ما هي آفة الحكّام العرب؟ ولماذا تسقط أنظمتهم بشكل تراجيدي؟ ولماذا لا ينتقل الحكم سلميّاً بدون أن يتمّ ذلك بأكلاف باهظة في المال والأرواح؟
يبدو وكأنّ هناك فرقاً زمنياً بين عصور الإصلاح السياسي في أوروبا وزمننا الحالي.
في أوروبا أدركهم الإصلاح السياسي منذ أكثر من 300 عام، فيما نحن نجلس في محطة قطار الإصلاح ننتظر رحلة قطار موعود لم يأتِ حتى الآن.
أهمّ ما في دراسة التاريخ هي خُلاصات دروسها المُستقاة بعد خبرة التعلّم والفهم لأسباب صعود وسقوط الأنظمة والأمم.
أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألّا يُحسن اختيار فريقه الأساسي، وألّا يتعامل مع أعضائه بناءً على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة
من هنا نسأل: ماذا علّمنا تاريخ المنطقة المعاصر عن أسباب بقاء أو سقوط الأنظمة العربية المعاصرة؟
إنّ التحليل العلمي المحايد البعيد عن الأدلجة السياسية يمكن أن يعطينا إجابة واضحة عن أسباب سقوط الأنظمة العربية المعاصرة.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء مرحلة نيل دول المنطقة استقلالها ظهرت عدّة أنظمة: ملكية، جمهورية، ثورية، محافظة، علمانية، دينية، مدنية، لكن كلّها عسكرية. وعلى الرغم من اختلافاتها، تجتمع في معادلة واحدة، هي عناصر بقاء ونجاح النظام أو فشله ورحيله.
وكما يُقال في برامج الطهو، كيف ننجح أو نفشل في إعداد كعكة الشوكولاتة، فنحن اليوم نسأل كيف تسقط أنظمة الحكم في عالمنا العربي المعاصر؟
أسباب فشل “طبخة استقرار الأنظمة” يمكن حصرها على النحو التالي:
1- الفساد المطلوب للحاكم.
2- عدم فساد الحاكم، لكن تغاضيه وسماحه للحلقة الضيّقة القريبة منه بممارسة الفساد والإفساد.
3- الاعتماد على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم في التصدّي لمشكلات البلاد والعباد.
4- تحوّل رجال الثقة بعد تمكّنهم من مفاصل الدولة إلى خدمة مصالحهم قبل مصالح الدولة، والولاء لأنفسهم قبل الولاء للحاكم والنظام.
5- استقواء بعض رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم، بمعنى “فليذهب الحاكم مقابل أن يبقى الحزب أو الجهاز أو التيار أو الطائفة”.
6- قيام بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية للاستقواء بها في معادلة اختطاف الحكم لصالحها.
7- صراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر بشكل مدمّر، وهو ما يجعل حالة العداء بين أجهزة الحكم بدلاً من أن يكون العداء أو الخصومة لأعداء النظام الحقيقيين. باختصار أن تكون مشاكل النظام الداخلية ذات أولوية على مشاكله مع الأعداء.
8- انصراف أجهزة الدولة المنوط بها الحفاظ على المال العامّ إلى الانشغال بتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصالح الوطن من خلال السمسرة والعمولات والرشى في منح التراخيص وترسية المناقصات العامّة بغير وجه حقّ وبدون البحث عن الصالح العامّ في ظلّ الشفافية والحياة التي يوفّرها القانون.
9- عدم اهتمام فريق الجهاز الحكومي بشؤون الدولة وانصرافه م إلى تصفية بعضه البعض، وهو ما يضعف الحكم والحاكم لصالح القوى المضادّة.
10- شعور بعض التيارات أو القوى بعدم أحقّيّة الحاكم في الحكم، وهو ما يجعلهم يتآمرون سرّاً على إضعافه والإضرار به حتى يتوافر لهم مناخ يمكّنهم ويُبرّر لهم الإطاحة به تحت دعوى “فشله في إدارة شؤون البلاد”.
11- تعرّض بعض الحكّام إنسانيّاً لضغوط عاطفية من أفراد عائلتهم تجعلهم يضعونهم في مناصب لا يستحقّونها وغير مؤهّلين لإدارتها وتحمّل مسؤوليّاتها الصعبة.
12- حاكم يجهل ما يُرضي شعبه وما يغضبه.
13- حاكم يعطي امتيازاً خاصاً استثنائياً لجهاز سيادي أو طبقة أو طائفة أو منطقة حيوية مفضّلاً أحدها على الآخر.
14- حاكم لا يتابع مدى التزام جهازه التنفيذي بأوامره وقراراته الرئيسية.
أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألّا يُحسن اختيار فريقه الأساسي، وألّا يتعامل مع أعضائه بناءً على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح والولاء الفارغة.
سقط حكّام كبار بسبب هذه الخطيئة بدءاً من يوليوس قيصر إلى هولاكو ثم إلى حكّام الدولة العبّاسية، وكان ذلك من أسباب سقوط الخلافة الإسلامية في الأندلس، وفشل الدولة العثمانية في مطلع القرن الماضي، وسقوط أسرة رومانوف في روسيا، وسقوط حكم هتلر والنازية، وفشل أنظمة سوريا وعبدالناصر وصدّام حسين والقذّافي وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي، والنهاية المأساوية لحكم الرئيس حسني مبارك.
قال سقراط لتلامذته: “السياسة هي علم الرئاسة”، وإنّ من لا يعرف كيف يرأس لا يعرف كيف يسوس.
إقرأ أيضاً: هل يمكن إعادة تركيب لبنان؟
كلّ الأسباب السابقة تزداد خطورتها وتصبح معها الأنظمة في مهبّ الرياح إذا ما توافرت وأجتمعت في عالم مرتبك فوضويّ مثل عالم اليوم.
لذلك كلّه، وتذكّروا كلامي، يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمّرة.