عالم العجلات المسنّنة.. حافة الهاوية الأميركية

مدة القراءة 8 د

ينشر “أساس” 5 حلقات تلخّص ملفّاً ضخماً جدّاً أعدّته مجلة “إيكونوميست” البريطانية الواسعة الانتشار والمعروفة بموضوعيتها عن العام المقبل، وقامت الزميلة إيمان شمص بترجمته إلى العربية ليكون بمثابة رؤيّة دولية لـ”عام التحوّلات” الذي عنونت به “أساس” ملفها السنويّ ويُنشر اعتباراً من يوم غد السبت.

في الحلقة الرابعة:

غزو أوكرانيا والركود

إنّ التقدّم السريع الذي تحرزه أوكرانيا قد يهدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن يبدو أنّ المأزق الطاحن المرجَّح يبرز في ثلاثة سيناريوهات تتعلّق بالحرب بين البلدين:

تتّجه البلدان التي تسارع إلى الحصول على إمداداتها من الطاقة إلى العودة إلى الوقود الأحفوري القذر. لكن على المدى المتوسط، ستسرّع الحرب التحوُّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة

– أن تحاول روسيا إطالة أمد الصراع على أمل أن يؤدّي نقص الطاقة والتحوّلات السياسية في أميركا إلى تقويض الدعم الغربي لأوكرانيا.

– أن تخاطر روسيا بأن تصبح غير قابلة للحكم وتغرق في الفوضى وفي خسارة نفوذها في الشرق الأوسط.

– أن تعيد الحرب في أوكرانيا تشكيل التحالفات الأميركية العالمية.

كان الأثر اللاحق لجائحة كورونا هو الركود، الذي غذّته أسعار الطاقة المرتفعة، التي تسبّبت في حدوث فوضى في أوروبا ومعظم أنحاء العالم، وأدّت إلى زيادة التضخّم وارتفاع احتمال حدوث ركود.

في عام 2023، سيظلّ العالم يتصارع مع أسواق النفط والغاز غير المستقرّة. لكنّه سيضاعف أيضاً جهوده لإنشاء نظام طاقة أرخص وأنظف وأكثر أماناً. ستدخل الاقتصادات الكبرى في حالة ركود، فترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لكبح التضخّم. ومن المتوقّع أن يكون الركود الأميركي معتدلاً نسبياً. وسيكون الركود الأوروبي أكثر قسوة. وستكون المعاناة عالمية لأنّ الدولار القويّ سيُلحق الضرر بالبلدان الفقيرة التي تضرّرت بالفعل من ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية. ستؤذي أسعار الطاقة المرتفعة الشركات والمستهلكين في عام 2023، وسيصبح الجوع العالمي مشكلة تتعلّق بالسعر أكثر منها بالتوافر.

نظام طاقة عالمي جديد بالكامل آخذٌ في الظهور. تتّجه البلدان التي تسارع إلى الحصول على إمداداتها من الطاقة إلى العودة إلى الوقود الأحفوري القذر. لكن على المدى المتوسط، ستسرّع الحرب التحوُّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة لأنّها بديل أكثر أماناً للهيدروكربونات التي يوفرها المستبدّون، ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إضافة إلى الطاقة النووية والهيدروجين. على المدى القصير سيكون الاستثمار في تلويث الوقود الأحفوري مقابل الأمن. على المدى الطويل سيتبنّى العالم سياسة صناعية تقودها الدولة في محاولة لتسريع بناء مصادر الطاقة المتجدّدة.

 

الهند بدلاً من الصين؟

في وقت ما في نيسان من عام 2023، سيتجاوز عدد سكّان الهند عدد سكّان الصين، ويقف عند حوالي 1.43 مليار نسمة، فتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكّان. وهذا سيزيد سكّان العالم من 8 مليارات اليوم إلى 9.7 مليارات مع حلول عام 2050، وسيصل العدد إلى 10.4 مليارات في منتصف العقد الثامن من هذا القرن.

مع انخفاض عدد سكّان الصين، ومواجهة اقتصادها رياحاً معاكسة، نتوقّع الكثير من النقاش في أن تكون الصين قد وصلت إلى ذروتها. فتباطؤ النموّ يعني أنّ اقتصادها قد لا يتجاوز أبداً حجم اقتصاد أميركا.

ترد إدارة بايدن أنها قادرة على صد كل من روسيا والصين لكن الميزانيات العسكرية،  حتى الأميركية الضخمة، لها دائماً حدودها

أميركا منقسمة

تشهد أميركا حقبة سياسية جديدة ومربكة في 2023: مباراة حاقدة بين خصمين داخليين تهدد ديموقراطيتها. استعادة الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب سيؤدي إلى حكومة منقسمة تستمر حتى بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ويصعب أن تحقق أي إنجاز هام

يرى مدير مكتب واشنطن للمجلة إدريس كاهلون أن “كل شيء سيتباطأ في ظل حكومة منقسمة. ليست التفاصيل السياسية ما يوحد الجمهوريين، بل ازدراؤهم الديمقراطيين وحلفائهم من النخب التجارية والثقافية. قد يركز الطرفان على إصدار لوائح شاملة في شأن التلوث والأعمال التجارية الكبرى بدل تركيزهما على التشريع.

2023 هي سنة سباق الخلافة بين ترامب وبايدن. لكن قد يكون لدى أحزابهم أفكاراً أخرى. في المعسكر الديمقراطي، سيتعرض بايدن لضغوط لحمله على عدم الترشح لولاية ثانية بسبب سنه وانخفاض معدلات شعبيته، لكن بايدن قد يتغلب على هذه البضغوط. لذا قد يواجه الأمركيون الاختيار بين مسنين، تقول أغلبيتهم الساحقة إنها لا تريد أيًا منهما.

وسيضطر بايدن في عام 2023 الى التعامل مع تعقيدات ومخاطر احتمال النصر في ما يسميه انطون لاغارديا “العقد الحاسم لتشكيل العالم”. لكن بايدن تقلقه الصراعات المحتملة الأخرى: تعهد بالعمل إذا غزت الصين تايوان. وبعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، رغم أنها على وشك أن تكون قادرة على ذلك. وكوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية، وكثفت تجارب الصواريخ القادرة على حملها. وهذا يدفع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى تكثيف تدريباتهما العسكرية، فيزداد خطر اندلاع حرب جانبية.

هذا ليس العالم الذي كان بايدن يأمل في التعامل معه. لقد تولى منصبه راغباً في الاستثمار في الاقتصاد، وإبرام اتفاق نووي مع إيران، والخروج من الحروب في الشرق الأوسط، وتحقيق الاستقرار في العلاقات مع روسيا، ليتجه نحو آسيا مثل الآخرين من قبله. لكن فلاديمير بوتين أجبر أميركا على إعادة التركيز على أوروبا. لذا يأمل بايدن أن يكون تأثير النجاح في أوكرانيا إيجابيا: يقلص حجم روسيا، يعزز حلف الناتو، يجعل أوروبا أكثر مرونة، يؤكد القوة الأميركية، ويوجه الانتباه إلى الحكام المستبدين في كل مكان. قد يصعب على الرئيس الاستمرار في صرف عشرات مليارات الدولارات لمساعدة أوكرانيا عسكريا واقتصاديا. واقتراب النصر يزداد إغراء الأسلحة النووية. ولا أحد يعرف ما الذي قد يدفع بوتين إلى حافة الهاوية. وإذا حاول بوتين تعزيز مكاسبه من خلال تسوية دبلوماسية، فإن أوكرانيا ليست مستعدة للتنازل عن أي شيء. لذلك، يرجح أن يكون أي اتفاق لإطلاق النار هشا وليس سلاماً دائماً.

روسيا تمثل “تهديداً فورياً ومستمراً” حسب فريق بايدن. لكن التحدي الأكبر هو الصين: الدولة الوحيدة التي لديها النية والقوة لإعادة تشكيل العالم. ونظرا للحشد العسكري الصيني السريع، والمخاوف من احتمال أن تهاجم تايوان في السنوات المقبلة، يخشى بعض استراتيجيين من أن تكون أوكرانيا مجال إلهاء خطير.

ترد إدارة بايدن أنها قادرة على صد كل من روسيا والصين لكن الميزانيات العسكرية،  حتى الأميركية الضخمة، لها دائماً حدودها. قد تؤدي مكاسب الجمهوريين في الانتخابات النصفية إلى استفادة القوات المسلحة الأميركية من زيادة ضخمة في التمويل. والنجاح في أوكرانيا قد يخفف من معضلات أميركا الجيوسياسية. حتى الفوز بالنقاط على روسيا، بدلاً من الضربة القاضية، قد يكون كافياً لإقناع الصين بأن خطر خسارة حربها على تايوان لا يستحق المغامرة.

في الشرق الأوسط ستتطوّر شبكة التحالفات المعقّدة ويتراجع نفوذ روسيا. وفي الوقت نفسه لم نشهد تقدّماً نحو حلّ الدولتين بين إسرائيل وفلسطين

الصين وتركيا

قد تقرّر الصين أن ليس من وقت أفضل للتحرّك في تايوان.

فهل تكون تايوان هي أوكرانيا آسيا؟ وهل تشتعل التوتّرات بين الهند والصين في جبال الهيمالايا؟ ولماذا لن تحاول تركيا الاستيلاء على جزيرة يونانية في بحر إيجه؟

في احتفالها بعيد ميلادها المئة في عام 2023 لن تكون أجواء تركيا احتفالية، فهناك فرصة حقيقية أن ينتهي عهد رجب طيب إردوغان عندما تجري الاحتفالات الرسمية.

 

تحوُّل التحالفات

تستجيب التحالفات للتغيّرات الجيوسياسية. سيرحّب حلف الناتو، الذي أُعيد تنشيطه بفعل الحرب في أوكرانيا، بعضوين جديدين.

هناك سؤال محوري: هل تنضمّ السعودية إلى اتفاقات أبراهام بين العرب وإسرائيل لتشكّل كتلة صاعدة؟

تشمل مجموعات أخرى ذات أهميّة متزايدة مجموعتَيْ كواد وأوكوس (ناديين بقيادة أميركية يهدفان إلى التعامل مع صعود الصين)، ومنتدى i2u2 للاستدامة الذي يربط بين الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

في الشرق الأوسط ستتطوّر شبكة التحالفات المعقّدة ويتراجع نفوذ روسيا. وفي الوقت نفسه لم نشهد تقدّماً نحو حلّ الدولتين بين إسرائيل وفلسطين. وسيواجه العديد من الدول العربية المستورِدة للنفط أزمات ديون في عام 2023، وقد يسعى بعض العرب في الخليج إلى التسوية مع إيران. بينما سيكون من الصعب رؤية حلّ وسط يسود في إيران.

 

سياحة الانتقام من كوفيد

 مع انخراط المسافرين في سياحة “الانتقام” بعد الإغلاق، يستعيد إنفاق المسافرين تقريباً مستواه في عام 2019 البالغ 1.4 تريليون دولار، لكن فقط لأنّ التضخّم أدّى إلى ارتفاع الأسعار. سيظلّ العدد الفعلي للرحلات السياحية الدولية عند 1.6 مليار، أقلّ من المستوى الذي وصله قبل الوباء، البالغ 1.8 مليار في عام 2019. وسيظلّ سفر الأعمال ضعيفاً مع خفض الشركات التكاليف التشغيلية.


الواقع الافتراضيّ: الميتافيروس

هل تنتقل فكرة العمل واللعب في العوالم الافتراضية إلى ما هو أبعد من ألعاب الفيديو؟

سيقدّم 2023 بعض الإجابات مع إطلاق شركة “آبل” أوّل “سمّاعة رأس” لها، ووفقاً لِما تقرّره شركة “ميتا META” من تغيير في استراتيجيّتها مع انخفاض سعر أسهمها.

قد يكون التحوّل الأقلّ تعقيداً والأكثر فائدة بشكل فوري هو ظهور “مفاتيح المرور” لاستبدال كلمات المرور.

إقرأ أيضاً: الحلقة الأولى

إقرأ أيضاً: الحلقة الثانية

إقرأ أيضاً: الحلقة الثالثة

إقرأ أيضاً: الحلقة الخامسة

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ…

عام المرأة الإيرانية… ثورة نساء إيران: من الخميني إلى أدونيس والأسد

في نهاية عام 2022 يكون قد مرّ أكثر من مئة يوم على ثورة “المرأة، الحياة، الحرّية” المستمرّة في إيران. صحف، مجلّات، ومواقع صحافية إلكترونية عالمية…

فرنسا 2022: الفشل الكبير في “لبنان الكبير”

الفشل الفرنسي الكبير هو في “لبنان الكبير”. وهو فشل ملازم للسياسات الفرنسيّة منذ سنوات. فهي لا تحمل العصا، ولا تملك الجزرة. لنبدأ من الآخر. 1-…

رحلة الدولار مستمرّة صعوداً: 75 ألفاً نهاية 2023؟

تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار…