روسيا “تتلاشى” في الشرق الأوسط

مدة القراءة 7 د

ينشر “أساس” 5 حلقات تلخّص ملفّاً ضخماً جدّاً أعدّته مجلة “إيكونوميست” البريطانية الواسعة الانتشار والمعروفة بموضوعيتها عن العام المقبل، وقامت الزميلة إيمان شمص بترجمته إلى العربية ليكون بمثابة رؤيّة دولية لـ”عام التحوّلات” الذي عنونت به “أساس” ملفها السنويّ ويُنشر اعتباراً من يوم غد السبت.

في الحلقة الثالثة يلاحق نائب رئيسة التحرير زان سمايلي، وكبير مراسلي الشرق الأوسط غريغ كارلسترو، “أفول” الدور الروسي، من روسيا إلى أوروبا وصولاً إلى ليبيا وسوريا وعموم الشرق الأوسط.

اليمن سيظلّ أكثر الدول دموية في الشرق الأوسط في 2023، حتى لو أمكن إحياء الهدنة بين الأطراف المتحاربة

في رمال دبلوماسية الشرق الأوسط المتحرّكة، ظهرت نتيجة اتفاقيات أبراهام في نشوء علاقات أكثر صلابة بين إسرائيل وشطر من العالم العربي. هذا التحوّل هو الأكثر أهميّة في العام الماضي، مقارنة مع تراجع نفوذ روسيا في المنطقة عموماً، عدا سوريا، وعلاقات ودّية مع دول الخليج.

لكن من الأسئلة التي طرحتها مجلة إيكونوميست عن عام 2023: هل توسِّع الاتفاقيات احتمال قيام كتلة اقتصادية ناشئة جديدة؟ وهل تشجّع على تحالفات جديدة في المنطقة؟ وأين منها فلسطين وسوريا وغيرهما من الدول العربية المنخرطة في صراعات جانبية أو في مواجهة إيران؟

توقّع نائب رئيسة التحرير زان سمايلي أنّ 2023 سيشهد تحالفات معقّدة وجديدة في منطقة الشرق الأوسط، بعد اتفاقيات التطبيع والسلام بين إسرائيل وبعض دول الخليج، والاتفاقات المماثلة مع المغرب والسودان، وثبات معاهدات السلام بين إسرائيل والأردن ومصر. ودعا إلى مراقبة المملكة العربية السعودية التي “يجب” أن تتطوّر علاقاتها غير المباشرة مع إسرائيل باعتبار أنّ وليّ العهد محمد بن سلمان هو الحاكم الفعليّ، وقد خصّص مليارَيْ دولار للاستثمار في شركات إسرائيلية ناشئة. لكنه استبعد أن يؤدّي تحسّن العلاقات إلى اعتراف رسمي سعودي بإسرائيل ما دام الملك سلمان يتولّى العرش، وما لم يحدث تقدّم في “حلّ الدولتين” بين إسرائيل وفلسطين.

في رأي سمايلي أنّ اتفاقيات أبراهام أضعفت الضغط على إسرائيل لمنح دولة للفلسطينيين الذين يعانون أكثر من أيّ وقت مضى تحت القيادة الضعيفة لمحمود عباس. فقدت اليوم معظم الحكومات العربية، إن لم يكن شعوبها، الثقة بالقضية الفلسطينية. لكنّ تصعيداً في القدس أو استئناف القتال بين إسرائيل والمسلّحين الفلسطينيين سيضع على المحكّ هذه الاتفاقيات على الرغم من أنّها ذات طبيعة اقتصادية في الأساس، وتهدف إلى مواجهة العدوّ المشترك إيران.

 

اضطراب إيران وبقاء الأسد

اعتبر سمايلي أنّ الأشدّ خطورة في المنطقة هو الانقسام بين الإسلام السنّيّ المهيمن بين العرب، والبديل الشيعي الذي تتبنّاه إيران والفروع الشيعية القوية في سوريا واليمن. لكنّه لم يستبعد أن يسعى بعض العرب في الخليج، الذين يكنّون العداء لإيران، إلى التوصّل لتسوية الخلافات معها، عدا السعودية التي يُرجَّح أن تظلّ معارضة بشدّة لفكرة مدّ يد الصداقة لطهران: “فرص إحياء الاتفاق النووي بين القوى الغربية وإيران منخفضة، إذا بقي آيات الله في السلطة”. لكن إذا سقط النظام الإيراني في مواجهة الاحتجاجات الجماهيرية المستمرّة، فستخفّ التوتّرات في جميع أنحاء الخليج لصالح الكلّ. وقد تستأنف إسرائيل الحوار مع إيران.

وتوقّع سمايلي أن يبقى الربيب الرئيسي لإيران في المنطقة، بشار الأسد، على رأس السلطة في سوريا ما بقي الغرب مشتّتاً بسبب الحرب في أوكرانيا. ورجّح أن يواصل الأسد تأكيد سيطرته على البلاد على الرغم من أنّ المناطق الحدودية مع تركيا والعراق قد تشهد اندلاع أعمال عنف. وأمّا الحكّام العرب الذين سعوا إلى الإطاحة به، مثل قادة الإمارات العربية المتحدة وقطر، فقد أصبحوا أكثر ودّية معه، وكذلك تركيا. وعلى الرغم من تعثّر روسيا في المستنقع الأوكراني، لن تتخلّى عن حليفها السوري.

أدّى غزو أوكرانيا إلى تقليص دور روسيا في الشرق الأوسط. وهو يستمرّ في التلاشي

حروب اليمن وليبيا مستمرّة

أمّا اليمن فسيظلّ أكثر الدول دموية في الشرق الأوسط في 2023، حتى لو أمكن إحياء الهدنة بين الأطراف المتحاربة. ومن المحتمل أيضاً أن تظلّ ليبيا عالقة بين شطرين يشنّ كلّ منهما حرباً دورية على الآخر، فيما تبحث الأمم المتحدة عن طرق لصوغ نوع من الإجماع.

أمّا العلاقات بين الجزائر وجارتها المغربية، الدولتين العربيّتين الأكثر اكتظاظاً بالسكان بعد مصر والسودان والعراق، فستبقى مجمّدة بسبب نزاع طويل الأمد يتعلّق بالصحراء الغربية الغنيّة بالفوسفات، فيما تدّعي المغرب سيادتها عليها وتنافسها الجزائر. وقد يكتسب المغرب دعماً دبلوماسياً في دول العالم، لكنّ الجزائر لن تستسلم. فالعداوات القديمة في المنطقة لن تتلاشى بسهولة.

 

تراجع نفوذ روسيا

كتب كبير مراسلي الشرق الأوسط في إيكونوميست غريغ كارلسترو من دبي عن تراجع نفوذ روسيا في المنطقة، بعدما كان فلاديمير بوتين قبل عام واحد قوّة صاعدة فيها، وأجرت بلاده مع مصر مناورة بحريّة مشتركة في البحر المتوسط، وتعهّدا بمزيد من التعاون، ونشأ صندوق تبادل للثروة السيادية في أبوظبي، وقام بأكبر استثمار له في روسيا: اشترى حصة 1.9 في المئة من شركة “سيبور” الروسية العملاقة للبتروكيماويات. لكن بعد مرور عام فقط، غرقت القوات المسلّحة الروسية في المستنقع، وتوقّفت الاستثمارات المتبادلة.

أدّى غزو أوكرانيا إلى تقليص دور روسيا في الشرق الأوسط. وهو يستمرّ في التلاشي. فالعلاقات الاقتصادية بين روسيا وهذه الدول لم تكن عميقة أصلاً. قبل الغزو استوردت السعودية من روسيا نصف ما استوردته من هولندا، ذات الاقتصاد الصغير. وفي أوقات الحرب ليس لدى روسيا ما تقدّمه. وستتردّد دول الخليج في الاستثمار فيها. مصر التي تجذب الروس المتعطّشين لأشعّة الشمس، ستعمل على جذب سيّاح جدد.

ومن المفارقات أنّ سوق النفط والغاز سيكون من بين أسواق النموّ القليلة. وفي مقابل حظر الاتحاد الأوروبي النفط الروسي سيجد نفطها عملاء متحمّسين في الشرق الأوسط لشرائه بسعر مخفّض، إمّا للاستخدام المحلّي أو لإعادة بيعه في الخارج، بشهادة منشأ جديدة، وبأسعار السوق.

 

رداءة الأسلحة الروسيّة

أضاف كارلسترو أنّ روسيا هي ثاني أكبر تاجر أسلحة في المنطقة بعد أميركا. لكنّ حربها أضرّت بأعمالها التجارية. فعلى الرغم من أنّ رداءة أسلحتها في أوكرانيا قد لا تُبعد المشترين العرب، إلا أنّ المشكلة في تراجع كمّيات الأسلحة المعدّة للبيع داخل روسيا. والعقوبات تعوق جزءاً من آلتها الحربية التي تحتاج إليها في أوكرانيا. وقد تلجأ الجيوش العربية إمّا إلى أميركا أو إلى بدائل مثل الصين أو تركيا.

في النهاية، حافظت دول الخليج على علاقات ودّية مع روسيا، لكنّها لن تتوقّع الكثير من هذه العلاقات. للسعودية مصلحة مشتركة في إبقاء أسعار النفط مرتفعة مع الحفاظ على اتفاقية “أوبك +” سليمة. أمّا الإمارات فستستمرّ في التحدّث إلى بوتين، وهي تستوعب بسعادة المهاجرين الروس الأثرياء الذين تدفعهم سياساته إلى الخارج.

يبقى أنّ علاقات روسيا بإيران ستكون معقّدة. لكنّ التبادلات التجارية بينهما ستزداد، لأنّ الجيش الروسي المنهك يتّجه إلى إيران لشراء طائرات بدون طيار ومعدّات أخرى. وكلاهما بحاجة إلى بيع النفط غير المشروع بأسعار أقلّ من السوق.

ستكون حرب الأسعار مؤلمة لإيران. الدول العربية التي تحذّر من أميركا غير المبالية بها ستستثمر المزيد من الجهود في العلاقات مع الصين. ويحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أيضاً الاستفادة من دور روسيا المتضائل. في ليبيا ستضغط روسيا باتجاه الحوار بين الأطراف المتصارعة التي تدعمها معاً. وفي سوريا قد تفعّل صلاتها بنظام بشار الأسد. فروسيا لا تريد ولا تركيا تريد أن تملأ إيران الفراغ السوري.

إقرأ أيضاً: الحلقة الأولى

إقرأ أيضاً: الحلقة الثانية

إقرأ أيضاً: الحلقة الرابعة

إقرأ أيضاً: الحلقة الخامسة

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

شينكر لـ”أساس”: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ…

عام المرأة الإيرانية… ثورة نساء إيران: من الخميني إلى أدونيس والأسد

في نهاية عام 2022 يكون قد مرّ أكثر من مئة يوم على ثورة “المرأة، الحياة، الحرّية” المستمرّة في إيران. صحف، مجلّات، ومواقع صحافية إلكترونية عالمية…

فرنسا 2022: الفشل الكبير في “لبنان الكبير”

الفشل الفرنسي الكبير هو في “لبنان الكبير”. وهو فشل ملازم للسياسات الفرنسيّة منذ سنوات. فهي لا تحمل العصا، ولا تملك الجزرة. لنبدأ من الآخر. 1-…

رحلة الدولار مستمرّة صعوداً: 75 ألفاً نهاية 2023؟

تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار…