فقر وجريمة وهجرة في لبنان.. وانتصار ثورة إيران؟

مدة القراءة 7 د

ينشر “أساس” 5 حلقات تلخّص ملفّاً ضخماً جدّاً أعدّته مجلة “إيكونوميست” البريطانية الواسعة الانتشار والمعروفة بموضوعيتها عن العام المقبل، وقامت الزميلة إيمان شمص بترجمته إلى العربية ليكون بمثابة رؤيّة دولية لـ”عام التحوّلات” الذي عنونت به “أساس” ملفها السنويّ ويُنشر اعتباراً من يوم غد السبت.

في الحلقة الأولى استشراف لمستقبل لبنان في 2023، وكذلك سوريا، وتوقّعات بأن يشهدا مزيداً من البؤس والانهيار، وتأكيد أنّ 2023 لن يشهد نهاية ثورة النساء والشباب الإيرانية، بل قد يشهد انتصارها وسقوط نظام الملالي.. الجيش هو من سيقرّر.

من غير المرجّح أن يحرز لبنان تقدّماً في عام 2023. فلا سياسيّوه الفاسدون ولا مصارفه المتعثّرة يريدون مواجهة الواقع

ستواجه الدول العربية المستورِدة للنفط أزمة ديون في عام 2023 ومزيداً من الاضطرابات، بسبب التضخّم وضيق ميزانياتها، وتشدّد شروط صندوق النقد الدولي. لذا عليها أن تتعايش مع نهاية زمن التبرّعات السخيّة من دول النفط العربي. هذه أيام ولّت إلى غير رجعة.

أمّا نظام الملالي في إيران، الذي سيدخل العام الجديد بمزيد من العنف ضدّ المتظاهرين ومزيد من الغضب الشعبي ضدّ رجال الدين، فسيتخبّط بين سيناريوهين: واحد متشائم وآخر متفائل بنهاية أزمتها، على الرغم من غياب أيّ مؤشّر إلى حلّ وسط. وقد يكون للجيش الصوت الحاسم في تقرير من ستكون إيران 2023 في يديه: آيات الله أم نساء الثورة.

 

مصر تنخفض مواردها

ترسم إيكونوميست صورة قاتمة للدول العربية المستوردة للنفط التي تنهي عام 2022 بديون مقلقة: مصر والأردن وتونس مدينة بحوالي 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في كلّ منها. أمّا لبنان فيتخبّط في فشله الذي نجم عن تخلّفه عن سداد ديونه في عام 2020، وفي إعادة هيكلتها، فتقزّم اقتصاده.

ستسعى هذه الدول إلى تنفيذ برامج صندوق النقد الدولي. لكنّ الدعم الخارجي الخجول لن يُخرجها من فخّ الديون وستكون ميزانيّاتها ضيّقة وستعاني صعوبات جديدة.

كانت مصر أعلنت عن صفقة بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في تشرين الأول 2022. وهذا مبلغ تشتدّ حاجتها إليه. فيما تبلغ خدمة دينها ما يقرب من نصف إيرادات عام 2023. وهي تحتاج إلى المزيد من السيولة والدولارات. لذا ستبيع الحكومة المصرية بعض الشركات المملوكة للدولة لزيادة رأس المال، وستسعى إلى خفض استهلاك الكهرباء لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي. وستستمرّ في خنق الواردات وتقليص الإنفاق على التعليم والرعاية الصحّية.

سبق لمصر أن خفّضت قيمة عملتها امتثالاً منها لشروط صندوق النقد الدولي، ففقدت 35 في المئة من قيمتها في عام 2022. وهذا يخفّض فاتورة الاستيراد، لأنّ السلع الأجنبية أصبحت باهظة الثمن بشكل متزايد. ويعتقد بعض المستثمرين أنّ الجنيه سيشهد المزيد من الانخفاض، والتضخّم سيبلغ ذروته، والأسعار سترتفع كثيراً في عام 2023.

 

لبنان: فقر وجريمة.. وهجرة

أمّا لبنان الذي توصّل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022، فيتطلّب الإفراج عن القرض البالغ قيمته 3 مليارات دولار أن تقرّ حكومته ميزانية الدولة العامّة وأن تفرض ضوابط على حركة الأموال (كابيتال كونترول)، وأن تراجع قانون السرّية المصرفية، وأن تنظّف القطاع المصرفي والمالي.

لكن لا شيء من هذا نفّذته الحكومة. ومع إقرار موازنة 2022 في أواخر أيلول، فمن غير المرجّح أن يحرز لبنان تقدّماً في عام 2023. فلا سياسيّوه الفاسدون ولا مصارفه المتعثّرة يريدون مواجهة الواقع. وسوف تعيش البلاد على الصدقات وتعتمد على ضخّ تحويلات المغتربين بالعملة الصعبة في الشتات اللبناني المترامي، لكنّ هذا غير كافٍ. قد ترسل إيران شحنات من الوقود لتوفير بضع ساعات من الكهرباء يومياً. لكنّ مستوى الفقر والجريمة سيستمرّ في الارتفاع. وسيهاجر المزيد من المواطنين: الطبقة الوسطى على متن الطائرات، والفقراء يخاطرون بحياتهم في قوارب الموت.

تقع تونس في مكان ما بين لبنان ومصر. ستواجه صفقة صندوق النقد الدولي معارضة متواصلة من الاتحاد العمالي العام التونسي. وستؤدّي تخفيضات الأجور ورفع الدعم إلى تفاقم الفقر. وسيحاول الرئيس قيس سعيّد ترهيب “اتحاد العمال” كي يوافق على الاتفاقية. لن يكون لدى تونس الكثير من الخيارات. وتظلّ الاضطرابات الاحتمال الراجح.

تتأرجح إيران بين سيناريو متشائم وآخر متفائل، ويبدو أنّ الجيش هو من سيقرّر مستقبل البلاد من خلال وضعه في أيدي آيات الله أو أيدي النساء الثائرات

دول متعثّرة

هذه الدول وغيرها من الدول العربية المستوردة للنفط تتطلّع إلى دول الخليج للحصول على المساعدة، معتقدة أنّ استمرار أسعار النفط بالارتفاع سيعود على هذه الدول بمليارات الدولارات لتنفقها في المنطقة. لكنّ عصر المساعدات الخليجية السخيّة للحلفاء قد انتهى. بدلاً من ذلك باتت دول الخليج ترى هذه البلدان متعثّرة. وقد تقدِّم لها دعماً في المجالات الاستراتيجية، لكنّ الملوك لن يقدّموا لسلطات هذه البلاد شيكات على بياض. فمصر استدانت لبناء مشاريع ضخمة، مشكوك في عائداتها الاستثمارية. وستضطرّ تونس إلى دفع واحدة من أكبر فواتير الرواتب العامة في العالم. ولبنان حوّل اقتصاده إلى مخطّط بونزي عملاق. وبالتالي ليس لدى أيٍّ من هذه الدول خطة إصلاح جادّة. وسيكون عام 2023 هو المزيد من المشاكل.

 

إيران ظريف رئيساً

تتأرجح إيران بين سيناريو متشائم وآخر متفائل، ويبدو أنّ الجيش هو من سيقرّر مستقبل البلاد من خلال وضعه في أيدي آيات الله أو أيدي النساء الثائرات.

السيناريو المتفائل، حسب إيكونوميست، أن يتغيّر النظام قريباً، كأن يحتشد الإيرانيون خلال مهرجان ربيع النوروز في 20 آذار 2023 في مطار طهران لاستضافة طائرة مليئة بالمنشقّين المنفيّين، وتصطفّ الجماهير في الشوارع للترحيب بهم في مشاهد تذكّر بعودة آية الله الخميني إلى طهران عام 1979. ثمّ يُغيّر اسم المطار من الإمام الخميني إلى مهسا أميني التي أدّى قتلها إلى انبعاث الثورة. فيفرّ كثرة من الملالي، طلباً لحماية الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان. ويتوجّه البعض إلى عُمان أو الإمارات العربية المتحدة. أمّا المرشد الأعلى فيهرب إلى بكين. ويضع مجلس من الشباب الإيراني دستوراً جديداً ويستبدل رمز العلم بشعار الثورة: “المرأة، الحياة، الحرّية”. وسيكون وزير خارجية النظام السابق محمد جواد ظريف رئيساً مؤقّتاً بعد تنحّي إبراهيم رئيسي، في محاولة لضمان انتقال سلس للسلطة. وسوف يلقى استحساناً في الخارج لكثرة المنفيين في حكومته، وهم من المتباهين بشهادات الدكتوراه من الجامعات الغربية. ويوقف ظريف إمداد روسيا بالطائرات بدون طيار، ويسعى إلى مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، فيدعو شركات الطاقة الغربية للتعاقد معها. ويحاول إلغاء قيود اللباس التي فرضها الملالي على النساء، ويتعهّد بإجراء استفتاء لمعرفة هل تظلّ إيران جمهورية إسلامية. وتعلن وسائل الإعلام الغربية أنّ السيّد ظريف هو غورباتشوف جديد.

 

سيناريو القتل

في المقابل، يتخيّل المتشائمون مشهداً مختلفاً تماماً: يرسل النظام قواته للتعامل بعنف مع المعارضة. ويصل عدد القتلى إلى الألوف فتضعف وحدة الشعب الإيراني، وتبرز الانتفاضات الانفصالية في كردستان وبلوشستان، وتهدّد بحرب أهلية، فتضعف الرغبة في تغيير النظام. سيعود فرض الحجاب الإلزامي وتباشر شرطة الأخلاق الانتقام. يعلن خامنئي المنتصر أنّ ابنه مجتبى هو خليفته. ويطلق النظام سلسلة من العمليات العسكرية الإقليمية لصرف الانتباه عن المعارضة الداخلية ولتعزيز الوحدة ضدّ الأعداء الأجانب.

قد تشمل الأهداف عمليات توغّل داخل أذربيجان بحجّة وجود شبكات استخبارات إسرائيلية. ويشتعل القتال حول حقول النفط في جنوب العراق، حيث تسيطر الميليشيات الموالية لإيران. قد تُطلق صواريخ على تل أبيب أو على خطوط الأنابيب السعودية وعلى الأسطول الأميركي الخامس في البحرين. وسيرتفع سعر برميل النفط إلى ما فوق 200 دولار.

يرغب كثيرون في حلّ وسط نظراً إلى قوة الاستقطاب في إيران. لكنّ المتشدّدين من الجانبين قد يطيحون تلك الدعوات. وفي النهاية سيكون للجيش الصوت الحاسم في تقرير هل سيكون مستقبل إيران في أيدي آيات الله أو نساء الثورة، أيّاً كان الفائز من الطرفين، وسط توازن غير مستقرّ بين الركائز الثلاث للسياسة الإيرانية المتمثّلة في رجال الدين والشعب والقوات المسلّحة.

إقرأ أيضاً: الحلقة الثانية

إقرأ أيضاً: الحلقة الثالثة

إقرأ أيضاً: الحلقة الرابعة

إقرأ أيضاً: الحلقة الخامسة

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ…

عام المرأة الإيرانية… ثورة نساء إيران: من الخميني إلى أدونيس والأسد

في نهاية عام 2022 يكون قد مرّ أكثر من مئة يوم على ثورة “المرأة، الحياة، الحرّية” المستمرّة في إيران. صحف، مجلّات، ومواقع صحافية إلكترونية عالمية…

فرنسا 2022: الفشل الكبير في “لبنان الكبير”

الفشل الفرنسي الكبير هو في “لبنان الكبير”. وهو فشل ملازم للسياسات الفرنسيّة منذ سنوات. فهي لا تحمل العصا، ولا تملك الجزرة. لنبدأ من الآخر. 1-…

رحلة الدولار مستمرّة صعوداً: 75 ألفاً نهاية 2023؟

تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار…