تقع مزارع شبعا، بالنسبة للأمم المتحدة، ضمن الحدود السورية. وهي ليست لبنانية، ولذلك يعتبر الأمين العامّ للأمم المتحدة أنّ إسرائيل انسحبت في عام 2000 من كامل الأراضي اللبنانيّة. وقد أقرّ مجلس الأمن هذا الاستنتاج في بيان رئاسي باسم المجلس بتاريخ 18 حزيران 2000.
هذا علماً أنّ مجلس الأمن قد أكّد مراراً أنّ إسرائيل قد سحبت في عام 2000 قوّاتها من جميع الأراضي اللبنانية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 425 (1978)، وأنّه يعتبر مزارع شبعا أرضاً سوريّة محتلّة، بناء على المعلومات التي توافرت للأمم المتحدة بشأن الحدود الدولية عند ترسيم الخطّ الأزرق للانسحاب.
أشار الأمين العامّ للأمم المتحدة، بموجب التقرير الذي رفعه إلى مجلس الأمن بتاريخ 22 أيار 2000، إلى أنّ كلّ الخرائط التي اطّلع عليها والبالغة 81 خريطة، 25 منها صادرة عن حكومتَي لبنان وسوريا، و10 منها بحوزة الأمم المتحدة صادِرة بعد عام 1966 من قبل مختلف المؤسّسات الحكومية اللبنانية، بما فيها وزارة الدفاع والجيش، تجعل موقع مزارع شبعا داخل الأراضي السورية، باستثناء خريطة لبنانية واحدة مشكوك في صحّتها صادرة في عام 1996.
أكّد أنّ منطقة مزارع شبعا كانت على الدوام تقع في نطاق عمليّات قوّة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك منذ عام 1974، وهو أمر لم ينازع فيه أيّ طرف، بل لم يتغيّر حتى عندما أنشئت قوّة الأمم المتحدة المؤقّتة في لبنان في عام 1978.
خاضعة للقرارين 242 و338
إذاً يُستنتج أنّ تلك المنطقة التي تخضع للاحتلال الإسرائيلي خاضعة لقرارَي مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973)، وبالتالي لا يمكن للبنان اعتبارها أرضاً لبنانية. فلا تزال تعتبر الأمانة العامّة للأمم المتّحدة أنّ مسألة منطقة مزارع شبعا لا تزال تُطرح، خلافاً لقرارات مجلس الأمن المتكرّرة، لتبرير وجود “الحزب” وتبرير أنشطته في ما يتعلّق بالنشاط العسكري عبر الخطّ الأزرق.
إنّ ممثّلي الجمهورية العربية السورية قد صرّحوا مراراً بأنّ سوريا توافق من حيث المبدأ على فكرة أنّ مزارع شبعا هي أرض لبنانية
هذا ولا يمسّ تحديد الأمم المتحدة لوضع مزارع شبعا بأيّ اتّفاق معترف به دوليّاً بشأن الحدود قد يرغب لبنان وسوريا إبرامه في المستقبل بموجب القانون الدولي.
يقتضي التنويه بأنّ المشاركين في الحوار الوطني اللبناني أكّدوا دعمهم في 14 آذار 2006 لجميع الاتّصالات التي تجريها حكومة لبنان من أجل “إرساء الهويّة اللبنانية لمزارع شبعا” وترسيم حدود هذه المنطقة وفقاً للإجراءات والمبادئ التي أقرّتها وقبلتها الأمم المتحدة.
قبيل صدور القرار 1701 في آب 2006، اقترحت الحكومة اللبنانية إعلان اتّفاق يشمل التزاماً من مجلس الأمن بوضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المجاورة لها تحت ولاية الأمم المتحدة، إلى حين ترسيم الحدود وحسم مسألة سيادة لبنان عليها حسماً تامّاً. إلّا أنّ تنفيذ هذا التدبير يستلزم تحديد النطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا على وجه الدقّة، من أجل نقل السيادة على منطقة مزارع شبعا من سوريا إلى لبنان.
في كانون الأوّل 2006 أطلع الأمين العامّ للأمم المتحدة رئيس مجلس الأمن أنّه قام بتعيين رسّام خرائط من أجل دراسة التعريف الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا، فعكف الرسام على استعراض جميع الموادّ المتاحة وعلى تصنيف وتحليل الوثائق، والتحقّق من المعلومات التي يمكن اعتبارها أدلّة على الحدود في منطقة مزارع شبعا، وإعادة تجميعها. وبالإضافة إلى ذلك، طلبت الأمانة العامّة من لبنان تقديم مزيد من التفاصيل، ووجّهت دعوة مماثلة إلى الجمهورية العربية السورية لتقديم أيّة موادّ ذات صلة بالموضوع، وتوجّهت إلى إسرائيل بطلب تعاون.
150 مستنداً لبنانيّاً
استجابةً لطلب الأمم المتّحدة، قدّمت الحكومة اللبنانية مجموعة من 150 مستنداً تأييداً لمطالبتها بمنطقة مزارع شبعا، من ضمنها الوثائق والرسوم التخطيطية التي عُثر عليها في الآونة الأخيرة في المحفوظات الدبلوماسية الموجودة في نانت في فرنسا، التي تشهد على الهويّة اللبنانية لمزارع شبعا منذ تاريخ طويل.
قال الأمين العامّ للأمم المتحدة إنّ منطقة مزارع شبعا تظلّ تشكّل إحدى المسائل الرئيسة في ما يتعلّق بتنفيذ القرار 1701
تطرح حكومة لبنان حجّة مؤدّاها أنّ خطّ حدود عام 1920 خلال فترة الانتداب الذي يحدّد الحدود بين لبنان وسوريا في هذه المنطقة قد رُسِّم استناداً إلى معرفة ضئيلة بالحقائق الجغرافية، واستمرّ الوضع الناشئ عن ذلك منذ ذلك الحين، ولاحظت الأمانة العامّة للأمم المتحدة أنّ كثيراً من الوثائق التي جرى فحصها، بما في ذلك المراسلات الدبلوماسية السالفة الذكر، لم تكن مُتاحة من قبل.
تحديد دقيق للمزارع
توصّل رسّام الخرائط المعيّن من الأمم المتحدة إلى تحديد دقيق لمنطقة مزارع شبعا، خصوصاً بعد زيارته لها على أرض الواقع في 5 أيلول 2007، وتكوين انطباع قائمٍ على الرؤية الفيزيوغرافية للمنطقة، ولا سيما تشكيلة منحدر وادي العسل، والأهمّ أنّ الاستعراض المرئي كان متّسقاً مع نتائج تحليل البيانات التي قدّمتها الحكومة اللبنانية.
جاء تحديد الأمم المتحدة المؤقّت للنطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا على النحو التالي: “تبدأ من النقطة الفاصلة للخطّ الفرنسي لعام 1920 الواقع جنوب قرية اﻟﻤﺠيدية مباشرة، وتمتدّ من هناك نحو الجنوب الشرقي على طول حدود عام 1946 لمغر شبعا إلى أن تصل إلى محور وادي العسل. ومن هناك تتبع محور الوادي نحو الشمال الشرقي إلى أن تصل إلى قمّة الجبل الواقع شمال قرية مزرعة برعشيت السابقة وتتّصل بخطّ عام 1920”.
قال الأمين العامّ للأمم المتحدة إنّ منطقة مزارع شبعا تظلّ تشكّل إحدى المسائل الرئيسة في ما يتعلّق بتنفيذ القرار 1701، ويقتضي الأمر على وجه الخصوص التعاون الكامل من جانب لبنان وسوريا وإسرائيل، مكرّراً دعوته الملحّة لسوريا ولبنان إلى اتّخاذ الخطوات اللازمة لترسيم الحدود المشتركة بينهما، عملاً بالقرارات 1559، 1680 و1701.
في كانون الأوّل 2006 أطلع الأمين العامّ للأمم المتحدة رئيس مجلس الأمن أنّه قام بتعيين رسّام خرائط من أجل دراسة التعريف الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا
لم يحقّق الأمين العامّ للأمم المتّحدة أيّ تقدّم في ما يتعلّق بمسألة مزارع شبعا، وفقاً للفقرة 10 من القرار 1701 (2006)، بعد مطالباته المتكرّرة لإسرائيل وسوريا بالاستجابة لاقتراحه بشأن التحديد المؤقّت لمنطقة مزارع شبعا الوارد في تقريره بتاريخ 30 تشرين الأول 2007 حول تطبيق القرار 1701، بل بالعكس لم تحترم إسرائيل الخطّ الأزرق، بل تواصل احتلال الجزء الشمالي لقرية الغجر ومنطقة مجاورة شمال الخطّ الأزرق منتهكةً سيادة لبنان والقرارين 1559 (2004) و1701 (2006).
إشكاليّة الاعتراف السّوريّ بلبنانيّة مزارع شبعا
إنّ ممثّلي الجمهورية العربية السورية قد صرّحوا مراراً بأنّ سوريا توافق من حيث المبدأ على فكرة أنّ مزارع شبعا هي أرض لبنانية، وأبرزها الرسالة المؤرّخة 27 نيسان 2005، التي وجّهها وزير الخارجية السوري فاروق الشّرع إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة بشأن تطبيق القرار 1559 (2004)، واعترف فيها بلبنانيّة مزارع شبعا، مشيراً إلى أنّه “يحقّ لسورية التي قدّمت نموذجاً يحتذى في الالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، (…) أن تحثّ مجلس الأمن على بذل الجهود وإظهار العزم والجدّية ذاتهما لتنفيذ بقيّة قرارات مجلس الأمن، وخاصة تلك المتعلّقة بانسحاب القوات الإسرائيلية التامّ من الجولان السوري المحتلّ و”مزارع شبعا اللبنانية”، (…)”. تُضاف إليها التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس السوري فاروق الشّرع للصحافة عقب اجتماعه بالرئيس المصري حسني مبارك في شرم الشيخ في 13 آذار 2006.
في اجتماع عقد في دمشق في 6 تشرين الثاني 2008 كرّر وزير خارجية سوريا التأكيد بشكل قاطع لمنسّق الأمين العامّ للأمم المتحدة الخاصّ بلبنان أنّ مزارع شبعا تخضع لسيادة لبنان.
الأهمّ أنّ حكومة الجمهورية العربية السورية قد أبلغت الأمين العامّ للأمم المتحدة في ربيع 2007 أنّ حلّ مسألة مزارع شبعا لن يتسنّى إلّا بعد إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، وإن كانت تتّفق مع الموقف اللبناني القائل بأنّ مزارع شبعا لبنانية. ويعتبر الأمين العامّ للأمم المتحدة أنّ سياسة حكومة الجمهورية العربية السورية هذه تتنافى مع القرارين 1680(2006) و1701(2006).
تقع مزارع شبعا، بالنسبة للأمم المتحدة، ضمن الحدود السورية. وهي ليست لبنانية
الحلّ في سياق حلّ قضيّة الجولان
على الرغم من مواصلة المسؤولين السوريين التأكيد للأمين العامّ أنّ مزارع شبعا هي منطقة لبنانية وتأكيدهم هذا الموقف لمنسّقه الخاصّ خلال زيارته دمشق في 18 شباط 2010، يؤكّد مسؤولون في كلّ من سوريا وإسرائيل للأمم المتحدة أنّ حلّ هذه القضيّة يكون في سياق حلّ قضية الجولان السوري الذي تحتلّه إسرائيل.
إقرأ أيضاً: ترسيم الحدود مع سوريا وتحدّيات القرارين 1680 و1701 (3/1)
تجدر الإشارة إلى أنّ سوريا لم تبدِ أيّ تعاونٍ مع الأمم المتحدة بشأن ترسيم منطقة مزارع شبعا، فهي لم تردّ حتّى تاريخه على رسالة الأمين العامّ المؤرّخة 3 تشرين الأوّل 2007 التي طلب فيها وثائق معيّنة من شأنها أن تساعد في دقّة رسم الإحداثيات الجغرافية للخطّ ذي الصلة بالموضوع. إضافة إلى أنّه لم يتمّ أيّ ردّ رسمي على التحديد المؤقّت المقدّم من رسّام الخرائط من سوريا و”إسرائيل”.
*محامٍ دوليّ وأستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانيّة.