ماذا تعني ذكرى حرب حزيران؟

مدة القراءة 5 د

مرّت ذكرى مأساة السادس من حزيران 1967 من دون أن يتوقّف أمام أسبابها ونتائجها أحد، وكأنّ نصال المآسي تتكسّر فوق النصال.

في البداية دمّر الإسرائيليون الطائرات العسكرية المصرية. وبعد ذلك دمّروا الطائرات السورية والأردنية. كان ذلك يوم الإثنين. يوم الثلاثاء اجتاحوا سيناء، ودمّروا التحصينات العسكرية فيها. يوم الأربعاء احتلّوا مدينة القدس وصلّوا في ساحة الحرم الشريف. ويوم الخميس وصلوا إلى قناة السويس. ويوم الجمعة احتلّوا مرتفعات الجولان السورية المشرفة على دمشق. ومساء يوم السبت طالب العالم بوقف إطلاق النار.

الذين ينتظرون بناء الهيكل ليسوا اليهود فقط، لكنّ هناك آخرين أشدّ حماسةً وأكثر استعجالاً لبنائه، وهم “المسيحيون الصهيونيون” في الولايات المتحدة، وفي مناطق عديدة أخرى من العالم

يوم السبت هو يوم الراحة الدينية عند الإسرائيليين. وهكذا خلال ستّة أيام صنعت إسرائيل شرقاً أوسط جديداً. تمّ ذلك بسرعة فائقة. فسّرها الإسرائيليون بأنّها ما كانت لتتمّ لولا إرادة الله وتدخّله. وقف أحد الحاخامات أمام حائط المبكى في مدينة القدس القديمة نافخاً في البوق، ليعلن تحقيق هذه الإرادة الإلهية.

حدث ذلك بعد مرور 120 عاماً على المؤتمر الصهيوني الأوّل الذي عُقد في مدينة بال بسويسرا، وبعد مرور مئة عام على صدور وعد بلفور الإنكليزي بمنح اليهود وطناً قوميّاً في فلسطين، وبعد مرور سبعين عاماً على قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية.

منذ ذلك الوقت توقّفت الصراعات العسكرية العربية مع إسرائيل. تحوّلت الصراعات إلى الداخل الفلسطيني بين الإسرائيليين والفلسطينيين المتمرّدين على الاحتلال.

في ذلك الوقت أيضاً، بدأت المقارنة التفاضليّة بين السلاح الغربي (الأميركي – الأوروبي) الذي استخدمته إسرائيل في هجومها، والسلاح الشرقيّ الذي استخدمته الدول العربية في دفاعها. استمرّ ذلك إلى أن اتّخذ الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول قراره التاريخي في عام 1968 بالوقوف إلى جانب الحقّ العربي والفلسطيني، والذي تمثّل بوقف بيع الأسلحة والطائرات العسكرية (ميراج 3) إلى إسرائيل. منذ ذلك الوقت انصرفت إسرائيل إلى بناء مصانعها العسكرية. وهي اليوم تصدّر، حتّى إلى فرنسا، طائرات بدون طيّار. ثمّ دخلت في منظومة الدفاع العسكري الأميركي في الشرق الأوسط حيث تحوّل مرفأ حيفا إلى قاعدة متقدّمة للأسطول الأميركي السادس.

من الأقوال “المأثورة” لديفيد بن غوريون أوّل رئيس حكومة إسرائيلية أنّه “لا إسرائيل من دون القدس، ولا قدس من دون الهيكل”. والهيكل لا يُقام إلا على أنقاض قبّة الصخرة

“عبور القناة”

نشبت صراعات وحروب عربية – إسرائيلية، أهمّها حرب رمضان 1973. دفع اجتياز القوات المصرية قناة السويس وعودة القوات السورية إلى مرتفعات الجولان إلى أن هدّدت إسرائيل باستعمال السلاح النووي. كانت غولدا مائير رئيسةً للحكومة. لكنّ معادلة الصمت السوفياتي، والعمل الأميركي على ليّ ذراع الانتصار المصري في قناة السويس (عبر الدفرسوار) أدّيا إلى تثبيت الأمر الواقع. ومنذ ذلك الوقت لم تعد الحرب أداة للتغيير.

انطلقت المفاوضات السياسية في مدريد (إسبانيا)، ثمّ في الولايات المتحدة. فكان اتفاق بين أنور السادات ومناحيم بيغن (كامب ديفيد). ثمّ كان الاتفاق الأردني – الإسرائيلي (وادي عربة). وأخيراً الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي (أوسلو). لكن كما أنّ الحروب العسكرية لم تغيّر من الواقع على الأرض، كذلك عجزت الاتفاقات السياسية عن تحقيق أيّ تغيير إلى أن طرح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مشروع “صفقة القرن”.

ليس صحيحاً أنّ المشروع فشل. نجاحه يتمثّل في التفاهمات التي تمّت بين إسرائيل وكلّ من المغرب والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين. فهل يمكن لهذه التفاهمات أن تفتح صفحة عربية – إسرائيلية جديدة؟

الاقتحامات اليهودية المتكرّرة للحرم القدسي، وكذلك لحرم كنيسة القيامة، لا تجيب بالإيجاب. من هنا السؤال عما إذا كانت الصراعات العسكرية لم تغيّر، وإذا كانت التفاهمات السياسية لم تغيّر، فكيف يمكن تغيير الأمر الواقع والمتفجّر بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

من الأقوال “المأثورة” لديفيد بن غوريون أوّل رئيس حكومة إسرائيلية أنّه “لا إسرائيل من دون القدس، ولا قدس من دون الهيكل”. والهيكل لا يُقام إلا على أنقاض قبّة الصخرة.

الذين ينتظرون بناء الهيكل ليسوا اليهود فقط، لكنّ هناك آخرين أشدّ حماسةً وأكثر استعجالاً لبنائه، وهم “المسيحيون الصهيونيون” في الولايات المتحدة، وفي مناطق عديدة أخرى من العالم.

إقرأ أيضاً: بينيت: ولّى زمن حصانة نظام إيران

يؤمن هؤلاء “بالعودة الثانية للمسيح”. ولكن من شروط هذه العودة بناء الهيكل، الذي يعلن منه المسيح العائد عن نفسه. ويؤمن هؤلاء أيضاً بأنّ عودة المسيح سوف تحوّل الإنسانية كلّها إلى المسيحية، بمن فيها اليهود، وسوف يُباد (هرمجيدون) كلّ معارض وكافر (المسلمون).

وهكذا تلتقي هذه الحركة الدينية القوية (كان من أتباعها الرئيس الأميركي رونالد ريغان والرئيس جيمي كارتر وكثير من كبار العسكريين والسياسيين، ومنهم نائب الرئيس السابق ترامب، والإعلاميين والدبلوماسيين في الولايات المتحدة) مع المشروع الإسرائيلي. فهل تكون هرمجيدون هي الحلّ؟

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…