أن تضمن ثقة المواطنين بعدالتهم”.