لبنان 2022… لامبالاة عربيّة ودوليّة

مدة القراءة 6 د

كان العام 2022 من أخطر الأعوام التي مرّت على لبنان منذ قيامه بحدوده الحالية في عام 1920 ومنذ إعلان الاستقلال في عام 1943. بل يمكن اعتبار العام 2022 أخطر عام مرّ فيه لبنان على الإطلاق بعدما تبيّن أن لا مجال لأيّ إصلاح من أيّ نوع، وأنّ النزف البشري مستمرّ عن سابق تصوّر وتصميم بهدف تغيير طبيعة المجتمع اللبناني تغييراً نهائيّاً وكلّيّاً.

مثلما حصل تغيير لطبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، بات مطلوباً الآن أن يشمل هذا التغيير المجتمع كلّه بكلّ طوائفه ومناطقه في ظلّ لامبالاة دوليّة وعربيّة في الوقت ذاته.

المخيف في ما يخصّ ترسيم الحدود البحريّة أنّه بات هناك اعتراف أميركيّ بأنّ “حزب الله” يمثّل السلطة الحقيقيّة في لبنان

يرى العرب بشكل عام أنّ لبنان دولة ساقطة عسكرياً وسياسياً في يد “حزب الله”، أي إيران. تعوّد العرب العيش من دون لبنان الذي لم يعد لديه ما يصدّره غير حبوب “الكبتاغون” والمخدّرات. استغنوا عن لبنان، القاعدة الإيرانيّة، ولم يستغنوا عن العقول اللبنانيّة المرحّب بها في معظم دول الخليج العربي في ضوء الخبرات التي تمتلكها. لم تعد من حاجة عربيّة إلى لبنان، من زاوية الجغرافيا، ما دامت العقول اللبنانية تأتي إلى دول الخليج التي صارت أحد الملاجئ الأخيرة لهذه العقول ولذوي الخبرات.

استطاع الحزب الإيراني بواسطة ما يمتلكه من سلاح وإمكانات مختلفة تحويل لبنان إلى قاعدة معادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة. يبقى الدليل الأبرز على ذلك أنّ بيروت باتت، بعد صنعاء، أهمّ ثاني مدينة للحوثيين (جماعة أنصار الله) في اليمن. لدى هؤلاء حرّيّة التحرّك إلى بيروت ومنها. لدى “جماعة أنصار الله” أيضاً محطة فضائية تبثّ من العاصمة اللبنانيّة بحماية “حزب الله” وبعلم الدولة اللبنانيّة التي لا تستطيع شيئاً حيال هذا الواقع. كلّ ما تستطيعه الدولة هو التفرّج على تحوُّل لبنان إلى مجرّد “ساحة” تستخدمها إيران في خدمة أهداف خاصة بها على صعيد إفراغ البلد من كلّ مقوّمات الحياة وعزله عن العالم العربي، خصوصاً الخليج، وعن العالم المتحضّر عموماً على الصعيد الخارجي.

لا يفوّت حسن نصرالله الأمين العامّ لـ”حزب الله” فرصة إلّا ويستغلّها لتذكير أهل الخليج بأنّ لبنان طرف في الحملة الإيرانيّة التي يتعرّضون لها، وأنّه مجرّد ورقة من الأوراق التي تمتلكها “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة. لا مشكلة لديه إذا كان ذلك يسيء إلى أبناء العائلات اللبنانيّة الذين يعملون في هذه الدولة العربيّة أو تلك. كلّ ما في الأمر أنّ أجندة “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومتطلّبات مشروعها التوسّعي، ببعده المذهبي، فوق كلّ اعتبار آخر.

دوليّاً، لم يعد لبنان مهمّاً إلّا من ناحية واحدة هي حماية إسرائيل. كان العام 2022 مفصليّاً إذا أخذنا في الاعتبار أنّه كان عام إغلاق آخر جبهة عربيّة مفتوحة مع إسرائيل، أي جبهة جنوب لبنان. اختارت الولايات المتحدة في نهاية المطاف عقد اتفاق مع إيران في شأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. لم يكن ذلك ممكناً لولا موافقة “حزب الله” على الاتفاق وتقديمه كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليّاً. ستستغلّ إسرائيل حقل قاديش، فيما ليس ما يضمن وجود الغاز في حقل قانا اللبناني الذي ستحصل إسرائيل على نسبة معيّنة من عائداته بموجب اتفاق بينها وبين شركة “توتال إنيرجي” الفرنسيّة.

يوجد فصل أخير في المأساة اللبنانية التي من المعروف متى بدأت لكن ليس معروفاً متى يمكن أن تنتهي، والتي بدأت مع توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في عام 1969 ولن تنتهي إلا إذا حصل تغيير كبير على الصعيد الإقليمي

المخيف في ما يخصّ ترسيم الحدود البحريّة أنّه بات هناك اعتراف أميركيّ بأنّ “حزب الله” يمثّل السلطة الحقيقيّة في لبنان. ليس معروفاً بعد هل تتعامل الإدارة الأميركية مع الأمر الواقع اللبناني الجديد، أي الاحتلال الإيراني، مثلما تعاملت في الماضي مع أمر واقع تمثّل في الاحتلال السوري الكامل للأراضي اللبنانية بعد 13 تشرين الأوّل 1990؟

لم يكن الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل، اللذان وُقّع الاتفاق في عهدهما، سوى واجهة استُخدمت بطريقة جيّدة لتمرير الاتفاق. لا يمكن الجزم بعد هل وافقت أميركا على الوصاية الإيرانية على لبنان. ثمّة شكوك في ذلك، إذ يبدو أنّ “حزب الله” لم يتمكّن، أقلّه إلى الآن، من الحصول نهائياً على العائد السياسي الذي كان يتوقّعه من اتفاق، هو الأوّل من نوعه، يضمن الأمن الإسرائيلي من جهة ويؤمّن وصول الغاز من حقل قاديش إلى أوروبا من جهة أخرى. قد يكون عدم حصوله على العائد سبب الاعتداء الأخير على الوحدة الإيرلنديّة العاملة في جنوب لبنان ومقتل أحد عناصرها.

يوجد فصل أخير في المأساة اللبنانية التي من المعروف متى بدأت لكن ليس معروفاً متى يمكن أن تنتهي، والتي بدأت مع توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في عام 1969 ولن تنتهي إلا إذا حصل تغيير كبير على الصعيد الإقليمي. مثل هذا التغيير مرجّح أن يحصل مع تدهور الوضع الداخلي في إيران. سيحدث التغيير عاجلاً أم آجلاً في إيران، خصوصاً أنّه بات واضحاً أنّ النظام القائم مرفوض من الشعب الإيراني بأكثريّته الساحقة. لم تعد الثورة الشعبيّة التي تشهدها إيران، منذ وفاة الفتاة الكرديّة مهسا أميني قبل ثلاثة أشهر، مقتصرة على قوميّة معيّنة، مثل الأكراد. باتت تشمل كلّ القوميات، ومن بينها الفرس والآذريون، إضافة إلى العرب والبلوش.

إقرأ أيضاً: النصاب السياسيّ والنصاب الوطنيّ.. أين أهل السُنّة؟!

لم يعد النظام الإيراني في وضع يسمح له بالاستمرار من دون ممارسة القمع بأبشع صوره. لكن من بين الأسئلة المطروحة تلك المرتبطة بالمدّة التي سيحتاج إليها الإيرانيون للتخلّص من الكابوس الذي زاد عمره على أربعة عقود. أمّا بالنسبة إلى لبنان، هل يبقى شيء منه عندما ينتهي حكم رجال الدين و”الحرس الثوري” في إيران؟ هل يبقى شيء من لبنان يسمح بإعادة ترميمه؟

لا يعمل الوقت لمصلحة لبنان. هذا ما كشفه العام 2022 الذي بيّن قبل كلّ شيء أنّ “حزب الله” هو اختزال للثنائي الشيعي، فيما السُّنّة في حال تشرذم في وقت لا يعاني فيه المسيحيون من فقدان دورهم على الصعيد اللبناني فحسب، بل من نزف الهجرة الذي سيجعل منهم في المستقبل القريب مجرّد أقلّيّة لا تشبه، في أحسن الأحوال، سوى وضع سُنّة العراق.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…