النجاح الخارجي لإيران لا يعوضّ الفشل الداخلي

مدة القراءة 5 د

دخلت الثورة الشعبيّة الإيرانيّة شهرها الثالث. لم يتوقف زخم هذه الثورة التي بدأت في السادس عشر من أيلول الماضي بمقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في طهران على يد شرطة الأخلاق.  لا يمكن لهذه الثورة إلّا أن تفضي إلى تغيير عميق يتناول تركيبة النظام، القائمة على نظريّة “الوليّ الفقيه”، وهو نظام أسّسه آية الله الخميني ليكون على قياسه.

في آثنين وأربعين عاماً، فشل النظام الإيراني على كلّ المستويات في الداخل، لكنّه نجح في وضع الأسس لمشروع توسّعي، لا افق سياسياً له على الصعيد الإقليمي نظرا إلى أنّه يقوم فقط على تدمير دول معيّنة وتغيير طبيعة مجتمعاتها، كما حصل في لبنان، على سبيل المثال.

يمكن  اعتبار هذا المشروع ناجحاً من وجهة نظر النظام الإيراني الذي يعمل تحت عنوان “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي نجحت في جعل لبنان تحت الاحتلال بعدما صار يتحكّم به لواء في “الحرس الثوري” هو “حزب الله”. لا بدّ من الإعتراف، في نهاية المطاف أنّ ايران بات الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية (الماروني المسيحي) منذ نجحت في إيصال ميشال عون إلى قصر بعبدا في 31  تشرين الأوّل من العام 2016 بضمانات من صهره جبران باسيل الذي تعهّد للحزب ألّا يحيد ميشال عون قيد انملة عن التعليمات التي يفترض به التزامها. شمل ذلك في طبيعة الحال عزل لبنان عن محيطه العربي.

لا يمكن لأي نظام أن يستمرّ مهما هرب من أزماته الداخليّة إلى خارج حدوده. انطبق ذلك على الإتحاد السوفياتي في الماضي وينطبق الآن على ايران

لم تتردّد “الجمهوريّة الإسلاميّة”، حين دعت الحاجة إلى ذلك، في دخول صفقة مع إدارة جو بايدن. سمحت للبنان، بغطاء وفّره الرئيس السابق للجمهوريّة ميشال عون وصهره جبران باسيل، بترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل. في المقابل حصل تغيير كبير في العراق صبّ في مصلحة “الحرس الثوري”. تمثّل هذا التغيير في تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني. لا يستطيع محمّد شياع السوداني، في نهاية المطاف، الخروج من تحت عباءة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق الذي يزايد على جميع العراقيين في ولائه لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” و”الحرس الثوري”.

نجحت “الجمهوريّة الإسلاميّة” خارج ايران، لكنّها فشلت في الداخل الإيراني. كانت السياسة الأميركيّة السبب الأوّل في نجاحها الخارجي بعدما تراجعت الإدارات المتلاحقة عن التصدي لها. بدأ ذلك بالسكوت عن احتجاز الديبلوماسيين الأميركيين في سفارة طهران طوال 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1979.

إذا استثنينا إغتيال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” في أثناء مغادرته مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020، كانت كلّ مواقف الإدارات الأميركيّة في خدمة السياسة الثابتة لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”. استطاعت إيران في مرحلة ما بعد سقوط نظام الشاه الإستفادة إلى أبعد من مواقف أميركيّة تقوم على فكرة استرضائها.

الأكيد أنّ نقطة التحوّل الأهمّ كانت تسليم إدارة جورج بوش الإبن العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في العام 2003. حصل ذلك من دون تفكير في العمق في النتائج التي ستترتب على إيجاد خلل دائم في النظام الإقليمي. ولد هذا النظام الإقليمي بعد انهيار الدولة العثمانية.

لا يعود استمرار الثورة الشعبيّة في ايران إلى أنّ الشعب سئم من نظام يحتقر المرأة ويتطلع إلى الإنتماء إلى ثقافة الحياة فحسب، بل يعود أساسا إلى الفشل الداخلي على كل صعيد ايضا.

ليس حرق منزل الخميني في مسقط رأسه، بلدة خمين وسط ايران، سوى تعبير على ذلك. لا يمكن لنظام، أي نظام النجاح خارجيا والفشل داخليا. يظلّ انهيار الإتحاد السوفياتي المثل الأهمّ الذي يمكن تقديمه لتأكيد أنّ الثورة الشعبيّة في إيران مستمرّة. هذه الثورة مستمرّة على الرغم من كلّ القمع الذي يتعرّض له الشبان الإيرانيون الذين سدّ النظام كلّ الطرق المؤدية إلى ثقافة الحياة في وجههم. ليس صحيحا أن الشعب الإيراني يكره اميركا وأسلوب العيش الأميركي. كلّ ما في الأمر أنّ صبر الشباب الإيراني نفد في العام 2022.

يظلّ اخطر ما في الأمر، بالنسبة إلى النظام، أنّ الثورة لا تشمل منطقة واحدة ولا شعبا واحدا من الشعوب الإيرانيّة. لا تشمل الأكراد والبلوش والعرب الموجودين في الأحواز. فقط. باتت تشمل الآذريين أيضا وقسما من الفرس. لا يمكن الإستهانة بأي شكل بوصول الثورة إلى مدن آذرية مثل تبريز وارومية، ذلك أنّ “المرشد” علي خامنئي ينتمي إلى القوميّة الآذرية.

كان الإتحاد السوفياتي القوّة العظمى الثانيّة في العالم. امتد نفوذه في مختلف انحاء العالم… وصولا إلى كوبا وانغولا واثيوبيا واليمن الجنوبي حيث كان له موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة. كان الإتحاد السوفياتي يتحكّم بكلّ دول أوروبا الشرقيّة وفرض تقسيم المانيا واقام جدار برلين…

انهار الإتحاد السوفياتي مع انهيار جدار برلين في العام 1989. انهار لأنّه فشل من داخل. ترفض “الجمهوريّة الإسلاميّة” التعلّم من التجربة السوفياتيّة… تماما مثلما يرفض فلاديمير بوتين استيعاب أنّ روسيا ليست دولة عظمى مهما امتلكت من صواريخ وقنابل نوويّة.

إقرأ أيضاً: خطورة صعود “حماس”

لا يمكن لأي نظام ان يستمرّ مهما هرب من ازماته الداخليّة إلى خارج حدوده. انطبق ذلك على الإتحاد السوفياتي في الماضي وينطبق الآن على ايران. ما الذي لدى ايران لتقدّمه إلى العراق او سوريا أو اليمن أو لبنان. حيثما حلّت، يحلّ الخراب معها. يظلّ السؤال الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف هل النظام الإيراني الحالي، وهو نظام يسيطر عليه “الحرس الثوري” قابل للحياة أم لا؟ الجواب أن مثل هذا النظام سيأخذ ايران إلى مزيد من الخراب ولا شيء آخر غير ذلك… بغض النظر عن الصفقات التي يمكن عقدها مع “الشيطان الأكبر” الأميركي. سيظلّ السؤال متى يتصالح النظام مع الشعوب الإيرانيّة؟ هل مثل هذه المصالحة ممكنة من دون الإقتناع بأن الإنتصارات خارج ايران هي يمثابة هزيمة داخلها؟

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…