الكويت.. الأصليون أهم من العدد

منذ قرّر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد إعطاء الضوء الأخضر لإجراء العملية الجراحية الشائكة لملف “الهوية الوطنية”، بات المشهد في الكويت مختلفاً، وتحوّل يوما الخميس والأحد من كل أسبوع “كابوساً” لكثيرين، في الأول تجتمع اللجنة العليا للجنسية وتقرّر الأعداد التي ستسحب منها الجنسية، وفي الثاني تنشر الجريدة الرسمية أسماء الذين سُحبت جنسياتهم.

مع دخول شهر آذار 2025، تنطوي السنة الأولى من العملية المستمرة، بسحب الجنسية من أكثر من 33400 رجل وامرأة. ومع احتساب الآلاف من الذين اكتسبوها بالتبعية من بعض هؤلاء، يرتفع الرقم كثيراً ربما لحوالي 4 – 5 أضعاف، على أقل تقدير.

يعني ذلك أن عدد المواطنين الكويتيين انخفض بحوالي 150 ألفاً إلى 200 ألف، لكن “العدد لا يهمّ بل المهم أن يكون مواطنو الكويت من أهلها ومن نسل أهل الكويت الأصليين، الذين عاش آباؤهم وأجدادهم فيها من قديم الزمان”، بحسب ما أكد وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف الصباح، الذي تحدث عن قرار حازم بالمضي في الملف حتى النهاية.

 

يتولى وزير الداخلية أيضاً مسؤولية رئاسة اللجنة العليا لتحقيق الجنسية التي تجتمع أسبوعياً لبحث ملفات الجنسيات المتنوعة، وأبرزها:

1 – الزوجات اللاتي حصلن على الجنسية من أزواجهن الكويتيين اعتباراً من العام 1987 وحتى 2024 (لأنه قبل ذلك العام لم يكن هناك إشكالية في آلية منح الجنسية للزوجات الأجنبيات).

2 – المزوّرون الذين حصلوا على الجنسية بالخداع والغش أو بدفع الأموال.

3 – المزدوجون الذين يمتلكون جنسية أخرى إلى جانب “الكويتية”، وهو أمر محظور قانوناً في الكويت.

4 – المتجنّسون على بند “الأعمال الجليلة”، وكثير منهم فنانون ومشاهير.

أظهرت الأرقام والمعلومات أن الفئة الأولى تضم حوالي 32 ألف امرأة، تم الانتهاء من سحب الجنسيات منهن، فيما تضم الفئة الرابعة حوالي 1600 شخص يجري حالياً العمل على تدقيق ملفاتهم. أما بالنسبة للفئتين الثانية والثالثة فلا عدد محدداً لصعوبة الإحاطة بكل التفاصيل، وإن كانت التقديرات تشير إلى عشرات الآلاف.

منذ قرّر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد إعطاء الضوء الأخضر لإجراء العملية الجراحية الشائكة لملف “الهوية الوطنية”، بات المشهد في الكويت مختلفاً

خلط الأنساب

في لقاء مع تلفزيون “الراي” أول أيام رمضان، أسهَبَ وزير الداخلية في شرح قضايا سحب الجنسيات (يقال لها “الجناسي” في الكويت والخليج) وجزَمَ بأن الدولة ماضية فيه حتى النهاية حتى لو استمر العمل “10 أو 15 سنة”.

وعندما سئل عن انعكاسات ذلك على أعداد المواطنين التي ستنخفض، قال الوزير إن العدد غير مهم بل المهم أن يكون حامل الجنسية من السكان الأصليين ومستحقاً لها، مشيراً إلى أن عدد الكويتيين قبل الغزو العراقي في عام 1990 كان تقريباً 600 ألف، فيما يصل حالياً إلى حوالي 1.5 مليون.

الكويت

ومع الأخذ بالاعتبار النمو الطبيعي للسكان، لكن أعداد الكويتيين ازدادت بطريقة “فلكية”، بعد مرحلة الغزو والتحرير، بحسب الوزير اليوسف، الذي اعتبر أن “الكويت كانت مُختطفة” بفعل مزيج الجنسيات المختلفة المنصهرة في المجتمع الكويتي دون وثائق تثبت صحة الأنساب. وقال: “توجد جنسيات دخيلة على مجتمع الكويت في حياتها الاجتماعية وفي لغتها وفي طبعها، وهذا أدى إلى خلط في الأنساب، ومستمر منذ 40 أو 50 سنة”.

الزوجات والفنانون

في معرض شرحه عن أسباب تفاقم الأزمة ووصولها إلى هذه الدرجة من الخطورة، أوضح اليوسف أن الحكومات السابقة اتخذت خطوات جادة من أجل تشكيل لجان خاصة بتصحيح الأوضاع في ملف الجنسية، غير أن تلك الخطوات اصطدمت بالرفض من قبل مجالس الأمة المتعاقبة “حتى لا ينفتح الملف على مصراعيه” كما هو في الوقت الراهن.

تضع الحكومة الكويتية هذا الملف على رأس الأولويات وتهدف إلى طي صفحته نهائياً، من خلال 3 مسارات

وأوضح أن فتح ملفات زوجات الكويتيين الأجنبيات كشف عن أنهن ينتمين إلى 66 بلداً، فـ “الكويتيون لم يتركوا بلداً في العالم إلا وتزوّجوا منه”، بحسب ما قال الوزير، مؤكداً أن الحكومة تواصلت مع العديد من الدول المعنية، والتي أعربت عن عدم ممانعتها بإعادة الجنسية لأي امرأة كانت قد تنازلت عنها لدى حصولها على “الكويتية” بعد الزواج.

وعن سحب جنسيات الفنانين الكويتيين (الذين حصلوا عليها وفق بند “الأعمال الجليلة”)، تساءل الشيخ فهد اليوسف الصباح: “ماذا قدّموا للكويت؟”، موضحاً أن معظمهم يتمتعون بمزايا جنسيات أخرى.

أكّد أن بعض الأشخاص حصلوا على الجنسية الكويتية تحت مسمى “الأعمال الجليلة”، لكنها في الحقيقة كانت مصالح شخصية لمسؤولين وأعضاء بمجلس الأمة أو مقابل أموال، وستسقط الجنسية عنهم “حين مراجعتنا ملف الأعمال الجليلة”.

3 مسارات

عكَسَ كلام الوزير موقفاً حازماً بالمضي في ملف الجنسية الشائك، بلا تردد أو مجاملة، وهو كان واضحاً أيضاً في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المحلية ، بقوله إن الأمير طلب منه تطبيق القانون بمسطرة واحدة على الجميع “ولو على أبنائي”، وإن سحب الجنسية من زوجات الكويتيين طال 20 حالة على الأقل لنساء متزوجات من شيوخ من الأسرة الحاكمة.

يتولى وزير الداخلية أيضاً مسؤولية رئاسة اللجنة العليا لتحقيق الجنسية التي تجتمع أسبوعياً لبحث ملفات الجنسيات المتنوعة

تضع الحكومة الكويتية هذا الملف على رأس الأولويات وتهدف إلى طي صفحته نهائياً، من خلال 3 مسارات:

1 – استكمال سحب الجنسيات من غير المستحقين، وهي عملية شبه يومية ستستمر حتى الانتهاء من جميع الملفات المطروحة والتي يمكن أن تستجد في المستقبل. ويكمن التحدي الأكبر في ملف “المُزدوجين” الذين يمتلكون جنسيتين أو أكثر، لأن الاسم قد لا يكون متطابقاً ولأن الدول الثانية قد تكون قوانينها تجيز “الازدواجية”، لذا فإن هذا الجزء من الملف هو الأكبر والأكثر تعقيداً.

2 – تعديل قانون الجنسية لضبط شروط منحها وسحبها، وهو ما تم بالفعل قبل أشهر.

3- إقرار قانون خاص لحل مشكلة فئة “البدون” (لا يمتلكون أي جنسية)، الذين يقدر عددهم بحوالي ربع مليون نسمة، وهو أمر متوقع في الأسابيع والأشهر المقبلة.

مواضيع ذات صلة

دفء السّعوديّة “يُذيب” جليد أوكرانيا وروسيا..

أطلقت السعودية خلال السنوات الأخيرة ديناميّات، في السرّ والعلن، تفسّر الدور الذي تضطلع به هذه الأيّام لإنهاء الحرب في أوكرانيا. راكمت المواقف والسياسات في ملفّات…

بعد عشرين عاماً 14 آذار تُعلن انتصارها

بعد عشرين عاماً على 14 آذار، ما زال الوطن وما زلنا نحن الناس على الرصيف. بدأت الحكاية هناك. صمود وصبر ثمّ إصرارٌ كبيرٌ بمواجهة الاستفزاز…

“فتح” هي المعضلة… وهي الحلّ

صرفت القوى السياسية الفلسطينية من أكبرها إلى أصغرها جهوداً لمعالجة أوضاعها الداخلية، فاقت كثيراً الجهود التي يفترض أن تبذل في مواجهة الخصم المشترك. في زمن…

كمال جنبلاط في ذكراه الـ48… التّقوقع مقتلة والانفتاح خلاص

لم يغِب كمال جنبلاط يوماً، ليحضر اليوم. لم يفارقنا قطّ. نحن الذين فارقناه. فارقناه ونأينا كثيراً. نأينا حتّى صار السجن الصغير زنزانةً في السجن الكبير….